قضايا
أمين ديونيسيوس: نقد الفيلسوف الالماني إمانويل كانط للميتافيزيقا

وللبراهين العقلية على وجود الاله
شرع كانط في نقد كل الفلسفات العقلية والخلقية الخالصة، ففي رسالة بعنوان "الاساس الوحيد الممكن لاثبات وجود الله" يذكر اربعة ادلة على وجود الله النابعة من العقل الخالص والتأمل وحده ويفندهم بناء على اساس عدم جواز استنباط الوجود الواقعي من الفكر. فادا كانت المثالية بالمعنى العام كما يعرفها "لالاند " في المعجم الفلسفي هي "الاتجاه الفلسفي الذي يرجع كل الوجود الى الفكر بالمعنى الاعم لهذه الكلمة ويعطي الاسبقية للوعي ".
فان نقد كانط لأدلة وجود الله، ولاسيما الدليل الانطولوجي جاء بناء على رفض رد الوجود الى الفكر، او بعبارة اوضح رفض استنباط الوجود من الفكر وبالتالي كان كانط صريحا في رفض جوهر المثالية. وذلك عندما قال كانط "مفهوم الكائن الأسمى والكامل الاوصاف واللامتناهي هي فكرة مفيدة جدا من نواحي مختلفة، لكنه من حيث كونه مجرد فكرة عاجزة بمفردها تماما عن توسيع معرفتنا بالوجود " اي ان مهما أثبتنا ضرورة وجود كذلك كائن فذلك منطقيا، ولا يخول لنا إخراجه للواقع ليغني معرفتنا بالوجود ويسد ثغرات وفراغات أسئلتنا الوجودية وجهلنا بنشأت الكون وقوانينه.
وهنا يصيب كانط المذهب المثالي التقليدي في النقطة الحساسة؛ وهي استحالة البرهان عقليا على وجود شيء ما. ولنبدأ بعرض البراهين التي فندها كانط، وأولهم البرهان الانطولوجي او الوجودي على وجود الله والذي يعتبر أساس الدليلين الآخرين وهما الدليل الكوصمولوجي والدليل اللاهوتي الطبيعي. ويمكننا عرض الدليل الانطولوجي في عدة صيغ فمثلا يمكن وضعه في القياس الآتي:
- لدينا فكرة الله (أو فكرة أكثر الكائنات كمالا) والتي تنسب له كل الصفات المطلقة.
- الوجود صفة تتحقق في كل كمال مطلق بالضرورة.
- إذن لابد أن يكون الله موجودا.
فحسب هذا البرهان الانطولوجي الذي أول من قدم به هو القديس أنسلم في القرون الوسطى وطوره ديكارت من بعده، ففكرة شيء أو كيان كامل له كل الكمالات الممكنة لكن ليس له وجود فعلي فكرة متناقضة، فصفة الوجود أحد أوجه الكمال، وهنا يوضح كانط تهافت هذا البرهان الذي يثبت الإمكان المنطقي المحض إلا أن الإمكان المنطقي المحض يختلف عن الإمكان الواقعي. فكل من اعتقدوا من طائفة المثاليين أن وجود الله صفة متضمنة منطقيا في تصور الله بوصفه أكثر الكائنات كمالا، اعتبروا الوجود محمولا منطقيا بينما هو في عرف كانط ليس صفة أو محمول بل هو وضع مطلق للأشياء، إنه الوضع الذي تحمل عليه كل الصفات وهو الضروري، وهذا البرهان جعل من الله محمولا ذهنيا فأثبته ذهنيا وداخل العقل فقط لا خارجه أي في الواقع، لأنه لا يمكن استنباط الوجود الواقعي من الفكر الذاتي. وهنا يضرب كانط مثالا رائعا وهو أنه على حسب هذا البرهان الانطولوجي البائس، هنا يمكنني ان استدل على وجود مئات الدراهم في حافظة نقودي، فقط يجب ان أكون فكرة واضحة ومتميزة عن هذه الدراهم، لكن بعد ان افتحها أي ان ألجأ للتجربة سوف أتأكد إذا كانت موجودة اولا، لكن ليس لدي طريقة لاتحقق ان كان الله موجودا او لا. اما الدليل الكوصمولوجي (الكوني) الذي كان يدافع عنه لايبنتز والعقلانية الدوغمائية يمكن صياغته في الشكل الاتي:
- إذا وجد أي شيء، فلا بد أن يوجد كائن ضروري ضرورة مطلقة.
- وبما أنني على الاقل موجود
- إذن يوجد الكائن الضروري ضرورة مطلقة.
هنا من هذا البرهان لاحظ كانط اننا نلجأ للتجربة على الاقل، أي واقعة انني موجود في العالم، لكن تهافته في القفزة التي يعملها بعد التجربة في تقرير ضرورة وجود كائن ضروري يبرر وجودي أنا. وهنا ما لا يمكن التحقق منه تماما مثل البرهان الانطولوجي الاول التي يرتكز عليه الكوصمولوجي اصلا.
والدليل الثالث هو الذي يسميه كانط بالدليل اللاهوتي الفيزيائي والذي يبدأ من التجربة ويوجه انتباهنا الى علامات النظام والتصميم الذكي للكون والانسان، وايضا الغاية التي نراها في الطبيعة، لكن يرى كانط ان هذا النظام والغائية في الكون غير كافية لكي نبرهن على وجود موجود لامتناه اسمه الله، فكل مايمكن فعله امام هذا النظام الذي نراه هو افتراض وجود اله مهندس للعالم، لأن كانط يسعى لتأكيد استقلالية العلم الحديث عن كل المعايير اللاهوتية، ففكرة الله ليست عند كانط الا تكميل لميكانيكية العالم، وسيضعها كانط ليس كقاعدة للعالم وتكونه بل تدخل من داخل العالم لتصنع الجمالية والتصميم الذكي، وهذا ما عرف عند كانط " بتقنية الطبيعة ".
***
الكاتب: أمين ديونيسيوس