قضايا
محمد الدسوقي: فلسفة الخوف

ما معنى الخوف؟ ولماذا يخاف الإنسان؟ وما هي أنواع الخوف؟ وكيف يتعالج الإنسان من الخوف غير الطبيعي؟ وهل الخوف غريزة إنسانية فقط؟
كل هذه التساؤلات تُعدّ محاولة لفهم جوهر الخوف، وفيما يلي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات من زاوية فلسفية نفسية، لأن الخوف ليس مجرد فكرة، بل هو حالة وسلوك إنساني تجاه موقف ما.
أولًا- الخوف الوجودي لدى الإنسان البدائي والمعاصر:
منذ العصور البدائية القديمة، كان الخوف أنيس الإنسان، فلم يكن يعلم بعد أسباب التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية كالزلازل والأمطار والبراكين، كان يواجه الحيوانات المفترسة أثناء تأمين لقمة عيشه الروتينية القائمة على الصيد. هذا ما جعله يبحث عن مأوى، فشقّ الكهوف، وجعله يعيش في جماعات ليقلل من شعوره بالخوف.
وكذلك الإنسان المعاصر؛ فبالنسبة له، أصبح الخوف هو الجني الذي يصادفه في كل مكان، بسبب انتشار الحروب وما ينتج عنها من دمار، والقتل، والسرقة، وهتك الأعراض.
أصبح يخاف على وجوده، مُلبِّيًا نداء غريزة البقاء، فأخذ يُطبّق شروط الصحة والسلامة المهنية، ويؤمّن المنشآت بأعلى المستويات، سواء من خلال العناصر البشرية أو الأجهزة الإلكترونية.
كل ذلك لماذا؟! بسبب الخوف بمعناه الشامل: الخوف على النفس من الأذى، وعلى الممتلكات من السرقة، وعلى الأبناء من الاختطاف.
ثانيًا- معنى الخوف بين الفلسفة وعلم النفس:
الخوف فلسفيًّا:
نجد التعريفات نسبية، تختلف من فيلسوف إلى آخر، فهذا سُقراط يتحدث عن الخوف ويقول: "الخوف يجعل الناس أكثر حذرًا، أكثر طاعة، وأكثر عبودية"
ومن زاوية أخرى، يحدثنا أرسطو طاليس بقوله عن الخوف: "الخوف هو الألم الناتج عن توقّع الشر"
ومن وجهة نظرنا، نرى أن الخوف هو حالة متشابكة ومعقّدة، تؤدي إلى ردود أفعال ناتجة عن استشعار أو توقّع خطر قريب
الخوف في علم النفس:
نجد عاِلم النفس النمساوي سيجموند فرويد يربط الخوف بخطر يهدد الإنسان، ويعزوه إلى صراع داخلي نتيجة الغرائز المكبوتة في اللاوعي، ولا نعجب من تعريفه هذا، لأن فرويد يبني كل آرائه على نظرية الغرائز، ويفسر الإنسان ودوافعه من زاوية الجنس فقط، وهي فرضيات قد تكون صائبة أو خاطئة، وليست مسلّمات، فالإنسان أكبر وأعقد من أن نُفسّر دوافعه وسلوكه بنظرة أُحادية.
فالإنسان كائن اجتماعي، يتأثر ويؤثر في المحيط الذي يعيش فيه، كما أن تاريخه الشخصي يلعب دورًا مهمًّا في فهم سلوكه.
كما نجد أيضًا عالم النفس والفيلسوف إيريك فروم يحدثنا عن الخوف، ولكن من زاوية ارتباطه بالحرية.
فيرى أن الإنسان اعتاد ثقافة الانصياع والتبعية، وعندما تُتاح له الفرصة للتحرر، يبدأ الخوف، لأنه يرتبط بالمسؤولية، ويُصبح مسؤولًا عن أفعاله وسلوكه، ولهذا ربط فروم بين الخوف والحرية.
ثالثًا- أنواع الخوف عند الإنسان:
على نفس النمط الديكارتي، نقول إن هناك نوعين من الخوف
الخوف المنهجي: وهو الخوف السويّ الطبيعي الذي يهدف إلى تحقيق هدف ما، حيث يلعب دورًا تحفيزيًّا مشجعًا على بذل الأفضل أثناء أداء المهام
الخوف المذهبي (إن جاز التعبير): ونقصد به الخوف المرضي غير الطبيعي، كأن يخاف شخص من أشياء مألوفة، مثل الخوف من القطط، رغم أنها رمز للوداعة والبراءة عند كثيرين،
ففي هذا السياق، يصبح الخوف كما لو كان مذهبًا لا إراديًّا.
رابعًا- كيف يتعالج الإنسان من الخوف غير الطبيعي؟
نقول "الخوف غير الطبيعي" لأن الإنسان لا يستطيع التخلص من الخوف تمامًا، فهو غريزة دفينة فيه.
لكن يمكن التخفيف منه أو التحكم فيه عبر طريقتين:
الأولى الوصفة الفلسفية: من وجهة نظر الفيلسوف اليوناني أفلاطون، الذي قال: "المعرفة هي الترياق للخوف". فمن وجهة نظرنا، الإنسان يخاف مما يجهله وينفر منه. وفي الموروث الشعبي يُقال: "اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش"
وأعتقد أن أفلاطون كان يقصد كسر حاجز الخوف من خلال الشجاعة في معرفة ما نجهل.
الثانية الوصفة النفسية
وتتمثل في العلاج السلوكي المعرفي حيث يتم تغيير أنماط التفكير السلبية لدى الشخص المصاب بالخوف المرضي إلى أنماط إيجابية، ويتم ذلك تحت إشراف مختصين نفسيين.
خامساً- هل الخوف غريزة إنسانية فقط؟
بالطبع لا:
فالحيوانات والحشرات أيضًا تخاف، سواء بفطرة غريزية أو أحيانًا باكتساب التجربة.
فالخوف الفطري يظهر في ردود أفعالها تجاه الحيوانات المفترسة أو الحركات المفاجئة أو الأصوات العالية.
أما الخوف المكتسب، فقد يظهر نتيجة مراقبة الحيوانات لبعضها البعض، فتتعلم من ردود أفعال الآخرين ضمن مجموعتها.
خاتمة:
نرجو أن نكون قد قدّمنا إجابات وافية للتساؤلات المطروحة حول الخوف.
ونختم بمقولة طريفة للفيلسوف اليوناني سقراط عن الخوف والقلق:
"تخاف المرأة على المستقبل حتى تجد زوجها، ولا يخاف الرجل على المستقبل حتى يجد زوجته، حينها يبدأ في القلق".
***
محمد أبوالعباس الدسوقي