قضايا
محمد غاني: تأملات في المقدس تتجدد
يسلم كل احد منا بعد تطور العلم طبعا، لا قبل ذلك، ان من المخلوقات التي لا حصر لها جنت عن العين في حين أن اخرى وهي أيضا لا يمكن تعدادها ظهرت العيان.
الأشعة الكهرومغناطيسية، الأشعة السينية ، الموجات فوق الصوتية، الواي فاي، الالكترونات، النواة... وغيرها كثير مما يثبت العلم انها تتحرك في الاكوان وتكون بدورها مكونات اكبر او تتخللها عناصر أصغر لها حركية كالافكار التي تدور بخلد كل منا كتصورات ونيات يمكن اما ان تقبر كما قبرت مجموعة من الابداعات التي لم تخرج الوجود وبقيت دفينة عقول اصحابها لانهم لم يجرؤوا على تحويلها لانتاجات تمدد من شخصياتهم في الزمكان، كما فعل اغلب العلماء الذين تجاوزوا الفراميل الوهمية، ليخرجوا افكارهم للوجود لتكون امتدادات لاعمارهم بعد موتهم.
وكما ذكرت سابقا على مقال سابق بجريدة القدس العربي، "فليست مقبرة هايغيت وحدها ذات الأهمية التاريخية العالمية لاحتوائها على الشخصيات الأكبر ذات الأهمية التاريخية ثقافيا، لكونهم أعلام ميدانهم كالمؤرخ إيريك هوكسباوم أو مؤسس الحركة التعاونية البريطانية جورج هوليك أو المفكر كارل ماركس أو المغني جورج مايكل وعالم التشريح هنري غراي أو عالم البيولوجيا التطورية هربرت سبنسر وغيرهم، بل في الحقيقة إن تأملنا بعمق فدائرة عدد الإنسانية ذات الأفكار الخلاقة هي أكثر اتساعا مما نعرف" انتهى الاستشهاد من المقال.
الافكار كمخلوقات جنت عن العين، يمكن تقسيمها إلى افكار سلبية واخرى ايجابية، او قل افكار نورانية وتلك الظلمانية، أو قل افكار تقرب من الفطرة واخرى تبعد عنها، او قل افكار متفائلة وتلك اليائسة، او قل افكار شيطانية وافكار ملائكية.
جاء في الحديث الشريف عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفا، فأتيته أزوره ليلا فحدثته، ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني -وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما-، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (على رسلكما، إنها صفية بنت حيي)، فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، فقال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا -أو قال شيئا-) ". حديث متفق عليه.
معنى الشيطان لغة المبعد، فكل ما يبعد عن الله فهو شيطان.
لنتخيل ان مخرجا سينمائيا التقيته ولاقيته بمنتج ليمول فيلما سينمائيا يصور هاته الافكار المقصودة في هذا المقال، فلا مراء ان المخرج السينمائي ان اقتنع بالمبلغ المالي الذي يمكن أن يكون قد عرضه المنتج فانه بطبيعة الحال سيكون من السهل عليه ان يعرض الفيلم بعد اتمامه بداخل قاعة مظلمة يخرج من كوة متخصصة نورانية الآلة السينمائية التي تظهر الافكار المبثوثة السيناريو متحركة على شاشة السينما اما عن طريق التمثيل او كرسوم متحركة، المهم ان الانسان كعبد ضعيف استطاع تصوير الافكار وجعلها تتحرك وترسل الرسالة المقصودة.
فإذا قلنا مثلا ان اول فكرة اخرجت آدم عليه السلام هي الشيطان الأول الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإنه والعكس بالعكس كانت فكرة نورانية اولى داخل الجنة الهمته التسبيح ليتوب الله عليه.فإذا سلمنا ان العبد يمكن ان يصور الفكرة فيلما يمكن ان يرى ويرسل الرسائل، فلم يصعب علينا أن نسلم ام الله عز وجل وهو على كل شيء قدير ان يجعل الافكار النورانية ملائكة تتكلم مع سيدنا ابراهيم لتبشره او وسوسة شيطانية مشخصة كما كما تشخص القرين لمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي الصلاة، وإن الله أمكنني منه فذعته (خنقته) فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم، ثم ذكرت قول أخي سليمان: (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرده الله خاسئا".
لا ينكر اي كاتب توالد الافكار في دماغه، وهكذا ان تدبر اي منا هذا الامر فسيستنتج تلقائيا ان تلاقح الافكار اما ان يكون عقيما ان كانت الافكار غير ذات خصوبة او أنها ستتوالد وتتوالد حتى تؤلف سطورا وكتبا تقتات منها عقول شرهة مثل عقول قرائنا الاعزاء فيشعرون بلذة الوجبات الفكرية التي ان كانت معدة بمطبخ فكري متميز وطباخ ذو مهارات خاصة في انتاج السندويشات الفكرية يستبشر بها مستقبلوها استبشارا.
وتحسب أنك جـِرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
داؤك منك ومـــــا تبصر *** دواؤك فيك ومــــا تشعر
تحسب أنك جـــرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر"
ابيات شعرية عميقة تعبر بجدارة عما نرومه في هذا المقال منهم من ينسبها لابن عربي الحاتمي وآخرون للخليفة الرابع سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، لكن الذي يهمنا ان الانسان عوالم من المخلوقات الحسية كالخلايا والالكترونات والكروموسومات والكريات البيضاء وتلك الحمراء، ومخلوقات معنوية كالملائكة والشياطين والوساوس والهلاوس وغيرها مما لا نعلم سواء في الاتجاه الايجابي او السلبي وكلها يمتطيها الحكيم ليصل إلى الحق اما بالاقدام او الإحجام بحسب فهمه للنصوص وكيفية تنزيلها في واقعه اليومي ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد مداد الحق عز وجل على لوح الأزل وعلى آله وصحبه وسلم.
***
د محمد غاني - المغرب