قضايا

سلمان الهلالي: ظاهرة الحكوتيين في الثقافة العراقية

المشهد الاعلامي والثقافي العراقي يخضع لظاهرة تسمى (الصرعات الثقافية) او (الموضات الثقافية) وهى بروز شخصيات اعلامية وثقافية ودينية سرعان ما تنتشر بسرعة البرق عند الشباب والمتعلمين والمثقفين، حتى تصبح حديث الساعة، الا انها ايضا سرعان ما تنزوي بعد فترة، والسبب ابتعادها عن الواقع، لأنها بلا دراسة أكاديمية أو دينية متخصصة، وعدم تاصيلها نفسها ضمن الواقع العلمي الحقيقي. كلنا يتذكر صرعة احمد القبانجي والانسان الكوني، وصرعة عبد الرزاق الجبران، وصرعة خزعل الماجدي، وكلها بالطبع هدفها مواجهة الموروث الديني التقليدي،  واخرها عندنا صرعة الاخ حسين سعدون.

حسين سعدون هو بائع كتب في شارع المتنبي، ويبدو ان هذه المهنة قد ساهمت بصورة كبيرة في اطلاعه الهائل جدا على المؤلفات التاريخية والفكرية والسياسية والاجتماعية، وبما انه يمتلك ذاكرة وصفت بالاسطورية، فان له القدرة العجيبة بعرض آراء تلك الكتب وأسماء مؤلفيها وتاريخ طبعها ومضمونها باختصار، وبالطبع ان اغلب تلك المؤلفات هى غربية واوربية لانها تحوي القيمة المعرفية الاولى في العالم .

ومن خلال اطلاعي خلال الاشهر الاخيرة التي انتشرت فيها ظاهرة حسين سعدون  بصورة مباشرة او غير مباشرة على الفديوات في الفيس بوك او التكتك او الفضائيات وغيرها، والتي ربما بلغت المئات منها، وجدت ظاهرة غريبة عند حسين سعدون لا توجد عند تلك الشخصيات والصرعات التي ذكرناها سابقا، وهى (ان حسين سعدون ليس له اي رأي شخصي بالقضية التي يطرحها)، فهو ليس سوى (رام) للمعلومات والاراء والافكار او (سي دي) للكتب، يستعرض المؤلفات ومضمونها دون نقد او اضافة او تحقيق مدى صحتها او مطابقتها للواقع، او غير ذلك من الامور المعرفية التقليدية، وقد تعمدت ان اتابع تلك المقابلات والفديوات من جديد، ولم اجد اي رأيا شخصيا له، (عدا رأيه الشخصي في مدح الاماراتيين ابان دعوته له لزيارتها، وادعى ان نظرية علي الوردي حول صراع البداوة والحضارة لا تنطبق عليهم) واعتبره البعض تملقا للامارات والخليج، وهو طبعا ليس بالمستغرب، فالمثقفين والادباء والفنانين العراقيين ترنو عيون الكثير منهم للامارات وجوائزها المالية وتغطيتها الاعلامية الرفيعة .

ان عدم وجود راي خاص او رؤية شخصية عند المثثقفين والكتاب العراقيين في الاحداث والكتب هى ظاهرة منتشرة بصورة كبيرة جدا جدا، فالاغلبية تعتمد التبعية للاعلام او النسق الثقافي او الخطاب السياسي والثقافي والخضوع للشارع، ولا يمكنها الخروج عن تلك الانساق، لانها ستفقد حضورها وسمعتها وشعبيتها في تلك الاوساط .

ادعو الاخ حسين سعدون مخلصا ان لا يكتفي بذكر الآراء والمعلومات والافكار واستعراض الكتب ومضمونها دون تحقيق او نقد او رأي او اضافة، لان ذلك يعد اختلالا كبيرا وترويجا لمفهوم التبعية والتلقين السائد في مدارسنا وجامعاتنا الذي رسخه المنظر القومي المعروف ساطع الحصري اولا، وهو ما نريد او ندعو للتخلص منه . ولا اريد ان اذكر جميع تلك الفديوات والامثلة، ولكن يحضرني الان عرضه لكتاب فراس السواح (دين الانسان) عن انواع التدين الثلاث وهى (الفردي والجماعي والمؤسساتي) وامتدح السواح التدين الفردي وانتقد الجماعي والمؤسساتي . وبالطبع انساق حسين سعدون لرأي السواح وذكره كما هو دون نقد او اضافة، وخاصة في مجال ربطه بالشيعة على اعتبار ان عندهم مؤسسات دينية وطقوس حسينية جماعية، الا ان حسين سعدون لم يكلف نفسه التفكير بان هناك تدينا اخر ضرب العراق وقتل مئات الالاف من العراقيين وهو (التدين الارهابي) او التدين العنيف او الاصولي او الجهادي او السلفي، ولا اعتقد ان حسين سعدون لا يعتبرهم متدينين او يجعلهم ضمن خانة العلمانيين، وطبعا متوقع من الاخ حسين سعدون عدم ذكره الارهاب، لانه يخالف منهجه بعدم ذكر اي رأي شخصي له بالكتب التي يعرضها فهو مجرد ناقل ومستعرض لها اولا . وثانيا هو ربما لا يذكر الارهاب حتى لايتهم بالطائفية، ويفقد بالتالي حضوره وسمعته باعتباره معتدلا وتنويريا وعلمانيا بحسب الفهم العراقي لهذه المفاهيم .

***

د. سلمان الهلالي - كاتب عراقي متخصص بالتاريخ.

في المثقف اليوم