قضايا
غريب دوحي: فيورباخ فيلسوف التحولات الفكرية
فيورباخ:- تقول عنه الكتب الفلسفية بانه فيلسوف الماني مادي ملحد، وقد عاصر فيورباخ الفيلسوف الألماني (هيجل) وتذكر المصادر ان هيجل قبل وفاته باعوام انه قبل في عداد تلاميذه ببرلين شابا كان لاهوتيا يدعـى (فيورباخ) حيث انتمى الى مدرسة هيكل عام 1824 م بعد ان خاب ظنه من دراسة اللاهوت، غير ان هذا التلميذ كلما سمع استاذه يتحدث يرى في كلامه تناقضاً بين النظرة المثالية للإنسان وبين ما تقرره (البيولوجيا). ومن هذا المنطق اخذ ينتقد فلسفة هيجل بشدة وصرح قائلاً.. (.. فاذا قالت الفلسفة الهيغلية ان العقل هو وحده الحقيقي الموجود فعلاً قالت الفلسفة الحديثة عكس ذلك لان الانسان هو وحده العقل، الانسان مقياس العقل..) الله في الفلسفة الحديثة: كولتز ص 338 .
وقد تعلم ماركس هذا الدرس من فيورباخ وكتب (انجلز) عن ذلك يقول:- (.. كان الحماس عاماً فصرنا جميعاً فيورباخيين دفعة واحدة..) وكان نشوء وتطور الانسان السمة المميزة لمادية فيورباخ، وهكذا تفوق التلميذ على استاذه عند ماوضع فلسفة تتوافق مع الروح العلمية.
فيورباخ والموقف من الدين
لقد استطاع فيورباخ ان يفسر الدين والله بالرجوع الى الطبيعة الإنسانية وميولها وقال: (ان ما يميز الانسان عن الحيوان هو قدرته على ان يدرك بتفكيره لا الفرد وحده بل النوع بأكمله فالانسان هو بنفسه الاله الحقيقي والوحيد) الله في الفلسفة الحديثة. ص 0339
لقد أراد اذا ان يجري عملية جراحية لاستئصال فكرة الله واراد ايضاً ان يحصر الدين داخل الاطار الالحادي ودعا الى دين انساني يخلو من الله. نفس المصدر ص 240.
وهو بهذا المنطق قد قطع كل علاقة له مع دياليكتيك هيجل واستحوذ عليه بقوة المنطق حيث قال.. (.. ان المادية بالنسبة لي هي أساس بناء الكيان الإنساني واساس المعرفة الإنسانية..) المادية والمثالية مهدي الحافظ ص7.
لقد قطع فيورباخ شوطاً كبيراً في ابتعاده عن الفلسفة الهيغلية (فقد كان من الذين فضحوا طبيعة الدين اللاعلمية وفي رد جذورها الى جهل الشعب وقلة معارفه) المعجم الفلسفي المختصر رؤية ماركسية – ص54 دار التقدم موسكو.
كما انه طرح فكرة الانسان نقيضاً الفكرة والروح وهما المفهومان السائدان في المثالية السائدة في عصره.
تاثير فيورباخ على ماركس
يبدو ان تأثير فيورباخ على كارل ماركس واضحاً كل الوضوح في نظرته الى الدين عندما اعلن فيورباخ.. (.. ان محور الدين ليس الله بل الانسان وان الدين من ابتكار الانسان وان الصفات المميزة للطبيعة الإنسانية هي العقل وما الله سوى وهم خلقه الانسان لنفسه..) لهذا اعتبر ماركس فيورباخ بانه (لوثر الثاني) من حيث تحرير الناس من الوهم ولكن ماركس اعطى للجانب الاقتصادي تفسيراً للدين حيث قال (.. ان الطبقة الشعبية المسحوقة ابتكرت الله والسماء والحياة الثانية لمحاولة للخلاص من وضعها المتخلف.). العلمانية والدولة الدينية ص 19
تحويلات فيورباخ.. لماذا..؟
لقد ذكرت في بداية هذا المقال ان فيورباخ بدأ حياته لاهوتياً ثم تحول الى المذهب الهيغلي واعتنق ديالكتيك هيغل واصبح عضواً في الشباب الهيغلي الا انه انتقد أراء هيغل بشدة وهجرها الى المذهب المادي، ان هذا التحول لم يأتي اعتباطاً لقد كانت هناك عوامل ذاتية وموضوعية وراءه.
والحقيقة ان فيورباخ كان معاصراً لثلاث أكتشافات مهمة هي:-
1 – اكتشاف الخلية 2 – تحول الطاقة 3 – نظرية التطور المسماة باسم دارون.
في الوقت نفسه كانت أوضاع المانيا أوضاع مؤسفة جعلت كراسي تدريس الفلسفة يحتلها التافهون وكان فيورباخ يقبع في قرية صغيرة).. المادية والمثالية – مهدي الحافظ ص 12
لقد ظل فيورباخ وفياً للمبادئ حتى وفاته 1872م، وختاماً فان المتتبع لمسيرة هذا الفيلسوف العظيم يرى انه قد لخص أراءه بهذا الكلمات المضيئه بقوله: (.. يؤمن الانسان بالألهة لانه يتمتع بالخيال، ويؤمن بالكائن السعيد لانه لدية فكرة عن السعادة، ويؤمن بالكائن الفاضل لانه يتطلع الى الكمال، ويؤمن بالكائن الخالد لانه يرفض الموت..) الماركسية في اطارها التاريخي، يتودور وايزرمن، ص 25-26.
***
غريب دوحي







