قضايا
مصطفى غلمان: المجتمع ووسائل الإعلام.. مَنْشَأُ التفاعل الاجتماعي
من البديهي أن نتفكر في العلاقة التي تربط وسائل الإعلام بالمجتمع، وبالتالي تقدير استنتاج كون النظر إلى العلاقة بين الإعلام والمجتمع، يعني حتما أن المجتمع يؤثر في تطور الإعلام، وأن تطور الإعلام بدوره يؤثر على تطور مجتمعاتنا.
هذا سيساعدنا لا محالة، في إثبات أن وسائل الإعلام مرتبطة بالتفاعل الاجتماعي، فقد أصبح من الضروري تعليم الجانب الاجتماعي لكيفية عمل وسائل الإعلام. هذه حقيقة، أثبتتها صيرورة العلاقة المتصلة بين الإعلام والمجتمع. ولا جدال فيها على الإطلاق.
الجديد في دورة التأثير بين العنصرين الجاذبين (الإعلام والمجتمع)، هو النظام الحافز لمواءمة واستشراف التواصل الاجتماعي لمجتمع ليست له قابلية لاستنباط المعرفة، أو استيفاء طبيعة التعاطي معها، وهو منظور، في اعتقادي، ساهم في توسيع فجوة الفهم، ومضاعفة التداعيات الخطيرة للتماس بين التقائية تدبير مرحلة التكيف مع الشكل الجديد لوسائل الإعلام، وافتراقاتها على مستوى القيم والخطاب والامتداد.
وفي هذا الإطار، من الضروري، الحديث هنا عن خصيصات الثقافة والهوية، كما هو الشأن بالنسبة للإعلام الخبري الموجه، الذي يحتكر سلطة الإدارة والتدبير، وتمثلاتها للجهات السياسية الفاعلة، والتأطير في حملات الرصد والقيادة والشخصية، والإعلان والحوكمة، كما العرض المبني على التشريعات التي يستنبطها المتدافعون، لجعلها منطقة متاخمة لحجم خططهم واستراتيجياتهم.
إن ارتباط الإعلام والمجتمعات بالوسائط الإعلامية وتغيراتها الثاوية، عبر تطور الاتصالات الإلكترونية، بصدمات الإنترنت والوسائل الرقمية، يسوغ وضع أدبيات جديدة لتحليل هذه التطورات من منظور أو رؤية سوسيولوجية متماسكة، تستند إلى الموازنة بين طريقة الاستخدام ومعالجة التأثيرات، انطلاقا من طبيعة المجتمعات، وتحولها من مجرد مستهلك ومستقبل، إلى ناقد ومستوعب.
وهنا يصير من الأكيد معرفة التحديات الرئيسية المرتبطة بالمعلومات والاتصالات، أو على الأقل، الحدود بين القيمة واللا قيمة، بين المعلومات والترفيه أو الدعاية، بين صورة الفرد وشخصنة الأحداث ومنظومة الجماعة ووحدة مصيرها ومشتركها، فضلاً عن الحياة الخاصة أو الجزء الأكثر حميمية منها، على نفس المنوال، فضلا عن الحياة العامة، والتي تجعل كل واحد منا مواطنًا على وجه الخصوص، وله التزامات مجتمعية وعقد اجتماعي ونظر مسلكي وغير ذلك..
أعتقد أن الإعلام في مرحلة فارقة، كالت يعيشها عالمنا الراهن، يحتاج إلى التدليل على هذا النهج، على اعتبار تأثير الإعلاميين على المستوى الاجتماعي والثقافي إزاء المجتمع. وهو ما يحتم العمل بصورة تعكس القابلية الإيجابية لهذا المجتمع ومحيطه.
كما لا تخرج مواقف الإعلام إياه، عن الأحداث الجسام، التي تكلكلت أورامها وتفجرت، في حالات الانهيار السيكولوجي والمادي لتلك المجتمعات، خلال حروب القتل والنار والتهجير والإبادة والأمراض الفتاكة. فهي بمثابة الرواء الذي يسقي روح السيرورة ويغديها ويسحبها إلى تخوم القيمة والوجود، بما هي ارتقاء وثبوت على اكتناه مصادر الحقيقة، دون تزييف أو خداع أو تضليل.
وتحت ظلال هذه المآسي غير المسبوقة، في تاريخ توثيق الأحداث وتأريخها، سيكون من الصعب، غربلة ما فاض عن حاجة المتلقين، ممن ينشغلون بتكريس آليات الإغفال والتورية، وتحوير الصور والمشاهد المدسوسة، حيث تصير الحاجة إلى قيمة المعرفة أبعد مما يكون من تكشف إبرة القش، وتتألب المعاذير والشكوك على تكسير كل المنطقيات والحتميات، الشيء الذي يعيد واجهة الوظيفية الإعلامية المنظورة إلى عتمة القفل التي تنزاح إلى استعارة المفتاح من بلاغة "النص المحشور" وليس من "خطاب الكفاية المختصرة"؟.
***
د مصـطـــفى غَـــلْمَــان