قضايا

حاتم حميد محسن: جنة عدن والفاكهة المحرمة في الميثولوجيا اليونانية

تظهر نسخة من قصة جنة عدن والفاكهة المحرمة الواردة في الانجيل أيضا في الميثولوجيا اليونانية في حديقة هيسبيريدس Hesperides حيث يحرس الثعبان الفاكهة ويلعب دورا هاما.

جنة عدن التي ذكرت في الانجيل تظهر كحديقة خاصة خلقتها الآلهة كسكن أصلي لآدم وحواء، وهما أول شريكين بشريين مُنعا من تناول الفاكهة من شجرة معينة في الحديقة. ما أذيع من شهرة، انهما رفضا طاعة الإله وأكلا منها رغم ذلك. نسخة من هذه القصة التي تستلزم حديقة خاصة وفاكهة محرمة، تظهر ايضا في الميثولوجيا اليونانية وتُعرف بحديقة هيسبيريدس.

حديقة هيسبيريدس

تشترك جنة عدن بعدد من أوجه الشبه مع حديقة هيسبريدس وفقا للميثولوجيا اليونانية. هيسبيريدس كانت عبارة عن مجموعة من الحوريات (صنف أدنى درجة من الآلهة) مثّلت المساء، الضوء الذهبي لغروب الشمس وأقصى الغرب. اليونانيون القدماء اعتقدوا انهن امتلكن حديقة خاصة في ذلك الاتجاه. بعض السجلات تضعها في منطقة اطلس تيتان. البعض الآخر اعتقد انها كانت قرب جبال الاطلس في شمال افريقيا. اما بليني الأكبر Pliny the Elder (1) وضعها في المغرب، بينما اسطرابون Strabo (2) اعتقد انها كانت في تارتيسوس في شبه جزيرة ايبريا.

وعلى أية حال، كانت حديقة هيسبيرديس بستانا خاصا للإله اليونانية هيرا.  تختلف السجلات هنا، لكن هي اما شجرة منفردة او بستان ازدهر هناك. أغصان هذه الشجرة او ذلك البستان أثمرت تفاحا ذهبيا خاصا لا يشبه أي شيء في الطبيعة.

الفاكهة المحرمة

احدى سمات قصة جنة عدن الواردة في الانجيل هي تحريم الفاكهة من شجرة معينة. كيف يرتبط هذا بأساطير الميثولوجيا اليونانية؟

طبقا للأسطورة، عندما تزوج زيوس من هيرا، حضرت مختلف الالهة ومعهم هدايا الزفاف لهيرا. من بينهم كان الإلهة غايا Gaia، الام الجدة لكل الحياة، التي عرضت أغصانا تحمل تفاحا ذهبيا. ونظرا لإعجابها الشديد بهذه الفاكهة، طلبت هيرا من غايا ان تزرعها في حديقتها، وهو ما تم فعلا.

بعد ذلك وضعت هيرا الهيسبيريدس (الحوريات) في بستانها لكي يعتنين به. لكن الحوريات كن في بعض الأحيان يقطفن التفاح الذهبي لأنفسهن. كانت هيرا مستاءة جدا من هذا العمل لأن التفاح كان خاص جدا. ولأنها لا تثق بهن، وضعت هيرا ثعبانا يسمى لادون Ladon بين أغصان الشجرة او البستان. هذا الثعبان يتولى حراسة التفاح الذهبي في الحديقة ويمنع الهيسبيريدس من قطفه.

أوجه الشبه بين جنة عدن وحديقة هيسبيريدس في اليونان القديمة

من هذه النظرة العامة لحديقة هيسبيريدس وفاكهتها المحرمة، لننظر بمدى التشابه مع جنة عدن الواردة في الانجيل. في كلتا الحالتين، الحديقة هي مكان خاص خلقهُ كائن الهي. في جنة عدن، كان إله بني إسرائيل، بينما في حديقة هيسبيريدس كان غايا، إلهة الحياة. كلا الحديقتين أنتجتا فاكهة خاصة وفريدة. وبينما الفاكهة المحرمة في جنة عدن لم تكن غريبة فيزيقيا، لكنها كان لها دورا فريدا وكانت الفاكهة الوحيدة المحرمة على آدم وحواء. في حالة حديقة هيسبيريدس، كانت الفاكهة خاصة ومحرمة تشبه الفاكهة المحرمة في جنة عدن.

ومثلما تعرض قصة الانجيل حواء كونها غير مطيعة لله في تناولها للفاكهة، تعرض الميثولوجيا اليونانية هيسبيريدس كونهن يأخذن الفاكهة لأنفسهن.

أخيرا، مثلما يربط الانجيل الفاكهة المحرمة في جنة عدن بثعبان خاص، فان الفاكهة المحرمة في حديقة هيسبيريدس كانت مرتبطة بثعبان يسمى لادون. ومع ان هناك اختلافات ملحوظة بين القصتين مثل دور لادون كحارس بدلا من عنصر إغراء – يبقى التشابه بين القصتين ملفت للنظر. هذه القواسم المشتركة تشير الى أصل ثقافي او تأثير مشترك، يجعل من المعقول الاستنتاج ان كلا القصتين برزتا في النهاية من تقاليد ذات صلة.

***

حاتم حميد محسن

.............................

GreekReporter, Nov16,2025

الهوامش

(1) مؤلف روماني وقائد عسكري، عاش من سنة 23 الى 79م، وهو مؤلف موسوعة التاريخ الطبيعي.

(2) اسطرابون هو جغرافي وفيلسوف يوناني قديم، ولد سنة 63ق.م

في المثقف اليوم