قضايا

سامح مرقس: نظره عابره على بعض فلاسفة التنوير

لقد دفع التقدم العلمي والثورة الصناعية وأفكار فلاسفة التنوير عجلة التطور الاجتماعي في أوروبا الغربيه إلى الأمام لبناء أنظمة ديمقراطية ليبرالية حديثة تلتزم بالعقلانية والموضوعية والمعرفة العلمية.

قبل أن نستعرض بعض فلاسفة عصر التنوير، لا بد أن نذكر شخصين يعتبران من أهم الشخصيات المبكرة في عصر التنوير: سبينوزا وابن رشد، اللذين استطاعا تحقيق التناغم بين العلم والدين والفلسفة، وضرورة استخدام العقل والمنطق لفهم النصوص.

إيمانويل كانط: (ولد في 22 أبريل 1724 - توفي في 12 فبراير 1804)

يعتبر كانط أحد أبرز المفكرين في عصر التنوير، وتبني أفكاره العقلانية رينيه ديكارت، والتجريبية فرانسيس بيكون. ويُعد كتابه "نقد العقل المحض" الذي نُشر في عام 1781، من أبرز الأعمال الفلسفية، حيث اوضح كانط فيه دور العقل البشري في تكوين المعرفة، ومحدودية القدرات العقليه في فهم بعض المسائل الميتافيزيقية.

كان كانط فيلسوفًا عقلانيًا وأخلاقيًا، وفي كتابه "أساسيات ميتافيزيقا الأخلاق"، اقترح أن الأفعال يجب أن تُقيَّم بناءً على نية الفاعل وليس فقط على نتائج الفعل.

ميخائيل باكونين (ولد في روسيا عام 1814 - توفي في برن، سويسرا عام 1876)

اشتهر ميخائيل باكونين بنظريته الفوضوية، وأن البشر يجب أن يتمردوا ضد السلطة من أجل أن يكونوا أحرارًا. رفض باكونين سلطة اي عقيده تجعل الإنسان يعيش في حالة خوف دائم. أشار باكونين إلى أن هدف الدولة الاستبدادية هو إبقاء الشعب في حالة من الطفولة الدائمة معتمدًا على الحكومة كمعلم ومرشد. كما أوضح باكونين أن آلية الطاعة هي آلية الإلغاء، وتزيف الواقع، وتجعل الأفراد يعتقدون أنهم يعملون من أجل الصالح العام بينما هم في الواقع يعيشون ما أسماه ماركس "الوعي الزائف“.

فريدريك نيتشه (ولد في 15 أكتوبر 1844 - توفي في 25 أغسطس 1900، ألمانيا)

طرح نيتشه فكرة "موت الإله" لتعبر عن انهيار القيم الدينية المسيحية التقليدية في أوروبا الحديثة، وكان يدرك أن فكرته عن "موت الله" سوف تسبب فراغًا أخلاقيًا وروحيًا قد يؤدي إلى "العدمية". ولكنه اعتبرها فرصة لمواجهة الواقع بشجاعة، وطرح فكرة "الإنسان الأعلى" الذي يستطيع خلق نظام أخلاقي جديد من خلال قوته الذاتية وإرادته والإبداع الشخصي.

اعتبر رجال الدين إعلان نيتشه عن "موت الله" بمثابة هجوم قوي على المبادئ الدينية ودعوة إلى الفوضى الأخلاقية.

سيجموند فرويد (ولد في 6 مايو 1856، فرايبرغ، النمسا - توفي في 23 سبتمبر 1939، لندن، إنجلترا)

ابتكر فرويد التحليل النفسي، وكان يعتقد أن المفاهيم الدينية انتقلت إلينا من أسلافنا الأوائل دون إثارة أي تساؤل حول صحتها، وأن الأديان ممارسة لـ"اضطراب الوسواس القهري".

شرح في كتابه "مستقبل الوهم" (1927) أن الإيمان بالله هو إسقاط لرغبات طفولية في التشبث بوجود الأب الحامي القدير، وان الاديان تقدم إجابات سهله لألغاز الكون، ومعنى الوجود، والحياة بعد الموت، وتوفر الأمان النفسي للانسان. كما أوضح فرويد أن القلق والتوتر والشعور بالذنب الذي يعاني منه الانسان سببه الصراع الداخلي بين القانون الإلهي والرغبة، وأنه صراع لا مفر منه، وأنه لا يمكن القضاء على الرغبة، ويمكن احتواؤها فقط.

ألبرت كامو (ولد في الجزائر 7 نوفمبر 1913 - توفي في فرنسا 4 يناير 1960)

حصل ألبرت كامو على جائزة نوبل للآداب في عام 1957، وهو في الرابعة والأربعين من عمره. وقد عبر في كتاباته عن عزلة الإنسان في عالم غريب، ومشكلة الشر، والحاجة إلى الدفاع عن قيم مثل الحقيقة والاعتدال والعدالة.

نشر كامو في عام 1942 مقالاً فلسفيًا مؤثرًا بعنوان "أسطورة سيزيف"، حيث حلل فيه العدمية المعاصرة والشعور بـ"العبث" في الكون غير المبالي. استخدم كامو في هذا المقال الأسطورة اليونانية "لسيزيف"، الملك الذي حكمت الآلهة عليه بدحرجة صخرة إلى أعلى التل، لتتدحرج الصخرة إلى أسفل كلما وصل إلى القمة. ويرمز هذا الصراع الأبدي إلى الحالة الإنسانية، حيث يسعى الأفراد إلى إيجاد المعنى في عالم لا يقدم أي معنى.

كان كامو متشائما، ورأى أن الكون لا معنى له، ويجب على الناس أن يتقبلوا الطبيعة العبثية للحياة،واعتبر الانتحار حلًا طبيعيًا لعبثية الحياة.

برتراند راسل (ولد في 18 مايو 1872 في ويلز - توفي في 2 فبراير 1970 في ويلز)

كان راسل مناضلًا من أجل السلام وكاتبًا مبدعًا في المنطق وفلسفة الرياضيات وفي الموضوعات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1950.

اهتم راسل بالتعليم والقيم الأخلاقية في الزواج والممارسات الجنسية. نشر راسل عام (1945) كتابه الموسوعي "تاريخ الفلسفة الغربية"، الذي كان أكثر كتب راسل انتشارًا وحقق مكاسب مالية كبيرة حررته من أي ضغوط مادية.

كان راسل يؤمن بأن الدين يعزز الخوف والاتكالية، وسعي بجديه من اجل إيجاد نظرة عالمية علمية وإنسانية لمساعدة البشر في رحلة الوجود.

صمويل بيكيت (ولد في 13 أبريل 1906، دبلن، أيرلندا - وتوفي في 22 ديسمبر 1989 في باريس، فرنسا)

يعتبر بيكيت من أهم الكتاب في القرن العشرين، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1969. وكانت أشهر مسرحياته "في انتظار جودو " 1952 التي تعد استكشافًا بارعًا للحالة الإنسانية، وعبثية الحياة، والتذبذب بين الأمل واليأس، والميل البشري إلى التشبث بالأمل حيث ينتظر البشر بلا نهاية شيئًا قد لا يصل أبدًا. أدرك بيكيت أيضًا أهمية الروابط الإنسانية في توفير العزاء في وجود قاتم يكافح فيه الإنسان لفهم الحقيقة في عالم غير مبالٍ تتكرر فيه الأفعال والمحادثات.

ختامًا، إن الثقافة السائدة حاليًا في مجتمعاتنا العربية تعيق التقدم والتنوير، ولا بد من مواجهتها بشجاعة من أجل الأجيال القادمة. وذلك بنشر الثقافة العلمية والمعرفة الموضوعية، والتمسك بقيم الحداثة، لدفع عجلة التقدم من جديد، والخروج من كهف التخلف والركود الفكري ووهم المعرفة.

***

بقلم استاذ دكتور سامح مرقس

في المثقف اليوم