قراءة في كتاب
محمود محمد علي: هل صحيح أننا لم نقرأ القران بعد كما قال يوسف الصديق؟
هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟، سؤال يبدو غريبا، يطرحه المفكر التونسي "يوسف الصديق"، والذي جاء في عنوان كتابه الأشهر في ترجمته العربية "، بينما جاء العنوان الًأصلي بالفرنسية تحت عنوان: Nous n’avons jamais lu le coran "، أي "لماذا لم نقرأ القرآن؟ وترجمه الباحث "منذر ساسي" عن دار نشر "دار محمد علي" ودار "التنوير"، يقع الكتاب في 248 صفحة ؛ حاملا جوابا جازما بأننا لم نقرأ الكتاب بعد.
ربما يحاول الصديق أن يخفف وقعه على الكاتب العربي، ولكن من أين جاء الصديق بهذه الجرأة، وربما التهور ليجزم بأن المسلمين لم يقروا كتابهم المقدس، والقرآن من أكثر الكتب قراءة على الإطلاق، وكان محل تمحيص وتفسير وتأويل على مدار أربعة عشرة قرنا.
يحاول الصديق أن يقدم قراءة مختلفة للنص القرآني بموجهته بالفلسفة على خطى مفكرين غربيين من أمثال اسبينوزا وبولتمان تجاه التوراة والإنجيل أيضا بالفلسفة، والسؤال : ما النتيجة التي توصل إليها الصديق في منهجه المحلق بعيدا عن الفضاء الفكري الإسلامي المعتاد والمألوف؟، وهل فعلا لم نقرأ القرآن ؟، وما المقصود فعلا بالقراءة ؟، وما الإعجاز الحقيقي للنص القرآني بنظر الصديق؟
يرى الصديق أن المسلمين لم يقرأوا كتابهم بعد، معتبرا أنه قدموا تلاوة النص على قراءته بكل ما تحمل كلمة قراءة في العربية من معاني التفقه والتأمل والتفكير. لم يقف الصديق عند هذا الحد، بل انتقد تدوين القرآن ومصحفته، مميزا بين القرآن والصحف، داعيا إلى قراءة عقلانية للقرآن وتفكيكه على هرم قمته الله، وجانباه المعرفة والأخلاق.
من هنا يرى الصديق أن إعجاز القرآن ليس في لغته، بل في استيعابه كافة معارك عصره ـ التي تضمنتها معاني كلمات أعجمية من لغات قديمة زحر بها القرآن ؛ كاليونانية، والآرامية، والعبرية، والسيريانية، والهيروغلوفية.
لاشك في أن القول يضيع بعض الفكرة، والتدوين يضيع بعضا آخر، لكن إن كان التدوين حسب الصديق قد ضيع بعض أفكار القرآن، فالسؤال هنا ماذا لو لم يدون القرآن.
إن أهمية كتاب الصديق تنبع قبل أي شيء آخر من أنه دعوة لإعمال العقل وقراءة القرآن قراءة معاصرة، وعدم الاعتماد على قراءات الأولين، الذين فهموا النص بحدود معارفهم المحدودة، وثقافتهم التي تختلف عن ثقافتنا المعاصرة.
كذلك يؤكد الصديق بأن النص القرآني بيس عربيا فقط، بل هو نص كوني، ويحمل ألفاظا من لغات عدة ، متهما المفسرين بإهمال معاجم اللغات الأخرى، مما أفقر التفاسير، وضيع كثيرا من الدلالات، حتى أن عملية التدوين نفسها لم تسلم من نقد الصديق، الذي رأى أنها سلمت المنطوق إلى المكتوب حسب قوله، وهو مما أفقد الأولى جزء من معانيه ودلالاته.
والسؤال : إلى أي حد هناك حضور للغات القديمة حسب قول الصديق في النص القرآني ؟، وهل نحن بحاجة إلى إعمال العلوم والمناهج العلمية الحديثة في دراسة النص القرآني ؟، وكيف نتحرر من قراءة التلاوة لنصل إلى قراءة الفهم ؟
يرى الصديق أن النص القرآني زاخرا بعدد كبير من الكلمات الأعجمية، وكثيرا منها لم يستقر المفسرون على معنى محدد لها، وبعضها ما زال محل بحث وعمل لسانس وأنثروبولوجي إلى يومنا هذا، فأخيرا ظهرت نظرية تقول إن الحروف المقطعة التي تبتدأ بها بعض آيات القرآن، هي كلمات لها معنى في اللغة السريانية.
وقد توسع الصديق في دراسة اللغات القديمة، محاولا فهم كنه معاني مفرداتها في القرآن، وانطلق في دراسته من اللغات لا تعبر عن دلالاتها المباشرة فقط، بل هي خزانا لثقافة ومشاعر وقيم وحضارة الشعوب، تتطور وتتغير عبر الزمن، وتتغير معانيها تيعا للتغيرات الديموغرافية، والاقتصادية، والحضارية، التي تتعرض لها تلك الشعوب .
لذا وجب العودة إلى ما كانت عليه تلك الكلمات لحظة النزول، ذلك للوقوف على المعنى الحقيقي التي حملته ارتباطا بسياق النص، واعتبر الصديق أن الإعجاز الحقيقي للقرآن يكمن في تنوعه اللغوية، حيث اشتمل في آياته على ثقافات ومعارف وحضارات إنسانية جمعاء، وعبر عنها بلسانا عربي.. قصدت هذه المقالة اليوم لأبين في المقالات المقبلة موقفي وتوجهي الفكري في الرد على رؤية الدكتور يوسف الصديق في هذا الكتاب، حيث أخوض معه نقاشا في فكره، وما خلف هذا الفكر حول النص القرآني، ومراجعته.. وللحديث بقية..
***
د. محمود محمد علي- كاتب مصري
...........................
المراجع
1- يوسف الصديق: هل قرأنا القرآن؟ | يتفكرون.. يوتيوب.
2- يوسف الصديق واللغات القديمة في القرآن | يتفكرون.. يوتيوب.