قراءة في كتاب
ابتهال عبد الوهاب: قراءة فلسفية في كتاب "صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر"
للدكتوره Lina Jazrawi
هناك كتب تقرأ، وكتب تعاش. وكتاب الدكتورة لينا الجزراوي ينتمي إلى الفئة الثانية لأنه لا يكتفي بطرح موضوع الفلسفة النسوية كمبحث أكاديمي بل يضعه في قلب الجدل حول المرأة ومكانتها متخذا من الفكر العربي المعاصر ساحة للفحص والمساءلة.
كانت المرأة دائما موضوعا في كتب الآخرين لا كاتبة حكايتها
من الأسطورة إلى الفلسفة.. من قصص الخلق إلى مقالات الفكر ظلت صورتها تصاغ خارج ذاتها، كأنها ظل يمشي على جدار التاريخ.. تسكن دائما الهوامش بعيدا عن المتن.
لكن في كتاب "صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر"، تمسك الدكتورة لينا الجزراوي بالريشة وتعيد رسم اللوحة، لا لتجميلها بل لكسرها وإعادة خلقها من جديد
منذ الصفحات الأولى يفتح الكتاب أبوابه على مكانة المرأة في التاريخ لا كتسلسل للأحداث فحسب، بل كمشهد ميثولوجي وفلسفي، حيث تتقاطع الأسطورة مع النصوص المقدسة وتتبادل الصور أدوارها بين التجسيد والتأويل. فالمرأة في الميثولوجيا ليست مجرد كائن روائي في مخيلة الشعوب، بل هي رمز أولي للخلق والخصب والسلطة الروحية، قبل أن تختزلها بعض السرديات في دور تابع أو هامشي. وفي تتبّع المؤلفة لصورة المرأة في قصص الخلق الدينية، ثم في الخطاب الفلسفي، نلمح ما يشبه مرآة مزدوجة. واحدة تعكس التقديس والألوهية، وأخرى تعكس الحجب والإقصاء.
في الفصل الثاني، ينتقل الكتاب إلى النظرية النسوية جذورها، تشكلها، وتحولاتها من خطاب غربي يتأسس على صراعات الموجات النسوية، إلى خطاب عربي يحاول التكيف مع بنيته الاجتماعية والثقافية الخاصة. هنا، تقدم الجزراوي قراءة رصينة لا تنساق وراء التقليد الأعمى ولا تنغلق على الذات بل تحاول فهم كيف يمكن للنظرية أن تتحول من استيرادٍ فكري إلى مشروع نقدي يشتبك مع الواقع.
أما الفصل الثالث "الخطاب النسوي في الفكر العربي المعاصر"، فهو قلب الكتاب النابض. حيث تتتبع المؤلفة كيف تمثلت الثقافة العربية المعاصرة صورة المرأة: في الأدب، في الفكر، في المنابر الثقافية، وحتى في التيارات التي تدعي الانتصار لقضيتها. وهنا تطرح رؤية نقدية حادة للفكر النسوي العربي، تكشف عن مفارقاته: كيف يمكن لخطاب أن يرفع شعارات الحرية والمساواة بينما يظل أسير بنى لغوية وفكرية تعيد إنتاج الهيمنة بشكل ناعم؟
الكتاب، في مجمله، ليس دفاعا أعمى عن "النسوية" ولا هجاء لها. بل هو تمرين فلسفي في تفكيك الصورة: من أين جاءت، كيف تشكلت، ولماذا تستمر في الهيمنة على وعينا الجمعي حتى اليوم. وفي لغته، نجد توازنا بين الصرامة الأكاديمية وحساسية التأمل، بحيث تحول النص إلى رحلة معرفية وجمالية في آن واحد.
إن قراءة كتاب الدكتورة لينا الجرزاوي تضع القارئ أمام سؤال مركزي:
هل يمكن للفكر العربي أن ينتج نسويته الخاصة، بعيدا عن استنساخ التجربة الغربية أو الارتهان إلى خطاب التراث كما هو؟
سؤال يبدو أن المؤلفة لا تجيب عنه مباشرة، لكنها تترك للقارئ ما يكفي من الأدوات الفكرية ليخوض معركته الخاصة مع الجواب.
و في وجهه نظري. ربما لا يكون كتاب "صورة الفلسفة النسوية في الفكر العربي المعاصر" مجرد دراسة فكرية، بل هو أشبه بمساءلة هادئة وصاخبة في آن واحد تطرق أبواب التاريخ والأسطورة والفلسفة، ثم تقف في مواجهة الحاضر لتقول: إن المرأة ليست ظلا يبحث عن ضوء، بل ضوءا يحاول العالم حبسه في إطار
وحين يطوي القارئ صفحات هذا الكتاب يشعر وكأنه أمسك بمرآة صغيرة يرى فيها المرأة لأول مرة بلا أقنعة، لا كما أرادها النص أو الأسطورة، بل كما تريد أن تكون هي
هذا الكتاب لا يكتفي بمسح الغبار عن هذه المرآة، بل يكسرها، ليلتقط شظاياها ويعيد ترتيبها في لوحة جديدة.
***
ابتهال عبد الوهاب






