قضايا
عدي البلداوي: دور الشباب العربي في قيام نهضة ثقافية معاصرة (2)

في القرن العشرين كان اكتشاف الحاسوب يمثل تطوراً علمياً كبيراً، لكنه لم يؤثر سلباً على طبيعة حياة الفرد والمجتمع كما يحصل مع الموبايل وتطبيقات الانترنت وتقنية الذكاء الاصطناعي اليوم.
في القرن العشرين كنا اذا اردنا ان نتعامل مع الحاسوب، احتجنا الى تعلم لغة من لغات البرمجة، اعقبتها مرحلة اكتشاف نظام (الوندوز) الذي اغنى كثيرين عن تعلم لغة من لغات البرمجة لأجل التمكن من استخدام الحاسبة، فكان يكفي ان يجتاز دورة تعليمية تشرح له كيفية استخدام النظام الجديد، وبمقدور أي شخص دخول هكذا دورات تعليمية والانتفاع بمادتها العلمية، لكن ما حصل في القرن الواحد والعشرين هو أن العلم عمل على أن يجعل التطور التقني والمنتجات الرقمية المتطورة في خدمة الجميع وفي متناول الجميع بغض النظر عما اذا كان المستخدم يعرف أو لا يعرف شيئاً عن علم الحاسبات أو علم التقنية الرقمية أو علم الاتصالات.
هذا التقدّم العلمي الكبير اتاح للجميع بغض النظر عن اعمارهم ومداركهم ومؤهلاتهم، ان يستخدموا هذه التقنية المتطورة ما داموا قادرين على اقتنائها.. وهذا التوسع الكبير في استخدام اجهزة التقنية الرقمية المرتبطة بشبكة الانترنت، يترتب عليه توسعاً كبيراً في المادة التي يتم تقديمها عبر تلك اجهزة تلك التقنية، والحديث عن مادة ثقافية بهذا الحجم الكبير يشتمل بكل حال من الاحوال على ما هو جيد وما هو رديئ، والحديث عن هذه الثنائية ليس جديداً، فالخير والشر.. والحقيقي والمزيف.. الصح والخطأ.. ثنائية لازمت الانسان طوال حياته.. اختلف الأمر اليوم عندما اتاحت التقنية مديات من التطور يراها مختصون في مجال التقنية انها بدأت تتدخل في حياة الانسان، وانه سيتعذر عليه التمييز بين الصح والخطأ، والحقيقي والمزيف في المادة التي تعرضها تطبيقات التقنية، الى حدّ قد يصعب على المثقف أيضاً ان يميز بينهما، وهنا تبدأ عملية القلق التي تفرض على المفكرين والمعنيين الاهتمام بالرصيد الحياتي للشباب والتفكير بطريقة استثمار جديدة تكفل للشاب العربي تحقيق عائدات مربحة لرصيده الحياتي والتعليمي والثقافي والتربوي.
ان علاقة الانسان بالآلة علاقة قديمة ترجع الى ملايين السنين _ حوالي خمسة ملايين سنة _ منذ الفأس الحجري، وكانت هذه العلاقة تتحرك في حدود الوجود الطبيعي للإنسان في الحياة، فكان يغير الأشياء من حوله من أجل أن يتمكن من تخطّي صعوبات معينة تعترضه في حياته، لكن هذه العلاقة اليوم تأخذ مفهوماً جديداً وصل حدّ تدخل الآلة في حياة الانسان.. فمجرّد اتاحة استخدام التقنية غير المشروط وغير المقنن للجميع ترتّب عليه كثير من الاعراض الجانبية الضارة بطبيعة المجتمع، فكثرت المشاكل الاجتماعية والشخصية بشكل ملفت ومخيف لأنها أخذت تهدّد استقرار الحياة، وهنا تأتي أهمية استثمار الرصيد الثقافي والحياتي الذي تحدثنا عنه في مشروع جديد يخدم تنمية وتطوير المجتمع، وهو مشروع نهضة ثقافية بصناعة وعي نقابل بها التطور الصناعي العالمي في الغرب.
الشباب العربي بالرصيد الذي تطرقنا الى تفاصيله، يمثل افضل استثمار في انجاح مشروعنا النهضوي الثقافي، لأن الشباب يمثلون القوة الذاتية المحركة لجسم المجتمع، وهذه القوة ضامنة لنجاح المشروع لأنها تتوافر على عدّة عناصر اساسية تحتاجها خطوات عمل المشروع النهضوي الثقافي في المجتمع، وهذه العناصر الأساسية هي:
- عنصر الأصالة
- عنصر الانتاج
- عنصر الإبداع
- عنصر الإستثمار
أول هذه العناصر هو عنصر الأصالة ومعناه ان الشاب العربي هو ابن المجتمع، وهذا يعني انه قادم من تربية أسرية تشهد طبيعة المجتمع العربي بسلامة تربية الأسرة العربية، وهذه البيئة السليمة للتربية تهيئ للعنصر الآخر من عناصر المشروع آنفة الذكر، وهو عنصر الإنتاج الذي يعني ان ابن المجتمع المتحدر من تربية أسرية صالحة وسليمة سيقدّم إنتاجاً إيجابياً في صناعة الوعي يمكنه أن ينهض بثقافة ذلك المجتمع وتحسين ظروفه، وهذا العنصر يؤدي بنا الى العنصر الثالث وهو عنصر الإبداع، فمن خلال الرصيد الحياتي المتضمن فئة الحالة المعنوية فإن الدافع الذاتي للشاب يحمله على الابداع ليثبت ذاته ويبني شخصيته، وهذه العناصر الثلاثة تأخذنا الى العنصر الرابع وهو عنصر الاستثمار الذي يعني ان صناعة الوعي لن تنتهي في مرحلة ومنية معينة ما دامت موادها الأولية متوافرة وبهذه الجودة العالية التي ذكرناها، وهذا يضمن لها مستقبلاً واعداً وهو ما نرجوه.
***
عدي عدنان البلداوي