قضايا
غالب المسعودي: السرديات التاريخية تأصيل لسلطة الخوف

يمكن أن يُنظر إلى الخوف كحالة نفسية تؤثر على الوعي الفردي والجماعي، مما يؤدي إلى تقبل القمع، غالبًا ما يتم استخدام الخوف في السرديات التاريخية* لتبرير الأفعال السياسية، مثل الحروب أو القمع. دراسة السرديات التاريخية وسلطة الخوف تسلط الضوء حول كيفية تشكيل الأفكار والمعتقدات من قبل قوى السلطة، ان فهم تأثير سلطة الخوف يتطلب النظر في كيفية تداخل هذه السرديات مع الواقع الاجتماعي والسياسي ويمكن استنطاق الأسئلة حول الحرية، والسلطة، والهوية، مما يؤدي إلى تعميق دور الخوف في الحياة الإنسانية.
تبرير الاستبداد
التهديدات الخارجية أو الداخلية، مثل "الإرهاب" أو "الفوضى" تبرر اتخاذ تدابير قاسية كما تستخدم قصص الحروب أو الأزمات كأدلة على الحاجة إلى سلطة قوية لحماية الأمة ،يتم تصوير الحكام كمنقذين أو أبطال تاريخيين، مما يخلق ولاءً عاطفيًا للشخصيات الحاكمة، اي أنهم ضروريون لحماية القيم الوطنية أو الثقافية، مما يُعزز من قبول الجمهور لهذه الشخصيات، تُصوّر المعارضة كخيانة أو تهديد للأمن القومي، مما يجعل من السهل تبرير القمع ضدهم، تُظهر السرديات التاريخية كيف أن الأمة أو الشعب يمتلك تاريخًا عريقًا مما يُعزز من شعور الفخر القومي ويزيد من قبول السياسات الاستبدادية وتوجيه المعلومات التي يتلقاها الجمهور، مما يحد من النقاشات النقدية حول السلطة، تُعتبر السرديات التاريخية أداة قوية في يد الأنظمة الاستبدادية، حيث تساعد في تشكيل الهوية الوطنية وتوجيه الرأي العام نحو قبول السلطة. من خلال إعادة صياغة الأحداث، يمكن للأنظمة خلق بيئة تجعل من الاستبداد يبدو كخيار منطقي وضروري.
تأصيل الخوف
تعمل السرديات التاريخية على تأصيل الخوف في الذاكرة الجماعية من خلال روايات الأزمات، الحروب، والكوارث، مما يخلق شعورًا دائمًا بالخطر كما تُستخدم أحداث تاريخية كتحذيرات للأجيال الجديدة، والذي يعزز من فكرة أن الإذعان للسلطة ويجعلها هي الحل الوحيد ،كذلك يتم خلق صورة للعدو تُحدد من قبل السرديات التاريخية مما يُبرر استخدام القوة للحفاظ على النظام وتحويل الخوف إلى ولاء .ان تصوير الصوت الاخر كتهديد حقيقي يمكن النظام من تعزيز ولاء بقية المواطنين كما يساعد على إضفاء الشرعية على الخوف من خلال تصوير الاستبداد ضرورة، وهو السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار والأمان في نفس الوقت كذلك تبييض السلوك القمعي وكأنّه وسيلة لحماية الشعب من التهديدات، مما يجعل الخوف من العواقب سببًا لقبول الاستبداد ، ان استمرارية الخوف وعدم الثقة في البدائل يعزز من الاستبداد كما تستخدم السرديات التاريخية لتعزيز الهوية الطائفية و خلق شعور بالانتماء الذي يجعلهم أكثر قابلية لتأكيد التفوق الثقافي ، تُظهر السرديات التاريخية كيف أن الأمة التي تقف بوجه التحديات التاريخية تتمكن من تعزيز فكرة البقاء تتطلب سلطة قوية حتى لو كانت استبدادية. تتداخل السرديات التاريخية مع مفهوم السلطة المبنية على الخوف وتُستخدم لتأسيس شرعية الأنظمة وتوجيه الرأي العام من خلال خلق شعور دائم بالخطر كي تتمكن السلطات من خلاله فرض سيطرتها وتعزيز ولاء المواطنين، ما يجعل من الخوف وسيلة فعالة للحفاظ على السلطة.
لعنة الفهم
يمكن اعتبار الفهم "لعنة" عند النظر إلى دور السرديات التاريخية في تأصيل الخوف لان الفهم العميق للسرديات التاريخية يساعد على تطوير وعي نقدي يمكن الأفراد من تحليل الأحداث بطريقة موضوعية، كما يمكن أن يؤدي إلى فضح الأكاذيب والتلاعب، مما يعزز الدعوات للعدالة والمساءلة في أكثر الأحيان. الفهم يؤدي إلى إدراك أعمق للتهديدات الحقيقية أو المتصورة، مما يقلل من مشاعر الخوف والقلق ،يمكن أن يستخدم الفهم كأداة لكشف السرديات الوهمية، حيث يعري استخدام المعرفة لتبرير القمع أو الاستبداد وكيف يمكن للقوى الاستبدادية أن تستغل قلة الفهم التاريخي لتوجيه السرديات لصالحها، مما يجعل من السهل على الأفراد مقاومة السلطة، الفهم يمكن أن يكون سلاحًا يوفر أدوات للتفكير النقدي والعدالة، ويمكن أن يُستخدم أيضًا لكشف التأثيرات السلبية لسلطة الخوف وشرعنه الاستبداد ، يجب ان يكون الفهم مصحوبًا بتفكير نقدي ومساءلة مستمرة.
معارضة السلطة مغالطة سردية
تصور السلطة المعارضة كخيانة وتُستخدم السرديات لتصوير المعارضين كخونة أو أعداء*، مما يُعزز من قبول الجمهور للقمع ،من خلال تسويق الخوف يتم تقديم المعارضة على أنها تهديد للأمن والاستقرار، مما يُبرر استخدام القوة ضدها، تُقلل السرديات من أهمية حقوق الأفراد في التعبير والتجمع، مُصورةً أن الاستبداد هو الحل الوحيد ،تُغفل السرديات أهمية التنوع في الآراء وضرورة الحوار، مما يُضعف من قدرة المجتمع على النمو والتطور ، تُعزز السرديات من فكرة أن أي معارضة تعني الفوضى، مما يُخوف الناس من التعبير عن آرائهم وتُشجع على تجريم النقاشات حول السلطة، مما يُعزز من هيمنة الأفكار السائدة في العديد من الأنظمة الاستبدادية. تُظهر التجارب التاريخية أن المقاومة يمكن أن تكون ضرورة للحفاظ على الحقوق والحريات، ان استخدام السرديات التي تصور المعارضة كتهديد مغالطة سردية، حيث تُستخدم لتبرير القمع وتعزيز الخوف، من المهم تفكيك هذه السرديات لفهم ان دور المعارضة جزء أساسي من الحياة الديمقراطية وحق الأفراد في التعبير.
سرديات الاستبداد وحكم القبيلة
في كل من الاستبداد وحكم القبيلة، تتجمع السلطة في يد القائد أو الزعيم، مما يقلل من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات، يُعتمد الولاء الشخصي للزعيم، سواء كان حاكمًا استبداديًا أو شيخ قبيلة، مما يعزز من سلطته ،يرتكز كل من النظام الاستبدادي وحكم القبيلة على الخوف كوسيلة لتأكيد السيطرة، حيث يُستخدم التهديد بالعقوبات للحفاظ على النظام ،تُعتبر المعارضة في كلا النظامين خيانة تُعرض الشخص للخطر، مما يُعزز من هيمنة السلطة .تُعزز صورة الزعماء كأبطال تاريخيين، مما يُزيد ولاء الشعب لهم في أوقات الأزمات كما يُستخدم كل من الاستبداد السردي وحكم القبيلة لتقديم السلطة كحل وحيد لحماية الجماعة لذا تُستخدم إجراءات قمعية في كلا النظامين لتأكيد السيطرة، في أوقات الاضطراب يتم الالتقاء بين الاستبداد السردي وحكم القبيلة والاعتماد على الخوف في تعزيز الهوية الجماعية، هذه الديناميات تبين أن القيم التقليدية يمكن أن تُستخدم لتثبيت الأنظمة الاستبدادية، سواء في السياقات القبلية أو الطائفية.
التطور التكنولوجي
تتيح التكنولوجيا الحديثة، مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، للأفراد الوصول إلى معلومات متنوعة، مما يساعدهم في كشف الحقائق وتحدي السرديات الرسمية ،يمكن أن تؤدي المعلومات المتاحة إلى زيادة الوعي السياسي والاجتماعي، مما يعزز من قدرة الأفراد على التفاعل والنقاش، تتيح التكنولوجيا للمعارضين تنظيم أنفسهم بسرعة وفعالية، مما يسهل من حركات الاحتجاج والمقاومة ،يمكن أن تُستخدم التكنولوجيا لتوثيق الانتهاكات الحقوقية، ويزيد من الضغط على الحكومات لتحسين سلوكها تساهم الشبكات العالمية في نشر المعلومات حول الانتهاكات، مما يرفع من مستوى الوعي الدولي ،يمكن أن تؤدي التكنولوجيا إلى تغييرات ثقافية، حيث يتم ُتعزيز قيم الديمقراطية والشفافية والمساءلة كما تواجه الأنظمة الاستبدادية تحديات في السيطرة على المعلومات، حيث يمكن أن تتسرب المعلومات بسهولة، مما يقلل من فعالية الرقابة . ومع ذلك، يعتمد النجاح على قدرة الأفراد على استخدام هذه التكنولوجيا بفعالية لتحقيق التغيير، بينما يمكن أن تلعب التكنولوجيا دورًا مهمًا في تحدي الأنظمة الاستبدادية، فإن هناك حدودًا تؤثر على هذا التأثير، تشمل هذه الحدود الرقابة، الاستجابة القمعية، الفجوة الرقمية، والانقسامات الداخلية، لذا، يتطلب تحقيق التغيير جهودًا متكاملة تشمل التعليم، التوعية، والتنظيم.
***
غالب المسعودي
..........................
* في القرون الوسطى، استُخدم الخوف من الطاعون لتعزيز السرديات حول العقاب الإلهي، مما أدى إلى زيادة الاضطهادات ضد الأقليات.
* فترة مكارثي، التي امتدت من أوائل الخمسينيات إلى منتصفها، كانت مرحلة مثيرة للجدل في التاريخ الأمريكي، حيث تم استخدام استراتيجيات قوية لقمع المعارضة.