قضايا

رحموني عبد الكريم: درس الفلسفة وكفاءة التأسيس

في درس الحكمة الفلسفية نجد الأستاذ يثري حضورا فلسفيا، يتجاوز النظرة الاستعلائية والتعامل العمودي الذي قد ينتهجه الأستاذ إزاء تلاميذه، معتبرا إياهم مجرد متعلمين يتلقون جملة من المعارف يحفظونها عن ظهر قلب، بل يجب على الأستاذ مساعدة التلاميذ في عدم الخروج عن موضوع المناقشة، ومعاونتهم على استخدام كل المادة المتصلة بالمناقشة، والمحافظة على سير النقاش نحو الأهداف المتفق عليها في برنامج الفلسفة، القائم على كفاءة الحوار بين الأستاذ والتلميذ، يسمح لهما بممارسة الفلسفة فعلا، لأنه «لا نستطيع أن نحدد طبيعة الفلسفة إلا بأن نمارسها فعلا، وحينئذ تصبح الفلسفة تحقيق للفكرة الحية وتأملا لهذه الفكرة فهي الفعل والقول المتعلق بالفعل في آن واحد»1 فهو فعل الحوار وكفاءة المناقشة، وحضور التلميذ الفلسفي، فكيف يتم هذا الحضور؟

هذا الحضور للتلميذ باعتباره شخصا متميزا وكليا، محددا انفعاليا واجتماعيا وثقافيا وبذلك يصبح كل تلميذ بالفصل نموذجا خاصا، يتطلب تعاملا ينسجم وخصوصيته الفارقية وهذا ليس في درس الفلسفة فحسب بل في جميع المواد، تلميذ يبحث عن غير المألوف في خطاب غير مألوف وفي حضرة أستاذ له حق التميز عن العام باعتباره يملك سلطة التنظير للاختلاف ونقد النمطية والخوف من الغموض وتعليق كل الآراء الجاهزة والمألوفة بين قوسين.

خلال عملية التواصل يظل التلميذ ينتظر أن يستجيب أستاذه، لهذا الحوار الفلسفي الجاهز والذي يذكي فيه روح المغامرة الفكرية والاندفاع والمقامرة لطرق الأسئلة التي لا يسمح له بطرحها في واقعه الاجتماعي، أو في المواد الدراسية الأخرى، لكن في درس الفلسفة ينبني التواصل الحقيقي مع التلاميذ، على قوة الطرح وصدق المشاعر، فالإنسان الواعي بذاته ومجتمعه، هو القادر فعلا على الاستجابة لما تثيره الفلسفة من الإحساس بالقيم، ذلك أن الفلسفة تعنى بالقيم المختلفة بتوضيحها وتحليلها، وبيان الأسس التي تقوم عليها، واستعداد الأستاذ للعمل والخدمة غير المشروطة لصالح الحاجيات التي سيعبر عنها تلاميذه وهم يحاولون شق طريقهم في متاهات الفكر الفلسفي. ومن هذا المنطلق يجدر بأستاذ الفلسفة محاولة التعرف على ملامح تلاميذه المعرفية والنفسية، ليعدل سلوكه ومعرفته على أساسها وينتج خطابه وفق "الحالة" التي يتوجه إليها بالسؤال أو النقاش، فيتعامل مع "الخجول" بشكل ويدعم ثقته في ذاته ويشجعه على المشاركة وإبداء الرأي بينما يدفع "المتعالم" إلى مراجعة يقينياته، وللمناخ السائد في الفصل خلال حصة الدرس الفلسفي، كبير الأثر على سيره لدى يحسن أن يتميز بالأريحية والإيجابية، حتى يتعلم التلميذ ويتكون وينتج ويؤسس فكرا ووجدانا وسلوكا.

إنه تواصل علائقي بين الدرس الفلسفي والتلميذ، الذي يسعى جاهدا لمحاولة التجاوب مع الدرس، وفهم معنى التفلسف، واتخاذ مواقف حرة وجريئة، تستمد مشروعيتها من البرهنة وسلامة الحجة، واتساقها مع مبادئ العقل والحس السليم، لا من المعارف السابقة والأحكام البديهية والمسقطة،" لكن التلميذ حبس داخل لولب فلسفي، داخل منطق الكفاءة وبيداغوجيتها، فبدل تكييف الكفاءة الفلسفية مع متطلبات التلميذ وقدراته الفكرية ،والحركية، والوجدانية، أصبح التلميذ خاضعا لمنطق التدريس بالكفاءات، فتاه المتعلم، والمعلم، وتهت معهما بيداغوجيا الكفاءة الفلسفية التي ننشدها ونسعى بغية تحقيقها، فهل نجحنا في الإصلاح وفق المقاربة بالكفاءات؟ وهل هناك آفاق للكفاءات الفلسفية في التدريس الثانوي؟

***

رحموني عبد الكريم باحث من الجزائر.

............................

1- سليم دولة: ما الفلسفة، دار نقوش عربية- تونس-، دون طبعة، ص: 137.

في المثقف اليوم