قضايا
خالد اليماني: تجاوزاً للتجاوز.. في نقد الفلاسفة

يدّعي الغالبية العظمى من الفلاسفة، بل وحتى العلماء والفنانين، غير أنّ موضع الاهتمام هنا ينصرف إلى الفلاسفة، الذين دفعوا فكري إلى حتفه في سن مُبكرة للغاية. فهم يدّعون أنهم متجاوزون لذواتهم التي فرضها عليهم المجتمع والثقافة والأيديولوجيا، وأنهم بهذا ليسوا منتمين أو منحازين إلى أيّ فكرٍ بإزاء آخر، كونهم متجاوزين لطبيعة الفكر ذاته. وهذا في الحقيقة يبعث على السخرية، لأن هذا التحرر نفسه يُعدّ شكلًا من أشكال الأيديولوجيا.
جميع الفلاسفة، بلا استثناء، تقدّمت إرادتهم الحقيقية حين أصرّوا على أن المعرفة لا تُدرك إلا عبر التجاوز، وكأنّ مفهوم التجاوز نفسه، ليس بناءً أيديولوجياً قد يُسجن الحقيقة الفاقعة في كبد النهار! كثيرٌ منهم لا يبدون أحتراماً حقيقيًا للتراث الإنساني المعرفي كما نأمل، فهم يفترضون ثم يمرّون عليه مرور الناقد المتعالي!
ومن يحُسن التلاعب بالنسق والبيان، يُهدّد المعارف البشريّة قاطبةً بالتقويض عبر أدوات اللغة ذاتها، باسم التقليدية أو الجمود الفكري، فما البديل يا تُرى؟ العدم؟ إرادة العدم؟ لا يُعلم أيّ معرفةٍ يُمكن أن تُستخلص من هذه النظرة الضديّة، المبنية على ردّة فعل أكثر منها فلسفة أو فكرًا مُبادراً مسؤولًا عن التراث الإنساني، كوننا الامتداد الحيّ والسياق المستمر والسيرورة الدائمة لكلّ من سبقنا!
ولا يُرى فيهم العمى ولا غيابٌ للبصيرة، إذ يظلون يشيرون إلى ما يستحق الانتباه من زوايا نظرهم المختلفة. فكلّ إنتاجٍ معرفي، في نهاية المطاف، يُقرّبنا من الحقيقة عبر صراع الأفكار وتفاعلها كما ذهب إلى ذلك هيجل. والمعرفة، في أصلها، ليست إلا ثمرة تلاقٍ وتلقيحٍ وتوفيقٍ بين أطروحاتٍ شتّى، وهو ما يُفضي إلى صراعات أعمق، وأسئلة أكثر جوهرية، تفتح أبوابًا إلى حقائق أبعد، وإن كانت ذاتية المنزع! وفي هذا كلّه، تُقال كلمة واحدة: الحقيقة هي الإنسان، والعلم كلّه كائنٌ في هذه اللحظة!
فلتحيا الفلسفة رغم نقائصها، إذ تكفيها فضيلةُ السعي إلى الأسئلة الأعمق، ومحاولةُ ردّ الإنسان إلى ذاته، إلى عقله، وإلى حقّه الأصيل في طلب الحقيقة.
***
خالد اليماني