قضايا
حاتم حميد محسن: متى تكون اللامساواة أخلاقية؟

في عصر يتسم بالتوتر المتزايد حول العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة ودور الدولة، من الحكمة التفكير بجذور اللامساواة وتحديد ما اذا كانت بطبيعتها غير عادلة. من وجهة نظر اقتصاد السوق، يمكن النظر الى اللامساواة ليست فقط كمحصلة طبيعية للديناميكيات الاقتصادية وانما ايضا كظرف يقود الابتكار والحراك الاجتماعي والنمو الاقتصادي. مع ذلك، ربما نسأل: هل هذه النظرة مقبولة أخلاقيا؟
في الاقتصاد الحر، لايبرز التفاوت الاقتصادي من تصميم مركزي وانما من تفاعلات طوعية بين الافراد. هناك عدة عوامل تساهم في هذه الاختلافات.
1- المهارات والمواهب المتفردة
كل فرد يمتلك قدرات ومعرفة تختلف من حيث الطلب عليها وقيمتها طبقا للسوق. فمثلا، طبيب جراح أعصاب متخصص قد يستلم أجر أكثر من المزارع – ليس بسبب ان الجراح كشخص له قيمة جوهرية اكبر وانما بسبب تعقيدية وتأثير خدماته التي تكون نادرة وذات خصوصية.
2- الأفضليات الشخصية والتضحيات الفردية
اللامساواة ايضا تعكس الاختيارات الفردية. بعض الناس يختارون العمل ساعات طويلة او يتحملون مخاطر مالية كبيرة عبر بدء مشروع عمل، بينما آخرون يفضلون التوازن بين العمل والحياة. هذه القرارات الشخصية لها تأثيرات اقتصادية.
3- الابتكار وخلق القيمة:
المضاربون الذين يطوّرون منتجات رائدة، مثل ستيفن جوبس في تطويره الايفون او ايلون ماسك وتطويره تسلا، يراكمون ثروات هائلة بسبب المنافع التي تخلقها ابتكاراتهم لملايين الناس. هذا المنظور لا يعني ان كل اللامساواة هي منصفة او مرغوبة وانما يعني ان الكثير منها يبرز من عمليات شرعية وأخلاقية ضمن نظام السوق الحر.
هل اللامساواة غير عادلة؟
يمكن معالجة أخلاق اللامساواة الاقتصادية طبقا لعلاقتها بالشرعية. اللامساواة الشرعية تبرز من الجدارة والابتكار والجهد الفردي. فمثلا، عندما يراكم شخص ما ثروة عبر خلق وظائف او تطوير منتجات تحسّن حياة الآخرين، فان هذه الثروة ليست فقط أخلاقية وانما ايضا مفيدة اجتماعيا. اللامساواة غير الشرعية تحدث عندما يستغل الفاعلون السياسيون او الاقتصاديون النظام للحصول على مزايا غير متناسبة. الاحتكارات المدعومة من الدولة او السياسات التي تفضل قطاعات معينة على حساب الاخرين هي أمثلة واضحة على اللامساواة غير العادلة.
جادل روبرت نوزيك بانه اذا كانت اللامساواة تبرز من تبادلات طوعية وتحترم حقوق الملكية، فيجب ان لا تُعتبر غير أخلاقية. لذلك، التركيز يجب ان لا يكون على اللامساواة ذاتها وانما على الظروف التي خلقتها.
إعادة توزيع الثروة: حل ام مشكلة؟
تهدف سياسات إعادة توزيع الثروة الى تقليل اللامساواة لكنها عادة تأتي معها أضرار جانبية:
1- تثبيط اقتصادي
الضرائب العالية على الدخل والثروة لا تشجع على العمل الشاق او الاستثمار والابتكار.
2- التخصيص غير الفعال للموارد
سياسات إعادة التوزيع عادة تنقل الموارد نحو برامج الحكومة التي هي أقل كفاءة من المبادرات الخاصة في معالجة الفقر.
3- التبعية المؤسسية
الإعانات الدائمة يمكن ان ترسخ تبعية هيكلية بدلا من ان تشحذ طاقة الافراد للتغلب على الفقر. ملتن فريدمن جادل بان سياسة فرض إعادة التوزيع تحطم الحوافز للجهود الانتاجية، وبالنهاية تؤذي كل من الفقير والغني في المدى البعيد.
اللامساواة وتقليل الفقر المطلق
العامل الاساسي في تفضيل الاقتصاد الحر هو قدرته على تقليل الفقر المطلق(1)، حتى مع استمرار اللامساواة النسبية او زيادتها. عبر الثلاثين سنة الماضية، خرج اكثر من بليون شخص من الفقر المطلق، خاصة في اقتصاديات تبنّت سياسات السوق المفتوح. وعلى الرغم من ارتفاع اللامساواة النسبية في العديد من هذه الدول، لكن الرفاهية الكلية تحسنت بشكل كبير. في بيئة السوق الحر تتحقق الشروط التالية:
1- المنافسة تقود الابتكار وخلق الوظائف:
تاريخيا، سمح تحرير التجارة للملايين من الناس في الدول النامية بالوصول الى وظائف ذات اجور عالية في قطاعات التصدير.
2- رأس المال الخاص يغذي النمو:
المستثمرون يبحثون عن الفرص في الاسواق الناشئة، يسهّلون نقل التكنلوجيا والبنية التحتية والوصول الى بضائع وخدمات عالية الجودة.
الدور الحيوي للمساواة أمام القانون
في نظام السوق الحر، لا يجب ان يستلم أي شخص تعامل تفضيلي من الدولة، سواء كان من خلال إعانات خاصة او تعليمات حماية او عقود حصرية. العدالة يتم ضمانها عندما يتنافس كل شخص تحت نفس القواعد، والمحصلات الاقتصادية تعكس بدقة جهود الافراد وقناعاتهم المتولدة من السلعة او الخدمة.
اللامساواة الاقتصادية في نظام السوق الحر ليست بالضرورة شرا يجب ازالته. بل هو سمة جوهرية للمجتمع الذي يقيّم الحرية الفردية والابتكار والتنوع في المواهب. مع ذلك، هذا لا يعني تجاهل اللامساواة اللاشرعية التي يجب ان تُعالج بشفافية ومؤسسات قوية تحمي حقوق الملكية والمنافسة العادلة. وكما يرى الاقتصادي فردريك هايك، ان العدالة الاجتماعية في مسعاها لمساواة المخرجات تخاطر بالتضحية بالحرية والازدهار اللذين لا يوفرهما الاّ السوق فقط. بالنهاية، الهدف يجب ان لا يكون فرض مساواة مادية وانما ضمان ان جميع الافراد لديهم فرص متساوية للوصول الى قدراتهم القصوى، وان يتحرروا من الحواجز المصطنعة وإكراه الدولة.
***
حاتم حمييد محسن
.....................
The Ethics of Inequality, Library of Economics and Liberty, May24, 2025
الهوامش
(1) الفقر المطلق هو الحالة التي يفتقر بها الفرد لتلبية حاجاته الاساسية من طعام وماء وسكن وتعليم اساسي ورعاية صحية. يتم تحديد مستوى من الدخل دونه اي مقدار من الدخل يُعتبر فيه الفرد في فقر مطلق. ينتج الفقر المطلق عادة من الديون وزيادة السكان والكوارث الطبيعية والصراعات وعمالة الاطفال.