قضايا

طه جزّاع: ببغاوات عشوائية

في الوقت الذي تتزايد فيه دهشة الانسان تجاه قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولا سيما برنامج " شات جي بي تي" الذي اقتحم أغلب تفاصيل حياتنا، وأصبح متاحاً للجميع نظراً لسهولة استخدامه والاستفادة من امكانياته المذهلة، يظهر في المقابل وجه آخر متحفظ يرى أن أنظمة هذا الذكاء تشبه " الببغاوات العشوائية " التي تقلد اللغة البشرية دون ادراك لمعناها، وأنها ليست أكثر من أدوات متقدمة لمعالجة البيانات، تفتقر إلى الفهم أو الوعي الحقيقي. صحيح أن علماء بارزين في مجال البرمجيات الذكية وصنّاعاً كباراً مثل بيل غيتس وإيلون ماسك، توقعوا اختفاء العديد من الوظائف التي يؤديها الإنسان، إلا أن كتاباً ألّفته عالِمتان هما إيملي بيندر، المتخصصة في اللغويات الحاسوبية بجامعة واشنطن، وأليكس هانا عالمة الاجتماع في جامعة كاليفورنيا، يوجه نقداً لاذعاً وساخراً للمبالغة في قدرات هذا الذكاء.

الكتاب الذي حمل عنوان "خدعة الذكاء الاصطناعي" يهدف إلى تفكيك الأساطير المحيطة بهذه التكنولوجيا، وكشف الأجندات الخفية وراء الترويج المفرط لها من قبل الشركات الكبرى التي تعمل على تضليل الجمهور من خلال تضخيم قدرات أنظمتها، كما أن هذه الشركات، باستخدامها الواسع لبرامج الذكاء الاصطناعي تهدد مستقبل الوظائف إذ تسعى إلى تقليل التكاليف على حساب اليد العاملة البشرية، ما يؤدي إلى فقدان الوظائف، وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات خطيرة. من هنا، تدعو المؤلفتان إلى تشجيع التفكير النقدي، وعدم الانخداع بالدعاية التكنولوجية، والمطالبة بمساءلة تلك الشركات عن مخاطر ممارساتها الأخلاقية والإجتماعية .

من المؤكد أن " الببغاوات العشوائية " لن تقبل الهزيمة بسهولة، لأنها لا تفهم لغة " الأخلاق" البشرية، وستظل هيمنتها الخطيرة مصدر قلق للإنسان، إلى أن يظهر نوع من الذكاء الاصطناعي يمتلك ليس فقط المهارة، بل أيضاً العاطفة، والقلب، والقيم الأخلاقية التي تُميّز الإنسان عن الآلة .

***

د. طه جزّاع

 

في المثقف اليوم