قراءة في كتاب
مراد غريبي: تعارف الحضارات توثيق لانبثاق نظرية عربية إسلامية عالمية
توطئة: ليس من السهولة أن يلمَّ القارئ بما يطرحه المفكر السعودي الأستاذ زكي الميلاد، وبما يطرحه حول مختلف قضايا الفكر والثقافة والدين والحضارة والقيم والفلسفة، وما هنالك من مقاربات وأفكار ووجهات نظر ثقافية وتربوية وعلمية. ولعل مرجع ذلك كله لعاملين:
يرجع أولهما إلى أنّ الأستاذ زكي الميلاد يملك نظرة قيمية شاملة إلى الإنسان والعالم والتاريخ والهويّة والمستقبل والثقافة والحضارة، حيث ينبغي للباحث أَلَّا يفصل بين قضية وأخرى، أو أن يباعد بين أبعاد الموضوع ومداراته ومقتضياته ومساراته وآفاقه. باختصار: إنّ رؤيته ليست تجزيئية وخارج مجالات تعريف الإسقاطات اللاموضوعية أو الانتقاء الأيديولوجي والابتسار التمويهي.
أما العامل الثاني، فيتعلّق بالمرجعيّة التي يبني عليها الأستاذ زكي الميلاد تفسيراته وتقديراته وتوقّعاته ومقارباته، وهي كذلك مرجعية ثقافية ترتكز على الرؤية الحضارية الإسلامية المعاصرة المنفتحة على منجزات الفكر العالمي والمهتمة بمصالح الإنسان الخاصَّة والعامَّة، ممّا يكسبها بُعدًا إنسانيًّا قلّما نعثر عليه عند غيره من المفكّرين والمحلّلين والمستقبليّين المحسوبين على الفكر الإسلامي المعاصر.
لهذا لا بد للقارئ أن يتحلّى ولو بجانب من الاطلاع العام، بشتّى القضايا والكتابات والحوارات والمشاغل التي تشكّل المادّة الأساسية لفكر الأستاذ زكي الميلاد، حتّى يمكن استيعاب الرؤية الاستراتيجية التي تكمن في الدراسات والتحليلات والمقاربات والنقد عند زكي الميلاد، وهي رؤية متطورة في المنهج، متناسقة في العمق، متعدّدة المباحث والاتجاهات والآفاق على صعيد المتابعة والقراءة والتحليل والنقد والتقويم.
قراءتي لأفكار الأستاذ زكي الميلاد تعود لأكثر من 20 عامًا، لا سيّما من خلال مقالاته ومؤلّفاته المشهورة، وخصوصًا الثنائيات الإسلامية، ونعني بها تأليفاته وهي: الإسلام والعولمة، الإسلام والحداثة، الإسلام والإصلاح الثقافي، الإسلام والمدنية، الإسلام والديموقراطية، الإسلام والتجديد، نحن والعالم، نحن والثقافة...
لكنني مُؤخِّرًا انصب اختياري على مراجعة كتابه الذي أُسمِّيه المشروع المنهجي الذي ينعكس على كل المفاهيم والمواضيع والمقاربات التي تناولها ووثَّق لها وناقشها الأستاذ الميلاد بالتوازي مع الوعي الحضاري لدين الإسلام، إنه كتاب «تعارف الحضارات: سيرة الفكرة وكيف تطوّرت»، وهو كتاب رصين المباحث وعميق الرؤية، يتشكَّل من مقدّمة وسبعة فصول، ويُلخِّص أبعاد فكرة اعتنى بها المؤلف منذ أكثر من ربع قرن، واجتهد في صياغتها، والعناية بتوصيفها و تبسيطها، لترى النور وتقتحم واقعًا عربيًّا يعيش مخاضات عديدة ورهانات مُتنوِّعة.
يُشكَّل هذا الكتاب رحلة فكرية توثيقية عميقة واستراتيجية، لانطوائه على تشكيلة واسعة من المقاربات حول قضية كبرى تتَّصل بعالم الحضارات، وعلى فعل ثقافي بارز يتحدَّد في ماهية التعارف. ما جعله كتابًا مثيرًا لنقاش ثقافي عمومي ونخبوي تباينت فيه وجهات النظر، وتنوَّعت بصورة خلقت نوعًا من الثراء حول فكرة التعارف التي شكلّت محورًا مهمًّا ضمن سياقات ثقافية تداخلت بعضها مع بعض، وفي عمق التحديات الضاغطة على الوعي العربي والإسلامي العام، لا سيما في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحادي والعشرين، إذ شهدت الحياة الإنسانية اختلافات حول طبيعة المنهج، بكافة تجلياتها المختلفة، ابتداء بالدين والثقافة والتكنولوجيا والاجتماع، وصولًا إلى جدليات الحضارة (حوار - صراع - تعايش..) وإلى ما هنالك من اصطلاحات ارتبطت برهانات الحداثة وما بعدها وتداعيات ذلك على الواقع العربي والإسلامي.
كما أن الكتاب يُلقي ضوءًا كثيفًا على مفهومي التعارف والحضارة، وهي مساحة تشغل بال الباحثين، مُؤكِّدًا ضمن فصول الكتاب إلى أن فكرة التعارف تُمثِّل مفهومًا حضاريًّا شموليًّا يطال كافة مستويات الوجود الإنساني، ولا بد للوعي الثقافي العربي والإسلامي أن يكون سبَّاقًا إلى ذلك، بالإضافة إلى كثير من النقاشات التي تناولها هذا الكتاب عبر عرض جغرافيات الفكرة في ميادين الثقافة والتعليم والتربية، وعلى مستوى التأليف والنشر، وإلى جانب ما شهدته فكرة التعارف من نقد ونقاش. وهذا ما سنعمل على تبيانه وتظهيره في عرضنا لهذا الكتاب.
تعارف الحضارات.. ثلاثة مسارات
خطَّ المؤلف ثلاثة مسارات في سرده عن بداية قصة فكرة تعارف الحضارات، حدَّدها بهذا النحو:
أولًا: الفحص والنقد: هذا المسار تعلَّق بما قبل فكرة التعارف، وتحدَّد بوضعية فكرة حوار الحضارات التي تجدَّد الاهتمام بها حديثًا بسبب حدثين، واحد فكري تمثَّل في بروز فكرة صدام الحضارات لهنتنغتون، والثاني سياسي ارتبط بأحداث 11 أيلول - سبتمبر 2001. وبعد انكشاف هذه الفكرة بدأ النقد يتوجَّه إليها، وتركَّز في ناحية تركيب المفهوم وبنيته، وناحية التحقُّق التاريخي. حيث انتهى المؤلف إلى أن فكرة حوار الحضارات لا تتَّصف بالدِّقَّة لا من الناحية المفهومية والاصطلاحية، ولا من الناحية التطبيقية والتاريخية.
ثانيًا: الأصل والمثال: تحدَّد هذا المسار في اعتبار أن فكرة التعارف قد استندت إلى أصل قرآني تحدَّد في آية التعارف من سورة الحجرات، أما المثال فقد ارتبط بما تحقَّق تاريخيًّا وتمثَّل في خبرة الحضارة الإسلامية مع باقي الحضارات الأخرى السابقة عليها، إذ تعاملت معها بمنطق التعارف.
ثالثًا: القياس والاختبار: اتَّجه هذا المسار نحو الجانب التطبيقي لقياس مستوى التعاطي الفعلي مع فكرة التعارف، وقد نالت الفكرة مستوى عاليًا من التأييد والاهتمام الكبيرين على الصعيد الثقافي والأكاديمي والحكومي، بحيث أصبح مصطلح تعارف الحضارات يُمثِّل نظرية شرقية خلَّاقة للوعي واللقاء والتواصل والانفتاح بين الحضارات الإنسانية كلها. ومن صور هذا الاهتمام ما ذكره المؤلف عن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيِّب الذي أعلن في ملتقى البحرين للحوار حول (الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني) قائلًا: «إننا لدينا اليوم نظرية شرقية إسلامية، بديلة لنظرية صراع الحضارات تسمى بنظرية التعارف الحضاري، حظيت في الآونة الأخيرة باهتمام فريق من المفكرين والباحثين المُتميِّزين...، وهي تعني الانفتاح على الآخر، وتعرُّف كل من الطرفين على الآخر، في إطار من التعاون وتبادل المنافع».
وختم المؤلف مُقدِّمته بالإشارة إلى أن هذا الكتاب هو العمل الثالث الذي أعدَّه حول فكرة التعارف، الأول كان سنة 2006م بعنوان: «تعارف الحضارات»، جمع فيه الكتابات الأولى المنشورة عربيًّا حول هذه الفكرة، والعمل الثاني صدر عام 2014م بعنوان: «تعارف الحضارات.. رؤية جديدة لمستقبل العلاقات بين الحضارات»، ضمَّ الأوراق المقدمة إلى المؤتمر الدولي المنعقد في مدينة الإسكندرية سنة 2011م بعنوان: (تعارف الحضارات).
تعارف الحضارات في النشر الفكري العربي
خصَّص المؤلف الفصل الأول من الكتاب للحديث عن فكرة التعارف في النشر الفكري العربي، قاصدًا بهذا النمط من النشر المواد المسجلة نشرًا في مجلات ودوريات محكمة وغير محكمة لها صفة البحث الفكري الجاد، ومن خلال الرصد والمتابعة الدائمة والمستمرة، وقف المؤلف على عيِّنة من المواد المنشورة عن هذه الفكرة في مجلات ودوريات عربية تحمل صفة النشر الفكري، مثَّلت في مجموعها نسقًا فكريًّا له وزنه الكمي والكيفي، وتشكَّلت في صورتين، الأولى ومثَّلت أكبر قسم من هذه المواد، وتركَّزت على هذه الفكرة، مبرزة لها في عناوينها، بينما الصورة الثانية وردت الفكرة بارزة ومتجاورة مع أفكار أخرى ذات علاقة بالنسق الحضاري و بأنماط العلاقات بين الحضارات تحديدًا.
وقد عرض المؤلف أول مادة عن هذه الفكرة اسمًا ووصفًا، قام بإعدادها ونشرت في صيف سنة 1997م، مع الإشارة إلى ثماني عشرة مادة منسوبة إلى العديد من الباحثين العرب أغلبهم أكاديميون مقيمون في دول المغرب العربي ومصر وسوريا وآخرون في ماليزيا، منها ما نشر بمجلة «الكلمة» والأخرى بمجلات ودوريات محكمة في أمريكا وماليزيا وإيران ومصر والجزائر وسوريا والمغرب الأقصى ولبنان.
وختم المؤلف هذا الفصل كعادته في أغلب أبحاثه ودراساته، بتقديم مستخلصات ونتائج بعد الفحص والنظر في هذه المواد المنشورة، وتمثَّلت باختصار فيما يلي:
أولًا: تأكد من خلال هذا الكشف والتراكم أن فكرة تعارف الحضارات قد أصبح لها وزنها التاريخي، وثقلها الدلالي، ولمعانها البياني، وأفقها الحضاري، وبعدها الإنساني .
ثانيًا: توضح من خلال هذه المواكبة المبكرة والمتصلة لفكرة تعارف الحضارات على مستوى النشر، له علاقة بطبيعة الفكرة من جهة، وبطبيعة السياق العام من جهة أخرى. ما يتصل بطبيعة الفكرة له جانبان، جانب يتعلَّق بالمبنى، وجانب يتعلَّق بالمعنى، في جانب المبنى فإن التسمية الاصطلاحية «تعارف الحضارات» قد أسهمت في تكوين صورة جاذبة للفكرة، وفي جانب المعنى فقد اتَّسمت الفكرة بنوع من التخلُّق الفكري والثراء الدلالي بنيةً وتكوينًا. وبالنسبة إلى طبيعة السياق العام، فقد جاءت هذه الفكرة متصلة بظرف زمني اشتدَّ فيه السِّجال الفكري العابر للقارات والثقافات حدث نتيجة المقولات الغربية المستفزة لتفسير موجة التحوُّلات العالمية، من هنا برزت فكرة التعارف، وشجَّعت الباحثين والمفكرين المعنيين بالشأن الحضاري في المجال العربي والإسلامي إلى الاقتراب منها، والتواصل معها تثاقفًا وتناظرًا وتفاكرًا.
ثالثًا: اتَّخذت معظم المواد المقصودة من المادة الأولى الموسومة «تعارف الحضارات» للأستاذ زكي الميلاد نسقًا مرجعيًّا، منطلقة من هذا النسق، ومرتكزة عليه، ومستندة إليه، ومتواصل معه، ومتصلة به.
رابعًا: قدَّمت هذه المواد منظورات مُتعدِّدة ومداخل مُتنوِّعة في المقاربة النظرية والتطبيقية تفاعلًا مع فكرة التعارف، وعكست عدة منظورات ومداخل ومقاربات مُتعدِّدة، وكشفت عن أهمية فكرة التعارف كونها جمعت بين ثلاث أصول: الأصل الإسلامي، والأصل الحضاري، والأصل التعارفي.
خامسًا: أظهرت هذه المواد تفارق مستويات الاقتراب والتواصل مع فكرة التعارف ما بين مشرق العالم العربي ومغربه، مسجلة تفوُّق الباحثين المغاربيين، ويأتي في مقدمتهم الباحثون الجزائريون الذين أظهروا اهتمامًا جادًّا وتواصلًا فعَّالًا مع هذه الفكرة، فهم معروفون بهذه السيرة التفاعلية والتواصلية مع الأفكار والأطروحات القادمة لهم ليس من الشرق الإسلامي فحسب بل حتى من الغرب الأوروبي كذلك، محققين تفوُّقًا في هذا الجانب، ساعدهم على ذلك ثقافتهم المنفتحة، وانتعاشهم الفكري. وكون أن فكرة تعارف الحضارات تنتسب إلى الحقل الحضاري الذي تسيطر عليه النظريات الغربية، فهناك شريحة كبيرة من المغاربيين يحاولون الانعتاق من أسر الفكر الأوروبي بعد تاريخ طويل ومؤلم من السيطرة والهيمنة والاستعمار.
سادسًا: أفصحت هذه المواد عن أن مجلة (الكلمة) على مستوى النشر الفكري العربي نالت النصيب الأكبر في متابعة فكرة التعارف، مُحقِّقة تفوُّقًا واضحًا من هذه الناحية على باقي المجلات والدوريات الفكرية الأخرى مشرقًا ومغربًا، ومسجلة امتيازًا يذكر لها كونها حظيت بنشر أول مادة عن تعارف الحضارات، مُؤرِّخة بها حدثًا فكريًّا لمن يريد أن يُؤرِّخ لهذه الفكرة في المجالين العربي والإسلامي المعاصرين.
تعارف الحضارات في النشر الأكاديمي
في هذا الفصل نهج المؤلف نهجًا خاصًّا، إذ خصَّصه للنشر الأكاديمي العربي على مستوى المجلات والدوريات المحكمة التي تصدر حصرًا من المعاهد والكليات في جامعات حكومية وغير حكومية، كونها تحمل صفة التحكيم الأكاديمي، وذات اعتبارات علمية تتَّصل بمسار استحقاق الرتبة والمنزلة في المسار الأكاديمي. ثم أوضح المؤلف أن حضور فكرة تعارف الحضارات في النشر الأكاديمي يُؤكِّد من جهة على جدِّيَّة هذه الفكرة وقيمتها المعرفية، ويوثِّق من جهة أخرى علاقتها بهذا الأفق الأكاديمي وفضائه المعرفي، ويضيف إليها من جهة ثالثة خبرة نظرية وتطبيقية، تحليلية ونقدية، ويجعلها من جهة رابعة حاضرة في ساحة الأكاديميين ومجالهم التداولي.
وعلى نسق الفصل السابق، عمل المؤلف على توصيف المواد الأكاديمية التي تناولت فكرة (تعارف الحضارات). وقد توزَّعت في ثلاث صور: مواد ركَّزت الحديث كُلِّيًّا عن الفكرة متعنونة بها، ومواد خصَّصت قسمًا رئيسًا للحديث عنها، ومواد لفتت الانتباه لهذه الفكرة وأشارت إليها بطريقة مميّزة.
وفي هذا النطاق استعرض المؤلف مجموعة من المواد الأكاديمية بحسب صدورها بيانًا وتوصيفًا، وجاءت من باحثين من السودان والجزائر والعراق والمغرب الأقصى والمملكة العربية السعودية، لينتهي إلى تقديم نتائج ومستخلصات بخصوص مضامين هذه المواد الأكاديمية المنشورة بعدة مجلات ودوريات محكمة، نعرض لهذه النتائج والمستخلصات بنوع من الاختصار، وهي:
أولًا: تعدَّدت في هذه المواد وتنوَّعت مداخل النظر إلى فكرة تعارف الحضارات، راوحت بين المدخل الديني والمدخل الأصولي المقاصدي والمدخل الفكري والمعرفي والمدخل السياسي والمدخل الإعلامي الرقمي. وقد أرجع المؤلف هذا التعدُّد في المداخل نتيجة لعلاقة فكرة التعارف بعالم الحضارات الذي له طبيعة متعدِّدة الأبعاد ولا ينحصر في المدخل الأحادي، هذا من الناحية التطبيقية، أما من الناحية النظرية فهذا التعدُّد يُغني الفكرة، ويُثري جانبها المضموني، ويُوسِّع النظر إليها، ويُعمِّق أفقها التداولي، كما يُؤكِّد صدقيتها، ويُعزِّز مدى الحاجة إليها نظريًّا وتطبيقيًّا.
ثانيًا: جمعت هذه المواد بين الخبرتين النظرية والتطبيقية، رغم أن الخبرة النظرية كانت الغالبة لكون الفكرة جديدة وبحاجة إلى تعميق البحث النظري عنها فحصًا وتحليلًا، تقعيدًا وتأصيلًا.
ثالثًا: توزَّعت المواد في طريقة النظر إلى الفكرة بين جانبين، فأغلبها اتَّسم بالتحليل، والباقي اتَّسم بالنقد الذي انقسم إلى شكلين منه الكلي الصارم والنسبي الهادئ. مع تأكيد حاجة الفكرة إلى الجانبين بلا توقف وبلا نهاية.
رابعًا: تقاربت المواد من جهة تقرير أن فكرة التعارف جاءت مُعبِّرة عن التصوُّر الإسلامي في مجال العلاقات بين الحضارات، وتفارقت ضمن هذا التقارب من جهتين: حصر التصور الإسلامي بهذه الفكرة، وإضافة مفاهيم أخرى بطريقتين عرضية وطولية، عرضية بالمعنى الأفقي المتصل، وطولية بالمعنى العمودي المنفصل.
خامسًا: توافقت هذه المواد تقريبًا في ربط فكرة تعارف الحضارات بالانتساب إلى الأستاذ زكي الميلاد، مرتكزين في الحديث عنها على كتابين للمؤلف هما: (المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم مُتغيِّر) الصادر عام 1999م، وكتاب (تعارف الحضارات) الصادر سنة 2006م.
تعارف الحضارات في التأليف العربي
خصَّص المؤلف هذا الفصل للتأليف العربي، حيث اتصلت التأليفات التي تناولت فكرة التعارف من ناحية المعرفة بعدة سياقات فكرية ودينية وحضارية وتاريخية، وظهرت الفكرة فيها بعدة صور تارة كلية، وأخرى في هيئة فصل أو مقال أو فقرة، كما تنوَّعت التأليفات من حيث الانتساب إلى شخص واحد أو لعدة أشخاص آخرين، وتعدَّدت من حيث الهيئة والأصل إلى رسائل جامعية ماجستير ودكتوراه، وإلى أوراق بحثية، وإلى دراسات أو مقالات جُمعت لتخرج في شكل تأليف جامع.
وقد اختار المؤلف عرض جميع الصور لهذه التأليفات، متحاشيًا تلك التي وردت فيها فكرة التعارف على هيئة إشارات عابرة من دون أن تُفرد لها فصلًا أو مبحثًا أو فقرة تحمل تسميتها. وفي هذا النطاق وثَّق المؤلف مجموعة من التأليفات العربية، بعضها من تأليفه أو بالاشتراك فيها، وأخرى لأشخاص آخرين من عدة دول عربية وإسلامية.
بعد هذا العرض والتوثيق، قدَّم المؤلف أربعة مستخلصات ونتائج على منوال الفصول السابقة هي باختصار على النحو الآتي:
أولًا: شكَّلت هذه التأليفات مسارًا مكتملًا بنيةً وتكوينًا يُضاف إلى المسارات الأخرى التي يُؤرِّخ لها في تاريخ تطوُّر فكرة التعارف.
ثانيًا: عكست هذه التأليفات تجدُّد البحث في المسألة الحضارية والعلاقة بين الحضارات وأنماطها، كما أنها أكَّدت على أن البحث عن مفهوم التعارف بوصفه مفهومًا جديدًا يُعدُّ من مقتضيات الفاعلية والتجدُّد والاجتهاد الفكري والمعرفي.
ثالثًا: أسهمت هذه التأليفات في تدعيم فكرة التعارف، ولفت الانتباه إليها، ما جعلها فكرة تناظر الأفكار الأخرى المتداولة عالميًّا مثل أفكار حوار الحضارات وصدام الحضارات وغيرهما.
رابعًا: تعدَّدت في هذه التأليفات المداخل والمقاربات في النظر إلى فكرة التعارف، وذلك من ناحية المنهج، ومن ناحية المعرفة، فمن ناحية المنهج نجد التوصيف والتحليل، النظري والتطبيقي، النقدي والمقارن، التاريخي والمستقبلي. ومن ناحية المعرفة تنوَّعت بين الديني والتاريخي والفلسفي والحضاري. وقد اعتبر المؤلف أن الحاجة إلى هذه المداخل والمقاربات المنهجية والمعرفية أساسية ومطلوبة، كون الفكرة هي فكرة حديثة النشأة والتكوين من الناحية الزمنية، ولا بد لها كذلك في ظل الجدال المحتدم بخصوص العلاقات بين الحضارات إما تحاورًا أو تصادمًا، وحتى تكون الفكرة أكثر قوة وجدية ودينامية وحيوية، لذا فهي تحتاج إلى استكشاف وفحص حتى تقدر على البروز كبديل ثالث لكلا الفكرتين السابقتين.
تعارف الحضارات في الرسائل الجامعية
انتقل المؤلف في هذا الفصل إلى استعراض فكرة تعارف الحضارات على مستوى الرسائل الجامعية العربية العليا، والتي قسمها إلى نمطين: الأول حضرت فيه هذه الفكرة وشكَّلت موضوعًا كُلِّيًّا، والنمط الثاني حضرت فيه هذه الفكرة جزئيًّا ضمن ثلاث صور إما فصلًا أو مبحثًا أو فقرةً، لينتهي في الأخير إلى تقديم مستخلصات ونتائج، تحدَّدت باختصار بهذا النحو:
أولًا: شكَّلت هذه الرسائل مسارًا آخرَ يُضاف إلى المسارات الأخرى التي يُؤرِّخ لها في تاريخ تطوُّر فكرة التعارف، ويُعدُّ هذا المسار في نظر المؤلف واحدًا من أهم المسارات التي تحرَّكت فيها فكرة التعارف، وذلك لما له من طبيعة خاصة مكتسبة من خصوصية الرسائل والمذكرات الجامعية، كون أن هذه الرسائل من جهة ترتبط بأعلى المراحل التعليمية منتسبة إلى ما يعرف بالتعليم العالي.
ثانيًا: تعزَّز الاهتمام بفكرة التعارف في الرسائل الجامعية بسبب عاملين الأول له طابع ذاتي، والثاني له طابع موضوعي، الذاتي يتعلَّق بالفكرة ذاتها وجِدِّيَّتها، والعامل الموضوعي يتعلَّق بسياق بروز قضية الحضارات وتصاعد الحديث عنها على مستوى العالم، مما اكسب فكرة التعارف حيوية ونشاطًا ودفع بها إلى الواجهة.
ثالثًا: يرى المؤلف أن المُحفِّز الرئيس للاهتمام بفكرة التعارف في الرسائل الجامعية العربية العليا، كون أن هذه الفكرة جاءت منتسبة مرجعيًّا إلى التصوُّر الإسلامي، مستندة إلى أصل قرآني مبين، ومتصلة بحقل دراسة الحضارة والحضارات، ومبيِّنة نمط العلاقات بين الناس كافة.
رابعًا: تعدَّدت في هذه الرسائل والمذكرات وتنوَّعت المداخل والمقاربات والتطبيقات في النظر لفكرة التعارف، راوحت هذه المداخل شاملة ميادين الفلسفة والدين والحضارة والتاريخ والثقافة والاجتماع والسياسة والإعلام، وتعدَّدت المقاربات متوازنة مع أطروحات ونظريات عدَّة مثل: نهاية التاريخ، وحوار الحضارات وصدام الحضارات، والعولمة، والنظرية التواصلية، وتنوَّعت التطبيقات متَّصلة بنطاقات البعد الإنساني، والسِّلْم العالمي، والإعلام الرقمي، والحوار الديني، والعلاقة مع الآخر، والصور الثقافية، والمشروع الحضاري، والسُّنن الاجتماعية، وغيرها.
خامسًا: ظهر إلى المؤلف أن التقدُّم البارز في ناحية الاشتغال الأكاديمي حول فكرة التعارف على مستوى الرسائل الجامعية العليا، حدث في جامعات الجزائر التي أدرجت هذه الفكرة ضمن مناهج التعليم الجامعي في تخصُّصين هما: الفلسفة التطبيقية، والفلسفة العربية الإسلامية. وقد عُرف عن الأكاديميين الجزائريين حسُّ التواصل القوي ما جعلهم يتعرَّفوا مُبكِّرًا إلى فكرة التعارف.
تعارف الحضارات في التعليم العربي
فكرة التعارف في التعليم العربي العام والعالي، كانت موضوع هذا الفصل، حيث كسبت هذه الفكرة حضورًا في المناهج والمُقرَّرات الدراسية والتدريبية، وتنوَّعت من حيث المستوى الثانوي في التعليم العام، والليسانس والماستر والدكتوراه في التعليم العالي، بالإضافة إلى الجانب التدريبي، ومن ناحية الحقل المعرفي توزَّعت بين التاريخ والفلسفة والحضارة. وقد وثَّق المؤلف هذا الجانب وفق هذه المستويات والتخصصات، ثم قدَّم بعدها مستخلصاته في هذا الشأن، وجاءت بنحو الاختصار على النحو الآتي:
أولًا: التأكيد على أهمية وحيوية المسار والمجال التداولي التعليمي في تطوُّر فكرة التعارف وتقدُّمها.
ثانيًا: جاءت فكرة التعارف وسدَّت فراغًا مهمًّا في المجال العربي، وعلى مستوى التصوُّر الإسلامي، مُتَّصلًا بنطاق دراسة الحضارات وأنماط العلاقات بينها. فقد عُدَّت هذه الفكرة منتسبة إلى المجال العربي، ومنتمية إلى فضاء التصوُّر الإسلامي، مكوِّنة نظرية حضارية جادَّة، أصبحت تجاور النظريات الأخرى، وتُقارن معها في هذا الشأن الحضاري العام.
ثالثًا: ظهر من التوثيق المؤلف أن دولة الإمارات العربية عُدَّت من أكثر بلدان المشرق العربي التفاتًا إلى فكرة التعارف على مستوى التعليم، وعُدَّت الجزائر من أكثر بلدان المغرب العربي التفاتًا كذلك لهذه الفكرة على مستوى التعليم.
تعارف الحضارات في الأنشطة الفكرية الأخرى
ضمن دائرة الفعل الثقافي والنشاط الفكري الجمعي، جاء هذا الفصل ما قبل الأخير من الكتاب، إذ عمل المؤلف على توثيق حضور فكرته (تعارف الحضارات) على مستوى الندوات والمؤتمرات والمنتديات والأوراق البحثية والمحاضرات، وقد توزَّعت بين عدة مستويات ودول وحقول معرفية ومناسبات، ليستخلص المؤلف من ذلك كله النتائج الآتية:
أولًا: دعم هذا المسار مُتحدِّدًا في النشاط الفكري الجمعي فكرة التعارف، من خلال التعريف بها، والترويج لها، وإتاحة فرص التباحث حولها، والتواصل معها، والتثبُّت منها.
ثانيًا: مثَّل مؤتمر الإسكندرية الدولي حول تعارف الحضارات المنعقد سنة 2011م، حدثًا مُهمًّا يُمكن يُؤرَّخ له في تاريخ تطوُّر فكرة التعارف.
ثالثًا: حضور الفكرة وعنونة بعض المؤتمرات بها مثل مؤتمر دمشق المنعقد سنة 2008م، بعنوان (ملتقى تعارف الحضارات...) دليل على أهمية الفكرة، وتأكيد على حضورها.
رابعًا: تعدّد المداخل وأنماط المقاربات في هذا المسار بين نظرية وتطبيقية، تحليلية ونقدية، تاريخية ومستقبلية، إسلامية ومسيحية، وأخرى ناظرة للحرب والسِّلْم، وقد أكَّدت أنماط المقاربات هذه على سعة ورحابة الفكرة، ممَّا لفت الانتباه لها وركَّز التمسُّك بها.
تعارف الحضارات والآراء الناقدة
ختم الأستاذ زكي الميلاد كتابه التوثيقي لفكرته (تعارف الحضارات)، باستعراض بعض الآراء الناقدة لها ومناقشتها، جامعًا بين المقالات والتأليفات، شارحًا أولًا بنية النقد وسياقه، ثم مناقشًا ومُقدِّمًا ملاحظاته التقويمية العامة لسبعة نماذج نقدية، ومنتهيًا بتقديم نتائج ومستخلصات تحدَّدت اختصارا بهذا النحو:
أولًا: إن فكرة التعارف كغيرها من الأفكار الاجتهادية الأخرى، ستظل بحاجة إلى النقد والنقد المستمر، الفاحص والعلمي والموضوعي.
ثانيًا: يلاحظ على الآراء النقدية المطروحة أنها لم تلامس كامل أجزاء فكرة التعارف.
ثالثًا: إن الآراء المُؤيِّدة أو المُنتقدة لا بد لها من الانفتاح على بعضها بعضًا؛ لأن تطوُّر ونضج فكرة التعارف بحاجة إلى تفاعل وتثاقف وتناظر جاد لتقوية هذه الفكرة ضمن مجالات التداول العالمية للأفكار المرتبطة بعلاقات الحضارات.
وقد وجدتُ أن المؤلف ختم كتابه بملاحظات على الآراء النقدية جاءت بلغة موضوعية راقية، ومُنبِّهًا لما شهدته فكرة التعارف من نقد، ومُؤكِّدًا على ضرورة توسيع دائرة النقاش والتساؤل وتطوير البعد النقدي في مساءلة هذه الفكرة، من أجل يسهم ذلك في صفاء الرؤية وتطوير المسارات المتصلة بالفكرة وفق نزعة إنسانية عقلانية نقدية متفتحة وحوارية ومتوازنة.
مستخلصات وملاحظات
بعد هذه السياحة الممتعة في رحاب هذا التوثيق الرصين لفكرة (تعارف الحضارات)، سوف أُسلِّط الضوء على بعض النقاط التي أراها مُهمَّة في مشوار التعاطي والتفاعل والنقد والتناظر مع هكذا أفكار استراتيجية مهمة، حتى لا نحصر أفكارنا في نطاق الأفق الفكري الغربي، من هذه النقاط:
أولًا: إن فكرة تعارف الحضارات ليس سهلًا الانتهاء من مقاربتها، فهي مليئة بالتفاصيل والمسارات التي يصعب الحسم فيها، وما أورده المؤلف إن هو إلَّا من باب ما قلَّ ودلَّ، توخَّى من خلاله الانفتاح على القُرَّاء والباحثين والمفكرين المُهتمِّين بالشأن الحضاري، مع إثراء الحوار حول البنية وحول الرؤية وحول الاستراتيجيات التي لم يُفصح المؤلف عنها كلها فيما خطَّته أنامله حول الموضوع، وأُؤكِّد على أهمية ما أشار إليه الأستاذ زكي الميلاد في ثنايا الفصول وتحديدًا فصل النقد والملاحظات، حتى تزال الحواجز عن التداول المعرفي والفكري والثقافي للفكرة، من أجل دفع الفكرة أكثر فأكثر نحو وجهة علمية مستدامة.
ثانيًا: إن المؤلف قدَّم كتابًا حول تعدُّد القول في الحضارات والتعارف الحضاري وتكريس للتراكم المعرفي الإيجابي، لكنه يحتاج إلى ترجمات بلغات عالمية كالإنجليزية والإسبانية والهندية والصينية والفرنسية، حتى تختبر الفكرة ضمن الأفق الفكري الإنساني العام.
ثالثًا: لا شك أن كل إنتاج إنساني هو في الأصل إنتاج موسوم بالنسبية، حيث نستحضر الآية الكريمة {لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} . والتعميم النقدي على أساس قراءة جزئية لا كلية للفكرة هو خطأ منهجي وعيب في القراءة يُفضي بصاحبه إلى التهافت وعنف التجاوز، وربما بعض الآراء الناقدة الواردة في الفصل السابع أصابها جزء من هذا الخلل.
رابعًا: هناك من كانت له أفضال في إضاءة الفكرة في مسار من مسارات تطوُّرها وجعلها تحظى بالقبول والاعتراف، لكن الأكيد أن بعض التأليفات ليست من الرؤية نفسها أو الذهنية المقاربة بعمق وسعة لفكرة (تعارف الحضارات)، على سبيل المثال لا الحصر، مقاربات بعض الرسائل الجامعية أو بعض المؤلفات التي لم تتناول الفكرة بكليتها وعمقها وآفاقها، وإنما اختزلتها في بُعد مُعيِّن قد يُضفي شيئًا من الضبابية حولها، مما يستدعي استكمال البحث حولها ضمن حقلها المعرفي التداولي العالمي، في نطاق ماهية الحضارة وعلاقاتها بغيرها.
خامسًا: هل تعتبر فكرة التعارف للأستاذ زكي الميلاد «نقد ما بعد - حداثي إسلامي لمقولات غربية حول العلاقات بين الحضارات»؟ أم أنها قفزة معرفية في الفكر الإسلامي المعاصر؛ لأنها ناقشت ركامًا من الدراسات الحضارية الغربية؟ أتمنى أن يُجيبنا عنها المؤلف في مقالات قادمة لرفع اللبس على عدة مساحات في النظر إلى الفكرة على طول المسارات المتصلة بتطورها.
سادسًا: لا يكتفي هذا الكتاب بتوثيق لمسارات تطوُّر فكرة التعارف، بل إنه يُشير إلى كيفية فرض هيمنة الأفق الفكري الغربي علينا، كما أن قراءته بتمعُّن يُمكنها أن تمنح القارئ ذهنًا نقديًّا، ووعيًا إيجابيًّا غير مستلب تجاه مقولات الغرب في هذا الشأن.
سابعًا: الفكرة تقع بين تراثين أحدهما للاستشراق وآخر للاستغراب، تكمن فيها وحولها مواقف ثقافية تتنوَّع وتتعدَّد منهجيًّا وزمنيًّا وتطلُّعًا وتفاعلًا، بل إنها كفكرة خلَّاقة ترتبط أساسًا بالسلطة التي تستمد حيويتها واستمراريتها من المعرفة، ومن ثَمَّ قد تكون فكرة (تعارف الحضارات) بديلًا جديدًا في منهج العلاقات بين الحضارات، لكنها أيضًا من شأنها أن تُحرِّك ما وراء الحضارة من رصيد ثقافي كامن وخامد، أي استقراء العلاقة بين القوة الثقافية والتجدُّد الحضاري.
ثامنًا: هناك توافقات معرفية وتقاطعات ثقافية حول الفكرة عربيًّا وإسلاميًّا، يعني أن نقد الفكرة يُفضي إلى نقد حقيقتها، والعكس كذلك، لهذا فإن الحكم المسبق غير مُوفَّق، فالتعارف كخيار أو قيمة أو نتاج هو حقيقة ذات ثقافة مخبوءة في رهانات الوعي الثقافي العربي الإسلامي الخاصة بالدور الحضاري ضمن الآفاق الفكرية العالمية المُعبِّرة عن حضاراتها، لهذا يمكنني القول: إن الفكرة لا تزال في مرحلة التأسيس الجواني، واختبارها الحقيقي يكون في المجال الغربي أكثر منه في المجال العربي الإسلامي، بالطبع بعد مقاربات فلسفية ومنهجية وفكرية وتاريخية ودينية عميقة وجادَّة لتدخل مجال الجدل الحضاري بالتي هي أحسن.
الكتاب: تعارف الحضارات.. سيرة الفكرة وكيف تطوّرت؟
المؤلف: زكي الميلاد.
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي، بيروت.
سنة النشر: الطبعة الأولى، 2024م.
الصفحات: 227 صفحة.
***
مراد غريبي - كاتب وباحث من الجزائر