قضايا
قاسم حسين صالح: يتباهون بالأمام علي ولا يقتدون باخلاقه!
يعد الأمام علي.. الأنموذج الذي جسّد جوهر الأسلام في صفات الحاكم وفي علاقة الحاكم بالمحكوم في نص وثيقة عهد علي للاشتر النخعي حين ولاّه على مصر. ولكي يكون التحليل علميا لهذه الوثيقة، فأن طريقة (تحليل المحتوى) تعد احدى الطرق العلمية المعتمدة لتحليل (المضمون).. فاستعنت بمن كان طالبي الراحل الدكتورشوقي يوسف بهنام (الذي كانت رسالته للماجستير عن تحليل المحتوى)، وحددنا اهداف تحليل نص (وثيقة العهد) بثلاثة:
- معرفة القيم السيكولوجية الخاصة بشخصية الحاكم،
- الكشف عن القيم الخاصة بعلاقة (سلوك) الحاكم بالرعية،
- ومقارنة القيم في عهد الأمام علي وما عليها في عهد حكّام أحزاب الآسلام السياسي في العراق.
لماذا القيم؟
كان اختيارنا (للقيم Values) مقصودا، لدورها الرئيس في صناعة الانسان وتحديد سلوكه وتوجيهه، ولأنها نظام متكامل من الاحكام والقواعد الاخلاقية والمعايير يخلقه النظام السياسي والمجتمع في نسق مميز ويعمل على اعطائه اساسا عقليا يستقر في اذهان افراده، ويزودهم بمعنى الحياة والهدف الذي يجمعهم من أجل البقاء.
دلالات العهد
يتضمن عهد الإمام (ع) لمالك الأشتر النخعي حين ولاّه مصر مجموعة قيم هدف منها تحقيق ما توصل اليه علماء النفس المعاصرون في ثلاث قضايا اساسية،
الأولى: ان يتمثل الحاكم القيم الايجابية في شخصيته بوصفه القدوة التي تتماهى به الرعية وتقلده.
والثانية: ان القيم هي التي تحدد سلوك الحاكم مع الرعية، وهي التي تحدد موقف الرعية منه،
والثالثة: ان القيم هي الرابط الذي يوحّد افراد المجتمع، وبدونها يتهرأ النسيج الاجتماعي وتشيع الكراهية والعنف والعدوان.
فضلا عن ان الأمام اراد لهذا العهد ان يكون وثيقة تستقى منها المباديء التي ينبغي على الحكّام ان يهتدوا بها في كل زمان ومكان.
تحليل النتائج
اجرينا تحليلا احصائيا (للعهد) بجدولين تضمن الأول القيم الخاصة بشخصية الحاكم وكانت (16) قيمة، بينها (تقوى الله واتباع ما أمر به، اختيار أفضل الرعية للحكم، الأستعانة بأهل الخبرة في طلب المشورة، اكرام العلماء ومجالستهم.. وانتهاء بسعة الصدر وعدم التسرع في اتخاذ القرارات).
وتضمن الثاني القيم الخاصة بسلوك الحاكم مع الرعية وكانت (15) قيمة، بينها: (العدل والانصاف في التعامل، عمارة الأرض، اعتماد مبدأ التدرج الوظيفي، عدم اشعار الرعية بالمنّية، مراقبة دور الحاشية والمتملقين والمنافقين، الأصغاء للعامة من الناس، وانتهاء بالأبتعاد عن الغضب المؤذي والقسوة).
ولدى المقارنة بين مواصفات الحاكم وسلوكه مع الرعية في عهد الامام علي وبين عهد حكّام احزاب الأسلام السياسي، تبين ان واقع الحال هو بالضد من تلك القيم، وسنكتفي بواحدة تخص الضمير تحديدا، بوصفه الرقيب على افعال الانسان، أو القاضي الذي يحكم بالعدل، أو صوت الله في الانسان.. وفص العقيق في الخاتم الذي اذا نزعته منه صار لا يساوي شيئا.
أقبح الضمائر
مع بشاعة الضمائر الميتة، فأن أقبحها هو خيانة الأمانة التي تخص الناس حين تكون بذمّة حاكم مسؤول عن الرعية، وأوحشها حين يكون هذا الحاكم قياديا في حزب اسلامي، وافجعها حين يعلن هذا الحزب انه يقتدي بالأمام علي.
وللتاريخ فان السيد نوري المالكي يعدّ هو المسؤول الأول عن خيانة الذمة بشهادته الصريحة عبر الفضائيات: (لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لانقلب عاليها سافلها) لأنه كان على يقين بأنه ان كشف الفاسدين من الخصوم فأنهم سيفضحون حيتان فساد من حزبه.
ولم يصغي هو ومن بعده للرعية كما أمر الأمام، ولم يستجيبوا لمطالب المتظاهرين بالأصلاح التي استمرت تظاهراتهم من شباط 2011 الى انتفاضة تشرين/اكتوبر 2019، ولم يكترثوا بما نشرته الصحف من كاريكاتورات ساخرة بمرارة عن وزير هرب بأموال الناس المساكين بما يعادل ميزانية موريتانيا، وموظف كبير يستحرم أخذ الرشوة في الدائرة لأنه صائم، ويطلب من الراشي ان يأتيه بالدبس الى بيته بعد الافطار!
الحاكم.. سيكولوجيا:
يقدّم العهد مآثر في فلسفة الحكم وسيكولوجية الحاكم. ففي قوله (لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم..)، فانه يطرح مقياسا كاملا للعدالة فيه بعد سيكولوجي هو ان يضع الحاكم نفسه موضع المحكوم، فيكره له ما يكرهه لنفسه. والتقط حقيقة سيكولوجية بثلاث مفردات في قوله (اجتنب ماتنكر أمثاله).. اي عدم فعل ما لا تحب ان يفعله الآخرون بك. ويذكّر الذين جاءوا الى السلطة من داخل الشعب انهم كانوا قبل ذلك يثيرون النقد ضد سيئات الحاكم السابق، فيدعوهم الى ان لا ينسوا مواقعهم النقدية السابقة فيصغوا الى النقد الآتي من القاعدة الشعبية.. وتلك اثمن نصيحة لم يأخذ بها من جاء بهم الشعب الى السلطة بعد التغيير، مع اننا كنّا اطلقناها في (2004) وموثقة في كتابنا (الشخصية العراقية بين المظهر والجوهر)لأنهم كانوا لا يستعينون بأهل الخبرة في طلب المشورة ولا يجالسون العلماء، بل انهم احاطوا انفسهم بالذين يقولون لهم ما يحبون ان يسمعوه.. ولهذا كانوا هم الأفشل والأفسد في تاريخ العراق الذي اعتبروه غنيمة لهم فتقاسموه.
***
أ.د. قاسم حسين صالح