قراءات نقدية
علي محمد اليوسف: قراءة في رواية احفاد معطف غوغول
تمهيد اولي: اكرمني الاستاذ بيات مرعي بروايته الثالثة (احفاد معطف السيد غوغول). عرفت الروائي بيات مبدعا موزع الاهتمامات والمواهب فهو فنان تشكيلي ومخرج مسرحي ومصمم بوسترات واغلفة كتب وصحفي وكاتب في الاجناس الادبية مميزا بعيدا عن الثرثرة والادعاءات الفارغة التي لا رصيد لها.
ذكّرني بيات المبدع المعروف على نطاق الوطن العربي أنه نال الجائزة الاولى لتصميمه بوستر بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013. من بين مساهمين تنافسوا على الجائزة من داخل وخارج العراق. وقتها كانت طبعت لي دار الشؤون الثقافية ببغداد كتابي (الحداثة.... اشكالية التوصيل والتلقي) بالمناسبة العربية الثقافية ذاتها.
اول ما يستوقفك بالرواية هو الاهداء فيه (المعطف) رمز مزدوج على نفسه فهو تارة يكون معطفا نرتديه اتقاء برودة المناخ القارص حيث جاء في عبارة الاهداء (المعطف الذي دفأ قلبي ذات يوم شتائي) انا وجدت رمزية المعطف في الاهداء تشير الى حنان الاب الذي يستذكره الروائي طفلا. وتارة اخرى يكون المعطف دلالة محايثة غائبة عن الحضور المادي خلف السرد الانتقالي المستّل من واقع الحياة.
المعاطف المؤنسنون هم اولئك البشر المهمّشون مسلوبوا الحق بالحياة الكريمة. في محادثة لي مع المؤلف قال لي روايتي هذه هي دورة حياة تبدأ بولادة كل شيء ثم تنتهي بالاندثارتدريجيا في حتمية الموت. وبهذا اسقط الروائي بيات رمزية المعطف بدءا من حياكته وانتهاءا بحلجه اى اعادته خيوطا ثانية في هذه الدورة الحياتية التي ينتقل بها الانسان من بداية ولادته لحين موته.
عنونة الرواية هي رمزية مستعارة عن رواية (المعطف) للروائي الروسي الشهير نيقولاي غوغول. عمد الروائي بيات اسقاط ماض عاشه يمزج بين الواقعية والافكار والتداعيات الماضية التي تفرض نفسها ابداعيا تلك هي العوالم التي تنتقل بلقطات ما يسمى فلاش باك بين تصويره أجواء من الغرائبية والفانتازية التي يدخلك المعطف الرمز المخاتل في دوامتها. ويتنقل بك من إدهاش لآخر في تساؤلات بدون اجابات. انتقالات بيات مرعي في الرواية هي انتقالات متقافزة لا يستوعبها سرد منتظم يشتغل على مركزية ثيمة واحدة. بل هو يقودك نحو نهايات تاويلية مفتوحة سائبة تتوقف عندها التساؤلات العديدة. لا تجد في الرواية اجابات عن عوالم تمتزج بها الواقعية مع كل ما هو خرافي غرائبي سوى في الادهاش التساؤلي فقط هو هل الانسان معطفا ام المعطف هو الانسان؟. لعبة فانتازية لعبها الروائي بمقدرة فنيّة وحبكة سردية جميلة. على انهما مدلولان لجوهر واحد هو الانسان في دورة الحياة.
فمثلا يذكر المؤلف على لسان الراوي انه عندما دخل احد شخوص الرواية الاعور سرداب الذخيرة والاسلحة والعتاد المتروكة في القبو الذي يضم تلك المخلفات الحربية التي لم يعد لها قيمة بعد انتهاء الحرب بالمدينة. سمع الاعور وبيده الفانوس صوت نحيب آدمي ولما اراد معرفة صاحب البكاء النحيب دخل غرفة مهجورة مظلمة عفن رطوبة الروائح الكريهة تنبعث منها. واجهته بذعر صادم تكشيرة قطة سوداء (يلاحظ هنا رمزية اللون الاسود) مع هررة معها هم صغارها وقفت تدافع عنهم وتصرخ صراخا مفزعا مخيفا بوجهه وسط ظلام القبو الدامس.
ترك المؤلف مصير النحيب ومن كان صاحبه لغزا بلا جواب وغادره!؟ حيث انقلب النحيب الى قطة سوداء رمز التشاؤم والتطيّر المفزع منها وربما يذهب البعض ان حضور القطة السوداء في هذا القبو المظلم المخيف انما هي من عالم الجان المتخيّل المسكون بالذاكرة الجمعية التي كانت تتناقل وتنسج الحكايات المخيفة عن عجائب الجان التي ترتعد لها الفرائص وقتذاك تتداوله باستمتاع يشوبه الخوف المفزع مختلف الاعمار هو ما استدرج حامل الفانوس الاعور الذي يتجول في القبو لاستكشافه بعد ان هجره البشر...
رمزية المعطف في الرواية هو ليس ذلك الثوب الذي نتدفأ به من البرد القارص. بل هو عودة لعوالم متعددة متنوعة تستحضر المعطف في تجلياتها الواقعية والغامضة. استذكارات المخيّلة الابداعية للروائي بيات هو سعيه خلق توليفة من الانتقالات التي تدعوك للدهشة والتساؤل وماذا بعد ذلك ؟ اثناء مغادرتك الصورة الواقعية التي يسردها بغموض في شكل اقصوصة قصيرة صوّرها بعناية ليتركها مفتوحة النهايات امام القاريء ليستجلي هو بنفسه مراميها.؟
(فابتلع لساني واتركه على رصيف ساخن بالصمت) ص6 من الرواية
هذه العبارة الفلسفية هي للروائي بيات مرعي. وبحكم اشتغالي بالفلسفة فترة طويلة أعجبتني جدا عبارة بيات المكتنزة فلسفيا فأول مفارقة تجدها هي كيف ابتلع الراوي لسانه وهو وظيفة بيولوجية لغوية عدا وظيفتها البيولوجية في تناول الطعام.؟ وكيف ترك الراوي لسانه على رصيف ساخن بالصمت؟ وهي رمزية مجازية لترك اللسان على رصيف ساخن بالصمت الذي هو موقف من الحياة المليئة بالاحزان التي لا ينفع معها الصراخ حيث لا يسمعك احدا؟ لكن اذا نحن حللنا العبارة مجازيا نجد عبارة من سطر واحد او اقل تبهرك بصياغتها اللغوية الفلسفية التاويلية وتحيلك الى نوع من الدايلوك(الحوار) النفسي الذي يفرض حضوره الدائم على الناس المسحوقين بالحياة في ابتلاعهم السنتهم بنوع من الصمت القاتل.
ابتلاع اللسان بمعنى الصمت في العبارة التي اشرنا لها هو رمزية ماتعجز اللغة البوح والتعبير عنه من ألم وقلق وحزن دفين فيسّسلم بطل المشهد المحكي الراوي على لسان المتكلم انا لقدره الصمت المزمن في بلعه لسانه الذي هو اداة التعبير اللغوي عن مدخلات النفس ومخرجاتها في معاناتها. فيكون الصمت هو المسكوت الاجباري عما يجب ان لا يقال ويبقى خفيّا. حيث لاجدوى من الشكوى والتذّمر من الحياة فهم المعاطف المؤنسنة الذين يعيشون مرغمين مع كل ما ليس له قيمة لا في الكلام ولا في الصمت.
الملاحظة الثانية في تعبير اللغة بنصف سطر يكمن المعنى الاوضح في التكملة ان المتحدث يترك لسانه على رصيف ساخن من الصمت. نجد هنا المتكلم خرج من ابتلاع لسانه وهي عملية بيولوجية غير معقولة منطقيا ولا تجريبيا طبيعيا فاللسان اداة استنطاق اللغة كما ذكرنا حينما يمتلكه الشخص الفرد. لكن حينما يتركه – اللسان - على رصيف ساخن من الصمت فهو يقصد برمزية موحية الدلالة ان الصمت هو الصفيح الساخن الذي يشوي من يريد الحديث عما يجب أن لا يقال من المجموع الذي ابتلعوا السنتهم ولاذوا بالصمت منقذا لهم من الهلاك وليس الفرد المتكلم وحده بلع لسانه الكلام ليلوذ بالصمت الذي هو تجرّع الموت بالتقسيط..
اي اراد بيات القول في اسقاطه الخرس المكبوت انه لم يكن الوحيد الذي ابتلع لسانه خوفا من الوقوع في التهلكة بل هو قدر جميع المهمشّين المسحوقين بوقائع حياة لا نصيب لهم فيها من الراحة المادية ولا من الناحية المعنوية لمثل هذه الشرائح التي تقتات الحزن والقسوة والظلم والمرارة بصمت يشويهم على صفيح ساخن من المعاناة.
يوضح بيات مرعي على لسان احد شخوصه الصمت المكبوت بالخوف قائلا (بدأت اشعر كانني ذاك الاخرس او ذاك الذي يتعلثم في الكلام . تطاردني الكلمات كالنبال فاتعثر خوفا لاهرب مرميا على ارصفة الرصد والتامل وعلى كتفي عباءة تساؤلات لا اجابات عنها). هنا العباءة هي المعطف او هو الموقف الصامت الذي لا يستطيع البوح اللساني عما يعانيه هو و شرائح من مجتمعه المهمّشين.
لغة الرواية والحدث الكارثي
يتحدث بيات الروائي بلغة رشيقة مكتنزة بالمعاني والتاويلات الرمزية التي كان شاهد عيان على ما اصاب المدينة من خراب ودمار وتدمير نفسي تقشعر له الابدان, طبعا هو يقصد مدينته الموصل التي اكتسحتها الوحشية الهمجية الداعشية اثناء إحتلال المدينة وما تلاها من عمليات التحرير القتالي.
يقول بيات بصيغة انا المتكلم (في ذلك اليوم هجم جيش غريب على المدينة وبدأ تدمير كل شيء في طريقه, وهرب أهل المدينة خوفا من بطشهم بينما بقي القليل منهم مختبئين في منازلهم ممن لم يكن يريد المشاركة بالحرب).
الحقيقة ان مواجهة المد التدميري الداعشي اثناء احتلالهم المدينة (الموصل) او اثناء التحرير لم يكن يحتاج الى بناء جدار من الحب والسلام كما يقترح الروائي بيات. جدار الحب والسلام في ظروف وممارسات غاية في بشاعتها وهمجيتها ورعبها لم يكن يجدي نفعا معها بقدر الاحتياج وقتها الى مقاومة وطنية تاريخية سرّية كان على الشباب الانخراط في صفوفها واختيار قادة لها من الضباط العسكريين المتقاعدين من الذين لم يغادروا المدينة. من الذين نجوا من اعدامات داعش.
تشير احدى الاحصائيات أن داعش أعدم ما يزيد على 40 الفا من الناس الابرياء بالموصل من الطفل الى الشيخ الكبير نساءا ورجالا على اسباب تافهة. كان هرب بعض اهل المدينة الى كردستان او الاختباء في البيوت هما اسلوب التقاعس في الدفاع عن مدينة انتهكت محرماتها حتى الدينية الاسلامية والمسيحية في تهديم الجوامع والمساجد والكنائس ولم تسلم دور العبادة للاقليات مثل الايزيدية.
ومع كل الرعب الهمجي الذي جعل الكل لا يستطيع مراجعة نفسه وما هو واجبه في التصدي لهجمة ذلك الجراد الاسود الذي محى الاخضر واليابس جعلتهم الدهشة غير المتوقعة التي اصابت المدينة تشل قدرة التفكير الناجع بما يجب مواجهته على الارض التي يسيح بها الدم بمجانية لا مثيل لها في تاريخ الارهاب والبشاعة والجريمة.
وسجلت تلك المرحلة المظلمة الكارثية مواقف بطولية شجاعة ضّحى اصحابها من فتيات وشباب واستشهدوا بكرامة وعزة نفس فرادى مواقف شجاعة يخلدها التاريخ عاجلا أو آجلا لهم. استشهدوا بوضع الدواعش رؤوسهم الطاهرة على (بلوكة) من سمنت وضرب اعناقهم بالسيف وقطع رؤوسهم.
يتلاعب الروائي بيات مرعي باللغة تلاعبا سرديا فنيا على قدر كبير من السبك الجميل المكتنز بالمعنى الدلالي مثل قوله ( لا احد يعرف موعدا للقيامة لكي نعد السطور التي كتبناها على جدران محطاتنا. كثيرة هي الاشياء في هذا العالم لا تشبه اسماءها اطلاقا مجرد تلميح وتصريح يسير كنملة سوداء تتجول في ازقة جمجمتي. اشعر بان كل مافيّ سيتمزق ويصبح مجرد اشلاء, حتى افكاري توقفت عن الرقص فوق ما تبقى من الجدران ). لغة شفيفة موحية جماليا آسرة تقترب جدا من قول الشعر الناضج كما وفيها من التعبير الفلسفي الجميل ما يدهش قوله نملة سوداء تتجول في ازقة جمجمتي. وعبارته حتى افكاري توقفت عن الرقص فوق ما تبقى من الجدران. يمنعني ضيق المجال معالجة عبارات بيات مرعي فلسفيا وانا ملزم قراءتها نقدا ادبيا روائيا.
رحلة الذهاب الى الجحيم
ينتقل الروائي على لسان المتكلم في هذه الرحلة بعربة الاعور العودة الى ان المعاطف انما هي بشر لها تجاربها الخاصة وتاريخها. هنا المعاطف تتقمص دور البشر المهمشين المضحين ويكون مصيرهم عربة الاعور تنقلهم الى الجحيم في عربته المهترئة القديمة وقبح وجه سائقها الخالي من اية ملامح انسانية ترأف لهؤلاء المساكين من البشر المكدسين على شكل معاطف بعضها فوق بعض او الى جانب معطف آخر يمنحه نوع من ترياق الصبر عن مصيرهم المجهول الذي يقوده اليهم الاعور بعربته نحو مقصلة الحلج.
المعاطف او بالاحرى الناس المتشيئين بالمعاطف المحمولين بالعربة هي معاطف بالية وسخة قديمة رثّة جمعها الاعور من المزابل ومكبّات النفايات ومن الازقة المهجورة ومن كل مكان يأنفه ويبتعد عنه الناس. كانت عربة الاعور لا تحمل معاطف وانما اناس مهمشين لهم مشاعر واحاسيس وتاريخ وكان لهم دورا مشرفا في حماية اجساد المقاتلين بالدفء والحميمية التي تؤنس وحشة المقاتل صحبة سلاحه.
الروائي بيات مرعي في هذه الجزئية من الرواية اوقعنا في حيرة من امرنا هو اي الروائي بيات كان متعاطفا مع هذه المعاطف الآدمية المتشيئة ام هو ضدها ويصورها بصور انحطاطية مجتمعيا.؟ هل اصحاب المعاطف البشرية هم غير الناس الفقراء المعدمين الذين يصورهم بيات مرعي قائلا عما يشعرون به محمولين في عربة الاعور ( ما زلنا تحت المطر. فالبلل يثقل نسيجنا- على اعتبارنا معاطف حسب الروائي بيات- ويعطل امانينا ونحن بالعربة نمر بزقاق ضيق يلفه الغموض والظلام. وتنتشر فيه القاذورات في كل مكان من اكياس القمامة المتراكمة الى بقايا الطعام المتعفنة. والهواء الكريه الرائحة تصدره مجاري الصرف الصحي المتسربة. من المؤكد والكلام للروائي ان سكان هذا الزقاق هم من المساكين الذين يفتقدون ابسط مقومات الحياة ممن يفترشون الارض ويلتحفون السماء حين تزورهم الشمس مرات في السنة من فصل الصيف).
اقصوصات خاصية كل معطف
اراد بيات القول ان كل معطف معروض للبيع في سوق (البالة) لبيع الملابس المستعملة القديمة او المعاطف المعلقة في القبو تنتظر النشاف من بلل الطريق الممطر حينما قام الاعور بنقلها بعربة مكشوفة قديمة ليقوم الاقرع بحلجها اي اعدامها لتستعيد دورة حياتها من خيوط نسيج جديدة لحياكتها وخياطتها ثانية بزي جديد من المعاطف.
المعاطف في الرواية هي مثل الانسان لها عوالمها الخصوصية ودورة حياة صاحبها الاول الذي اشتراها وهي جديدة. ففي رحلة الذهاب الى الجحيم في نقل المعاطف الى صاحب سرداب الاقرع للحلج نجد المعاطف تجمعها ويفرقها انها جاءت من خارج المدينة على شكل بالة ملابس قديمة مستوردة من مختلف بقاع الارض ومن مختلف جنسيات وهويات اصحابها حينما إقتنوها ولبسوها اول مرة قبل رميهم لها.
يتحدث المعطف الازرق اولا يروي قصة حياته مع صاحبه قائلا اشتراني ذات يوم صحفي ياباني كان من اشهر الصحفيين في مدينته اليابانية. كان مولعا بقراءة الكتب وسير العظماء بالتاريخ من الذين تركوا وراءهم مواقف بطولية خلدّتهم.
ويسرد المعطف الازرق كل تفاصيل حياة صاحبه الذي اشتراه وما لاقاه بحياته من سجون متعددة واحكاما بالاعدام والسجن المؤبد وهروبه المتعدد الاساليب ثم يلقى القبض عليه ويودع السجن عشرات المرات.
يحاول المعطف الازرق المعلق على جدار القبو بانتظار الحلج يحاور معطفا آخر لونه بني رغبة الاستئناس بالمحادثة معه لقضاء الليل الرتيب الطويل. سأله هل انت خائف من الاعدام حلجا؟
اجابه المعطف البني بمواربة الهروب من السؤال المحرج لا لست خائفا لكني قلق لاني سافقد هويتي بالحلج. قال له المعطف الازرق اكيد انت مثلي جوعان خذ كل كسرة الخبز هذه وناولها له. ثم اردف محاولا التخفيف عنه وهو ينتظره نفس المصير الموت حلجا بماكينة الاقرع الصدئة في القبو. لا تقلق فازرارنا متينة وجيوبنا عميقة وبطانتنا دافئة واوراقنا قد اكلها العث في تلك المخازن التي مررنا بها وعرضونا اصحابها عراة في اسواق البالة للالبسة القديمة قبل مجيئنا للحلج. والان ياصديقي وصلنا مرحلة الشيخوخة. وآن لنا لقاء مصيرنا المحتوم الاعدام بماكينة الحلج. لنعود خيوطا لمن يشترينا ليصنع منا معاطف اخرى. بذلك ياصاحبي نستعيد دورة حياتنا.
كلمة ختامية
باشر المعطف البنّي يسرد على محدثه المعطف الازرق قصة حياته وتمضي الرواية بعرض حيوات المعاطف على لسان الضمير المتكلم حتى يختم بيات مرعي روايته الجميلة في لغة رمزية شفافة قائلا من الصوف ولدنا واليه نعود وهي كناية اننا معشر البشر لا فرق بين لون ولا قومية ولا دين فقد خلقنا الرب من تراب ونعود الى التراب.
الصديق العزيز بيات مرعي له ثلاثة روايات هي سلسلة من سرد روائي لا ينقل لك الواقع بل رواياته تتوارى خلف عوالم من الفنتازيا واللامعقول في خلفية انسنته الحياة التي يسردها وتشيييء الانسان. بعيدا عن المباشرة السطحية تحت ذريعة انه يتعامل مع الحياة الاجتماعية. والحقيقة هي ان الادب والفن مقتلهما في نقل الواقع بحرفية فوتغرافية وقائعية.
اعجبتني لغة الرواية فهي تصور كل شيء بنوع من التعبير اللغوي الفنتازي الذي تبهرك عوالمه المستلة من واقع لا حضور مباشر له من غير لغة تصادره جماليا لتقول ما يعجز الواقع التعبير عن نفسه. كما وجدت في الرواية المتعة لما يستهويني فيها عبارات بيات مرعي الفلسفية التي لم استطع الوقوف عندها جلها لضيق المجال.
اهنيء صديقي بيات مرعي على روايته الجميلة الهادفة انسانيا بتذكيرنا ان كل شيء بحياتنا له دورة حياة تنتهي بحقيقة الموت. واجد الذي يتهم الرواية على انها سوداوية تشاؤمية انه يتناسي حقيقة ان الوجود والانسان هو مصير قاتم اسود فان ويحضرني هنا تعبير الشاعر الفرنسي اميل سوران خطأ اننا نوجد خطأ ان نموت.
***
علي محمد اليوسف /الموصل