قراءة في كتاب
جمعة عبد الله: أضواء على كتاب "الانسان الذي سبق الثورة"

الجوانب الانسانية في سيرة سلام عادل.. لسعاد الراعي
توثيق تاريخ العراقي الحديث، بكل عواصفه السياسية، اشتدت فيها التناحرات والخلافات الحادة بين الأحزاب السياسية، وفي داخل جسمها الحزبي، لذلك هذا الكتاب التوثيقي لسيرة حياة بطل جاء من وسط الناس البسطاء، من وسط الفقراء والكادحين، ليتسلق سلم النضال السياسي بكل عزيمة واقتدار وتفاني، ويكرس جل حياته من اجل قضية الوطن والشعب، في تحرره من الاستعمار البريطاني، وتحقيق حياة أفضل للكادحين والفقراء، في تتبع سيرة حياة هذا المناضل الثوري والجسور، تقدم هذه الدراسة الموضوعية الرائعة في هذا المجال، تسلط الضوء على الجوانب الانسانية، لقائد شعبي وتولى مسؤولية زعامة الحزب الشيوعي (سكرتير عام للحزب) هي رحلة حياتية طويلة محفوفة بالمخاطر الجسيمة والمنعطفات الخطيرة، بين النضال السياسي الوطني في المواجهة بحكمة ثورية، وبين التكتلات والانشقاقات داخل الحزب الشيوعي، التي تعرقل مسيرة الحزب من السير في الطريق لتحقيق أهدافه النضالية، تحرر الوطن وحياة كريمة للفقراء والكادحين، وهو يدرك بعمق التكتل والانقسام يقودان الى الخيانة والانشقاق. والكتاب يسلط الضوء على الجوانب الإنسانية في سوح النضال الوطني لهذا المناضل، كما يسلط الضوء على نقائه الإنساني والاخلاقي، في تواضعه وبساطته، والتفاني بحب الشعب والوطن، وبناء الحزب خالٍ من التكتلات والانشقاقات، ليكون الحزب في طليعة النضال الوطني، هذه الوثائق والمذكرات والشهادات عن اسطورة هذا البطل، اعتمدت على مصادر متنوعة، ولكن أبرزها، شهادات عائلة الكاتبة (سعاد الراعي) حيث والديها عندهم قرابة حميمة مع عائلة الشهيد، في ذكر سيرة حياته وبطولاته النضالية وبساطة أخلاقه الحميدة في مختلف المواقف الصعبة والحرجة، يذكرونها بفخر واعتزاز، وكذلك اعتمد على مصدر كتاب زوجته ورفيقة حياته حتى النهاية (بثينة ناجي يوسف) في سيرة مناضل في صلب قلب الاحداث، رجل من عائلة فقيرة مر في تاريخ العراق، ووضع بصماته في سطور التاريخ الحديث . قائد سياسي سطر ملامحه البطولية في تجربته القاسية والصعبة. لقد ارتبط اسمه (سلام عادل) في ذاكرة العراقيين، بدم الشهداء، وصلابته الفولاذية امام جلاديه حتى نال الشهادة في البطولة والاقدام، لقد استلم مسؤولية الحزب عام 1955، حتى اعتقاله بعد يوم من انقلاب شباط الفاشي والدموي عام 1963، واعدم في السادس من آذار، في دهاليز (قصر النهاية) في تقطيع أوصاله قطعة قطعة بالمنشارة فقس عيونه، تعذيب وحشي يفوق التصور والخيال، ان مسيرة حياة هذا البطل الأسطوري، أرخ لتاريخ الحركة الوطنية ونضالاتها، بقلب جسور نابض بالحياة والمقاومة والانسانية النبيلة، انبثق من رحم الفقر في بيت يعج بالأطفال، لكن هذا البيت يملك العزة والكرامة، تدرج في دراسته حتى تخرج من دار المعلمين عام 1943، وعين معلم في الديوانية، اتجه الى المسرح والفن، حتى نال احترام التلاميذ، ولكن طموحاته تجسدت في الانخراط في النضال الوطني والحزبي، فصل من وظيفة التعليم، وسجن ثلاث سنوات في (نقرة السلمان) بسبب اشتراكه في احدى المظاهرات المنددة بالحكم الملكي، وبعد خروجه من السجن انتدب في العمل الحزبي في البصرة، وهناك تعرف على رفيقة حياته (بثينة ناجي) وارتبط معها بزواج دام حتى النهاية، وفي عام 1955 تولى مسؤولية الحزب كسكرتير عام، تحمل اعمال النشاط الحزبي، في ظروف صعبة، حيث الانشقاقات والكتل الحزبية، والبيروقراطية في العمل الحزبي، فقد عمل بجد بوعي ثوري متواصل، في جمع شتات الحزب وتوحيده من التكتلات والانشقاقات، عمل بتواضع في السلوك والاخلاق وبصلابته الثورية،، من جعل الحزب في طليعة يسير في مقدمة مسيرة النضال الوطني والتحرر، بعيداً عن التوترات الحزبية، والتوجه الى عقد التحالف الوطني مع القوى الوطنية، وكان انبثاق جبهة الاتحاد الوطني، وكانت الاعمال الوطنية والثورية، فكانت المظاهرات الشعبية توجت في انتفاضة تشرين عام 1956، المناهضة ضد حلف بغداد والتحرر من الاستعمار. الوقوف مع مصر في مظاهرات حاشدة ضد العدوان الثلاثي، رفض الاملاءات الاستعمارية، الدفاع عن حقوق الأكراد، تشكيل المنظمات المهنية والعمالية والطلابية والنسائية، لقد كان تأسيس جبهة الاتحاد الوطني، التي مهدت الى ثورة 14 تموز ’ انتقل في عمله الحزبي والوطني من التنظيرات الى الفعل الثوري، في اعادة لحمة الوطن في كل مكوناته، فكان يتكلم بلغة الناس، لا بلغة النخبة، منبثقاً من مهامه الكبرى في الشأن الوطني، وكان يعمل في تقليل الاخفاقات في تطوير ثورة تموز الى ثورة الشعب النابض، الى ثورة الفقراء، لكنه وجد عقبات صعبة من تحقيق هذا الهدف، فحين تتكالب وتتجمع قوى الردة والرجعية في سبيل اجهاض الثورة، في استثمار التخبط في قيادة عبدالكريم قاسم، التردد في المواجهة من قيادة عبدالكريم قاسم للقوى الرجعية التي تتجمع قواها وتقوية عضدها في إنهاء مسيرة ثورة تموز، وخاصة من عبدالسلام عارف وحاشيته القومية والبعثية في انحراف مسيرة الثورة أمام ضعف المواجهة من قبل قيادة الثورة، شجع قوى الردة في العمل وتحشيد الأجواء لتعبيد الطريق للانقلاب، وكذلك كانت الخلافات والانشقاقات داخل الحزب بدأت تطفو على سطح المسرح السياسي، والطامة الكبرى والخطأ الفادح، هو قرار الحزب في إرسال ( سلام عادل) الى موسكو بحجة الدراسة الحزبية، وهو في أتون المعركة الحاسمة في مصير الثورة، في تقوية عزيمة القوى الرجعية المضادة، في تهيئة الظروف لنجاح الانقلاب، وحين رجع (سلام عادل) في عام من موسكو 1962، كان الجو السياسي يميل الى اعداء الردة، وجد الحزب في حالة يرثى لها من التشتت والانشقاقات، لذلك عمل بجهد في ظروف معقدة في اعادة لحمة الحزب الى التوحيد، وانها حالات التشرذم السياسي والحزبي، وكان يعلم بوعيه الثوري ان هذه الاجواء الملبدة بالغيوم داخل الحزب تقود بعد ذلك الى الخيانة والتبعية والانشقاق في صفوف الحزب واشتداد في الموقف الانتهازية، لكن لم يسعفه الزمن في مواجهة العواصف السياسية الحادة، ومعالجة الاخطاء الفادحة، ووقف ارتداد الثورة، لان كل الظروف تعبد الى قيام انقلاب على الثورة، وكان انقلاب شباط الاسود والفاشي، الذي اطلق العنان للحرس القومي (فرق الموت) ان ترتكب مجازر وحشية. والطامة الكبرى التي قصمت ظهر الحزب، خيانة المدعو (هادي هاشم الاعظمي) كان مسؤلاً عن اوكار الحزب السرية، قدم أكبر هدية للانقلاب الفاشي، في ارشادهم الى وكر (سلام عادل) وهو في اجتماع مع قيادة الحزب، في وضع خطة في مواجهة الانقلاب الفاشي، في وضع خطة عمل ثورية، وقع (سلام عادل) في قبضة الفاشست واقتيد الى زنازين (قصر النهاية)، وكانت صلابته الثورية، ويلقن جلاديه درساً في النضال والعقيدة، فحين سألوه : (لماذا قاومت الانقلاب) اجابهم بثبات وثقة بالنفس : ( لان الانقلاب فاشي، أسوأ من أي دكتاتورية) فأنهوا حياة هذا الرجل العظيم الاسطوري، لم يساوم القتلة والمجرمين، واذا كان السيد المسيح وحده مصلوباً، ففي بغداد هناك رجل اسمه (سلام عادل) ارتقى الى هذه الشهادة، في موقف صلب ارعبت جلاديه.
***
جمعة عبد الله