قضايا

غالب المسعودي: فعالية السرد في طقوس الخيبة

الكلمات يمكن أن تكون أدوات للشفاء عند الشامان، تحمل القدرة على تغيير الحالة وقد تصل او لا تصل الى الشفاء التام، لأنها تشير إلى أزمة وجودية،  تساؤلات عميقة حول الذات والوجود تسهم في نبش جراح شديدة النزف حول الطريقة التي نفكر ونعيش بها،  لحظات هاربة، وتجارب توصلنا إلى الإحباط وفقدان المعنى عندما تصبح هذه الجراح شعائر تمثل تجربة وشقاء  الالم الإنساني، مما يدفع الإنسان إلى مزيد من البحث عن المعنى كي ينتج مفاهيم جديدة في الفلسفة ومزيدا من الكلمات، اللجوء الى الفكر  في معالجة هذه الجراح يتمثل في تأملها ووسيلة الشفاء هي الإصرار على إعادة الترميم، انه سؤال ملغم حول معنى الحياة بعد الأزمات، هل يمكن أن يؤدي الخراب إلى ولادة أفكار جديدة  أكثر فعالية...؟هل ادى السرد التاريخي  دورًا مهمًا في فهم الممارسات المعاصرة، خاصة في سياق الخيبة أو الإحباط...؟هل  يساعد السرد التاريخي في توضيح كيف تشكلت الشعائر والممارسات عبر الزمن...؟ ما يعزز الفهم العميق للأسباب وراء الخيبة هو سرد الأحداث التاريخية وكيف يمكن فهم القيم التي ترسخت في المجتمع وكيف تؤثر على ردود الفعل تجاه الخيبات...؟ يمكن أن يوفر السرد التاريخي دروسًا حول كيفية التعامل مع الأزمات، مما يساعد المجتمعات على تطوير استراتيجيات للتكيف، السرد التاريخي ليس مجرد استرجاع للماضي، بل هو أداة فعالة تساعد الأفراد والمجتمعات على فهم أنفسهم وتحدياتهم بشكل أفضل، ويعزز من قدرتهم على مواجهة الخيبات الحالية.

حدود فعالية السرد التاريخي

لا يستطيع السرد التاريخي أن يغطي جميع التجارِب الفردية، حيث تختلف ردود الفعل على الخيبة بشكل كبير من شخص لآخر، يمكن أن تكون بعض السرديات التاريخية متحيزة أو غير شاملة، مما يؤدي إلى إغفال بعض الأصوات أو التجارِب المهمة ،تتغير السياقات الثقافية والاجتماعية بسرعة، مما  يجعل بعض الدروس التاريخية غير ملائمة أو غير قابلة للتطبيق في السياقات المعاصرة،  يؤدي استخدام السرد التاريخي إلى تعميمات مبالغ فيها، حيث يتم إسقاط تجارِب معينة على سياقات مختلفة دون اعتبار للخصوصيات، بعض القضايا المعاصرة  تكون جديدة تمامًا ولا يوجد لها مثيل في التاريخ، مما يجعل السرد التاريخي غير كافٍ لمواجهتها، العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعاصرة  تؤثر بشكل كبير على الخيبة، وهي عوامل قد لا تكون مذكورة أو مفهومة بشكل كافٍ في السرد التاريخي، على الرغْم أن السرد التاريخي يمكن أن يساهم في الفهم، إنه لا يقترح حلولا سريعة أو فعالة لمعالجة الخيبة في اللحظة الحالية ، يمكن أن يكون للسرد التاريخي دور مهم في فهم الخيبة المعاصرة، إلا أن له حدودًا تتعلق بتنوع التجارِب، والتحيز، والتغيرات الثقافية، لذلك، من المهم موازنة السرد التاريخي مع أساليب أخرى لفهم ومعالجة التحديات الحالية.

السرديات المتحيزة والخيبة المعاصرة

السرديات المتحيزة  تساهم في تعزيز الانقسامات بين الفئات الاجتماعية المختلفة، مما يؤدي إلى تفاقم مشاعر الخيبة والإحباط، يمكن أن تؤدي السرديات المتحيزة إلى تشكيل هُوِيَّة جماعية قائمة على تجربتها الخاصة، مما يعزز الشعور بالضحية ويعوق التقدم نحو الحلول، تُستخدم السرديات المتحيزة لتوجيه المشاعر نحو مجموعة معينة، مما يعزز الاستياء والخيبة تجاه الآخرين بدلًا من التركيز على الحلول البناءة، تتجاهل السرديات المتحيزة الحقائق المعقدة أو السياقات التاريخية، مما يؤدي إلى فهم مشوّه للخيبة، وهذا يعزز من الإحساس بالظلم. يُلعب الإعلام دورا مهما في تعزيز السرديات المتحيزة، بالتركيز على قصص معينة دون أخرى، مما يؤثر على كيفية إدراك المجتمع للخيبة، تساهم السرديات المتحيزة في تأجيج المشاعر السلبية مثل الاستياء والقلق، مما يؤدي إلى سلوكيات سلبية أو مدمرّة، لفهم الخيبة المعاصرة بشكل أفضل، من الضروري التفكير في السرديات بشكل نقدي والتعرف على الأصوات المختلفة والتجارب المتنوعة.

السرديات في سياق الخيبة المعاصرة

تاريخ هذه السرديات يركز على تجرِبة مجموعة معينة تمثل شريحة ضحية، مما يعزز الإحساس بالخيبة ويعوق البحث عن حلول، تبرز هذه السرديات التمييز والمعاناة التي تعرضت لها جماعات معينة، و تعزز مشاعر الخيبة تجاه المجتمع الأوسع لأنها تركز على قصص الفشل والأزمات الاقتصادية، مما يمكن أن يؤدي إلى نَظْرَة قاتمة تجاه المستقبل ويعزز مشاعر الإحباط، تُستخدم هذه السرديات في بعض الأحيان لتصوير الأجيال الشابة على أنها خائبة الأمل أو غير قادرة على تحقيق النجاح، مما يعزز الإحساس بالخيبة بين الشباب، تُستخدم السرديات المرتبطة بالصراعات السياسية لتصوير طرف واحد على أنه دائمًا مخطئ، مما يعزز الانقسام ويزيد من مشاعر الخيبة لدى أنصار الطرف الآخر، تسهم هذه السرديات المتحيزة في تعميق مشاعر الخيبة وتعزيز الانقسامات، مما يجعل من الصعب العمل على حلول فعّالة، من المهم التعرف على هذه السرديات والبحث عن سرديات بديلة تعزز الوحدة والفهم المتبادل.

التصدي والتعامل مع الخيبة

تطبيق الأفكار المتعلقة بالتصدّي للسرديات المتحيّزة والتعامل مع الخيبة في سياق الصراعات الحالية يواجه عدة تحديات رئيسية، ومنها  من الصعب إيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف ذات الآراء المتباينة، مما يجعل الحُوَار المفتوح تحديًا، يؤدي الاستقطاب السياسي إلى تعميق الخلافات، مما يجعل من الصعب التعامل مع السرديات المتحيّزة، قد يكون هناك مستوى عالٍ من عدم الثقة بين الأطراف المختلفة، مما يعوق جهود الحُوَار والتعاون، قد تكون هناك تجارِب سابقة من الخيانة أو الفشل تجعل الأطراف متحفظة، في عصر المعلومات، يمكن أن تنتشر المعلومات المضللة بسرعة،  تعوق الفهم الصحيح، قد تتعرض القيادات لضغوط من قواعدها الجماهيرية التي تفضل السرديات المتحيّزة، الأزمات الاقتصادية تجعل الأفراد أكثر تركيزًا على القضايا المباشرة، مما يقلل من اهتمامهم بالحوار حول السرديات، بعض الأفراد والجماعات تسعى لتعزيز مصالحها الخاصة على حساب الحُوَار البنّاء، قد يتم استغلال الصراع من قبل بعض الأطراف لتعزيز سلطتها أو مكانتها. تطبيق الأفكار المتعلقة بالتصدّي للسرديات المتحيّزة في الصراعات يتطلب مواجهة عدة تحديات، منها الانقسامات وعدم الثقة، وكذلك التأثيرات الإعلامية يتطلب ذلك استراتيجيات مدروسة وموارد كافية لتعزيز الحُوَار والتفاهم بين الأطراف المختلفة.

الإعلام المتحيّز

 الإعلام المتحيز يلعب دورا مهما في ترسيخ السرديات المتحيزة، لذا يتطلب مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة منها تطوير مناهج تعليمية تركز على مهارات التفكير النقدي، ما يمكّن الأفراد من تحليل المعلومات بشكل أفضل، تشجيع وسائل الإعلام الذي تقدم وجهات نظر متنوعة وغير متحيّزة،  تمويل و الدعم نشر محتوى إعلامي يقدّم سرديات متنوعة، مما يساعد على تقديم وجهات نظر مختلفة، تشجيع وسائل الإعلام على الالتزام بمبادئ النزاهة والموضوعية في التقارير، تنظيم مناقشات عامة حول تأثير الإعلام على المجتمع وكيفية التعامل مع المعلومات المضللة، نشر معلومات حول كيفية التعرف على الأخبار الزائفة والمعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات موثوقة من مصادر موثوقة، تشجيع الأفراد على التحقق من المعلومات قبل مشاركتها، مما يساعد في تقليل انتشار الأخبار الكاذبة، زيادة الوعي حول تأثير الإعلام المتحيز على المجتمع وكيفية مواجهته. معالجة الإعلام المتحيز تتطلب جهودًا جماعية من الأفراد ووسائل الإعلام .طقوس الخيبة تشير إلى مفهوم الفشل ، وغالبًا ما يكون لها تأثير عميق على الشخصيات والأحداث، السرد التاريخي يمكن أن يظهر كيف تؤثر الخيبات على نفسية الشخصيات، مما يساهم في بناء تعقيدها لذا يمكن أن يستخدم السرد الماضي لاستكشاف آثار الخيبات، وكيف تؤثر على الشخصيات ومصائرهم، ويمكن أن تشمل طقوس الخيبة عناصر رمزية تعكس الفشل، مثل الأحداث المأساوية، مما يضيف بعدًا تجريديًا للسرد، باختصار فعالية السرد في طقوس الخيبة تعتمد على كيفية تجسيد الفشل وتأثيره على الشخصيات، استخدام الرمزية في طقوس الخيبة يلعب دورًا مهمًا في تعزيز التأثير العاطفي والفكري.

***

غالب المسعودي – باحث عراقي

 

في المثقف اليوم