قضايا
حاتم حميد محسن: الحب في اليونان القديمة.. أنواع الحب الستة

من الرغبة العاطفية والعلاقات الرومانسية الى الترابط العاطفي ضمن العائلة، هناك عدة تعريفات لمفهوم الحب. ماهو الحب؟ في الحقيقة لا يوجد جواب واحد لهذا السؤال ولهذا كان لدى اليونانيين القدماء ستة مفردات مختلفة لوصف الحب. معرفة هذه الأنواع الستة قد تغيّر حياة الفرد.
اذا كنا نبحث عن علاج لثقافتنا الحديثة المرتكزة على الحب الرومانسي، فيمكننا ان نتعلم من الأشكال المختلفة للانجذاب العاطفي التي ركز عليها اليونانيون القدماء. ثقافة المقهى الحالية تنطوي على مفردات معقدة. هل تريد كابتشينو، عصائر مثلجة او غيرها؟ اليونانيون القدماء كانوا ايضا معقدين في الطريقة التي يتحدثون بها عن الحب، مؤكدين على ستة انواع مختلفة من هذه العاطفة الانسانية ذات الأهمية العظيمة. هم سيُصابون بالصدمة لو علموا باستعمالنا لكلمة واحدة نقولها في كل من الهمس "انا احبك" اثناء تناول الطعام تحت ضوء الشموع وايضا في آخر عبارة عند إرسال ايميل "الكثير من الحب".
ما هي أنواع الحب الستة لدى اليونانيين القدماء؟
كيف يمكن لليونانيين القدماء إلهامنا للانتقال الى ما وراء إدماننا الحالي على الحب الرومانسي، الذي ينخرط فيه 94% من الشباب وعادة يفشلون في العثور على رفيق الروح الذي يمكنه إشباع حاجاتهم العاطفية.
1- الايروس Eros او العاطفة الجنسية
وهو النوع الاول من الحب نسبة الى إله الحب والخصوبة اليوناني، وهو يمثل فكرة العاطفة الجنسية والرغبة. لكن اليونانيين لم يؤمنوا به كشيء ايجابي. في الحقيقة، نُظر الى الايروس كشكل خطير وغير عقلاني للحب الذي قد يستولي على المرء ويمتلكه بالكامل، وهو الموقف الذي يسانده العديد من الفلاسفة والمفكرون الروحانيون مثل الكاتب المسيحي C.S.Lewis. والفيلسوف شوبنهاور(1). ايروس يستلزم فقدان السيطرة (شيء شاذ، كيف ترغب بشيء يفقدك السيطرة على نفسك) وهو ما أثار خوف اليونانيين لأن فقدان السيطرة هو بالضبط ما يبحث عنه العديد من الناس في العلاقة. هل نرغب الوقوع بجنون في الحب؟
2- Philia او الصداقة العميقة
النوع الثاني من الحب هو الصداقة التي نظر اليها اليونانيون بتقدير أكثر من الأساس الجنسي للايروس. الصداقة تهتم بالرفقة العميقة التي تطورت بين اخوة السلاح الذين قاتلوا جنبا الى جنب في ساحة المعركة. انها كانت حول تجسيد الولاء لأصدقائك والرغبة في التضحية لأجلهم بالاضافة الى مشاركة عواطفك معهم. (هناك نوع آخر من فيليا، احيانا يسمى storge كما في الحب بين الآباء واطفالهم).
يمكننا ان نسأل أنفسنا كم لدينا مثل هذا النوع من الرفقة في حياتنا. انه سؤال هام في عصر نحاول فيه جمع أكبر عدد من الأصدقاء في الفيسبوك او متابعين في تويتر، وهو الإنجاز الذي يصعب القبول به من جانب اليونانيين.
3- Agape حب كل الناس
وهو النوع الرابع من الحب والأكثر راديكالية، - حب نكران الذات. هذا الحب يمتد الى كل الناس سواء كانوا أفراد عائلة او غرباء بعيدين. هذا النوع من الحب تُرجم لاحقا الى اللاتينية كـ "caritas" وهو الأصل لكلمة إحسان "charity" الحالية.
أشار C.S.Lewis الى هذا النوع بـ "هدية الحب" وهو أعلى أشكال الحب المسيحي. لكنه ايضا يظهر في المعتقدات الدينية مثل فكرة الميتا او "رقة الحب العالمية" في نيرفانا البوذية. هناك دليل متزايد بان "حب الكل" هو في تراجع خطير في عدة دول. مستويات التعاطف في الولايات المتحدة انحدرت بشدة في الاربعين سنة الماضية مع هبوط حاد في العقد الماضي. يُعتقد ان الناس بحاجة ماسة لإحياء قدرتهم على الاهتمام بالغرباء.
4- الحب الطويل الأمد Pragma
وهو نوع آخر من الحب اليوناني. هو الفهم العميق الذي ينشأ بين الزوجين لفترات طويلة. البراجما هو حول عمل تسويات لإبقاء العلاقة حية بمرور الزمن وإظهار الصبر والتسامح. المحلل النفساني اريك فروم قال اننا صرفنا المزيد من الطاقة على "الوقوع في الحب" ونحتاج ان نتعلم الكثير حول كيفية "الحفاظ على الحب طويلا". البراجما هي بالضبط حول بذل الجهد في عمل الحب لمنح الحب بدلا من مجرد استلامه. حوالي ثلث الزيجات في الولايات المتحدة تنتهي بالطلاق او الانفصال في العشر سنوات الاولى من الزواج، اليونانيون مقتنعون باننا يجب ان نستخدم جرعة هامة من البروجما في علاقاتنا.
5- حب الذات او Philautia
أدرك اليونانيون الأذكياء هذا النوع من حب الذات وهو على نوعين: الأول نوع غير صحي مرتبط بالنرجسية التي يصبح بها الفرد مهوسا بذاته ويركز على الشهرة الذاتية. اما النسخة الأكثر ملائمة هي تعزيز أوسع قدرة على الحب. الفكرة كانت انه اذا كنت تحب ذاتك وتشعر بالأمان في نفسك، فسوف تمتلك الكثير من الحب للآخرين (كما ينعكس في المفهوم البوذي لـ "تعاطف الذات"). وفي تأكيد آخر لأرسطو "كل المشاعر الرقيقة تجاه الآخرين هي امتداد لشعور الفرد تجاه نفسه".
6- حب المرح Ludus
هذا النوع من الحب يُشار له بالعاطفة بين الاطفال او الشباب. كل الناس مارسوا هذا الحب من حالات الانجذاب العفوي او التنمّر في المراحل المبكرة من العلاقات. لكن الناس ايضا يعيشون المرح عندما يجلسون في المقاهي يمزحون ويضحكون مع أصدقائهم او عندما يشاركون في الحفلات. المرح والتفاعل مع الغرباء(الرقص) ربما هو أرقى انواع هذا الحب، وغالبا ما يكون بديلا عن الجنس ذاته. العادات الاجتماعية عادة ما تكبح هذا النوع من سخافة البالغين، لكن القليل منه ربما يكون مطلوبا لإضفاء الإثارة على حياة الافراد.
اليونانيون القدماء وجدوا انواعا مختلفة من الحب في العلاقات بين نطاق واسع من الناس – أصدقاء، أفراد عائلة، أزواج، غرباء، وحتى أنفسهم. هذا يتعارض مع تركيزنا الاساسي على علاقة رومانسية واحدة نأمل فيها العثور على كل انواع الحب المختلفة في شخص واحد او رفيق واحد للروح. رسالة اليونانيين هي الاهتمام بمختلف انواع الحب. لا نبحث فقط عن الايروس وانما نرعى الصداقة العميقة عبر صرف المزيد من الوقت مع الأصقاء القدامى او ترسيخ العلاقة بين الزوجين.
كذلك، نحن يجب ان نتخلى عن هوسنا بالكمال. لا نتوقع شريكنا ان يعطي كل انواع الحب في جميع الأوقات، هذا من السهل ان يقود للتخلص من الشريك الذي يفشل في مسايرة الرغبة. يجب ادراك ان العلاقة قد تبدأ بمزيد من الايروس والمرح، ثم تتطور لتتضمن المزيد من الحب الطويل الاجل او حب الجميع.
الفهم اليوناني المتنوع لأنواع الحب الانساني يمكن ان يقدّم لنا العزاء. عبر إنفاقك الوقت في ترتيب وتنظيم المدى الذي تكون فيه جميع انواع الحب الستة حاضرة في حياتك، ستكتشف انك لديك الكثير من الحب قياسا بما كنت تتصور – حتى لو كنت تشعر بغياب الحب الفيزيقي. ربما حان الوقت لإدخال انواع الحب الستة في حياتنا اليومية سواء أثناء التفكير اوالكلام.
***
حاتم حميد محسن
.......................
الهوامش
(1) يرى شوبنهاور ان الحب هو ليس أكثر من قناع جميل للرغبة الجنسية، وان رغبات الانسان تقوده للاعتقاد ان شخصا آخر سيجعله سعيدا، وان الانسان مخدوع من قبل الطبيعة التي تدفعه ليتكاثر. فعندما يشبع الانسان رغباته الجنسية، يعود الى وجوده المعذب، والشيء الوحيد الذي ينجح فيه هو الحفاظ على الجنس البشري واستدامة دورة الشقاء الانساني