قضايا

عبد الكريم رحموني: علياءُ حالة التكلم مع الذات العربية المبدعة

كانت علياء تتزين كل يوم على مدار السنة، لكنها اليوم استيقظت على غير عادتها، جلست على الكرسي وجها لوجه تتزين وتنظر للمرآة ساعات طويلة، أنه اليوم المشهود عندها؛ اليوم الذي تحتفل به الأمم العربية عبر المعمورة قاطبة بقدوم علياء ذات الكلمات الرائعة، والمعاني الكثيفة، والمفردات القوية، ولولا علياء يتقطع الكلام فتفقد الحياة كل معنى، يُفقد الشعر، كما يُفقد النثر، ويُفقد البيان « وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: فيم الجمال؟ فقال في « اللسان » .. يريد البيان.

وقال صلى الله عليه وسلم: « إن من البيان لسحراً».

وقالت العرب: أنفذُ من الرَّمِيةِ كلمة فصيحة»1.  ويسقط الخطباء من أعلى منابرهم، وتُفقد السير والتراجم، القصص والروايات، فلا تنادي علياء الإنسان المبدع للكتابة، ولا تمده بمفرداتها القوية، تنتظر تجليه كي يظهر بكلماتها وحروفها الرنانة، يتكلم، ينطق، تنبثق من وجدانه، فجُبل المرء أصلا كمخلوق لاغٍ، يخاطب ويكتب ويرسل المعاني ويعبر، بيد أن علياء حالة التكلم مع الذات المبدعة، إنها تلازم لغة الكاتب مع مظهر الكتابة الإبداعية، تعطي الصورة الحقيقية في المتعارف، هي عبارة المتكلم عن غرضه ومقصوده وتلك هي علياء بالجمال والانسياب، التعبير و الاصطلاح.

متى سموك يا علياء عند العرب..!؟

لا ابن هشام ولا ابن كثير ولا العقد الفريد لابن عبد ربه نُسي، ُصرمت حبات العقد جواهر منسية واندثرت في غيابت الجب لا لؤلؤة ولا زَبَرْجَدة، لا ياقوت وجُمان؛ ولا الجاحظ هوت المكتبة عليه من شدة القراءة والتأليف فأبدع مكنونات وجواهر منسية، كتب قلمه مؤلفات فنية أغنت اللغة وآدابها مفردات قوية: الرسائل الإبداعية، البخلاء، الحيوان، البيان والتبيين، وكتاب العثمانية، يقول الجاحظ في كتاب المحاسن والأضداد: «الكتاب هو الجليس الذي لا يطربك والصديق الذي لا يقلقك والرفيق الذي لا يملك والمستمع الذي لا يستزيدك والجار الذي لا يستبطئك والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق ولا يعاملك بالنكر ولا يخدعك بالنفاق....الكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك وشحذ طباعك وبسط لسانك وجود بيانك وفخم ألفاظك»2.

ولا أبو محمد الهمداني بمقاماته، ولا أحمد اليعقوبي بتاريخه الموسوعي، التوحيدي مات غريبا يا علياء، جفاه قارئا حبيبا، ما لبث المسكين أن أحرق ما لديه من مصنفات؛ فكف أبو حيان يا علياء قلمه قائلا: « لقد كل البصر، وانعقد اللسان، وجمد الخاطر، وذهب البيان، وملك الوسواس، وغلب اليأس، من جميع الناس»3.

لماذا تستيقظِ من سُبَاتكِ العميق وأصحاب الحفاوة والاحتفال بيومك العالمي نائمون؟

لن يصبح العرب واعين لمصيرك يا علياء وقادرين على مجابهة هيباتيا السكندرية، ولا جوليا كريستيفا البلغارية إلا بعد أن يتبلور مفهوم علياء في ذهنهم، ويعشقون محاسنها، ويشحذون طباعهم بمعانيها، ويبسطون لسانهم بمفرداتها، ويفخمون ألفاظهم بحروفها، حينها نقول يا علياء ما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:

وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ

***

رحموني عبد الكريم باحث من الجزائر

.....................

1- الفقيه أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي: العقد الفريد، ص: 04 .

2- أبو عمر الجاحظ: المحاسن والأضداد، ص 6.

3- أبو حين التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة، ص 16.

 

في المثقف اليوم