قضايا

غريب دوحي: القَسم في التراث العربي

القسم في اللغة هو اليمين لان الناس كانوا اذا اختلفوا او تعاهدوا على شئ ضرب كل واحد منهم يمينه على يمين صاحبه. وقال اخرون ان الناس اصطلحوا مع بعضهم على تشديد القسم على رفع اليد اليمنى ومصافحة صاحبه وبذلك يسمى يمينا.
وكان العرب في العصر الذي سبق الاسلام يقسمون بكثير من الامور ومن ابرزها: القسم بالله، القسم بالهدي، القسم بالاصنام، القسم بالنار، القسم بالرماد، القسم بالاباء والاجداد، القسم بالكعبة (ببيت الله) القسم بالقبر، القسم بالعزيز، وغيرها.
وكان للعرب قصص كثيرة في هذا الموضوع وخاصة فيما يتعلق بأخذ الثار، فقد كان العربي يحرم على نفسه مثلا شرب الخمر طيلة مدة طلبه لاخذ الثار وذلك لان شرب الخمرة تشغله عن تحقيق هدفه في اخذ الثار. ومن هذه القصص قصة الشاعر(امرؤ القيس) عندما قتل والده (حجر) من قبل (بني أسد)، فغزا (امرؤ القيس) ديار بني اسد طالبا بثأر ابيه. ويروى ان امرؤ القيس عندما قتل والده كان جالسا في مجلس شرب الخمر عندما سمع بمقتل ابيه، فقال عبارته المشهورة "ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا اليوم خمر وغدا امر، لا صحو اليوم ولا سكر غدا " ثم شرب سبعا، ولما صحى حلف ان لا يأكل لحما ولا يغسل رأسه، ولا يشرب الخمر، ولا يقرب النساء حتى يدرك ثأره اما اشهر حروب العرب في الجاهلية فهي حرب (البسوس) وهي حرب واسعة بين قبيلتي بكر وتغلب ابناء وائل وذكر انها استمرت (40) عاما وكان فيها ايام عديدة، اشهرها يوم (تحلاق اللمم) وسمي بهذا الاسم لان قبيلة بكر اقسموا ان يحلقوا رؤوسهم استبسالا للموت. فكان النصر فيها الى قبيلة (بكر) على قبيلة (تغلب). ويروى ان الذي اشعل نار هذه الحرب هو ان (كليب) اصاب ناقة البسوس، والبسوس هذه هي خالة (جساس) فذهب جساس الى (كليب) معاتبا لكنه قتل (كليب) فنشبت الحرب بين القبيلتين وقد اسرف (مهلهل) وهو اخ (كليب) في قتل قبيلة (بكر) طلبا لثأر اخيه (كليب). وتنعطف القصة انعطافا اخر في سردها الروائي حيث تقول: ان زوجة (كليب) واسمها (جليلة) انجبت ولدا اسمه (هجرس) فيقوم خاله (جساس) بتربيته ثم يزوجه ابنته ويظل (هجرس) لا يعرف من هو اباه وقد زوده (حساس) بعد زواجه بالسيف والدرع. وبعد سنوات عرف (هجرس) ان (حساس) هو قاتل اباه فأخذ وسط رمحه ثم اقسم قائلا: وفرسي واذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغرييه، لا يترك الرجل قاتل ابيه وهو ينظر اليه، فاستل سيفه وطعن به (حساس) وقتله.
وكان الشاعر الجاهلي يمدح الابطال المقاتلين ويمدح الكرماء ومن عمل على اطفاء نار الحرب واحلال السلام. وخير من تغنى بهذا الشاعر (زهير بن ابي سلمى) في مدحه (للحارث بن عوف) و (هرم بن سنان) لانهم تحملوا ديات القتلى في حرب (داحس والغبراء) واصلاحهما ذات البين بين قبيلتي (عبس) و(ذبيان) في هذه الحرب التي استغرقت فترة طويلة حيث قال الشاعر (زهير بن ابي سلمى) وقد اقسم بالبيت (الكعبة) في معلقته المشهورة:
"فاقسمت بالبيت الذي طاف حوله
رجال بنوه من قريش وجرهم
*
يمنيا لنعم السيدان وجدتما
على كل حال من سحيم ومبرم
*
تداركتما عبسا وذبيان بعدما
تفانوا ووقفوا بينهم عطر منشم
وعطر منشم هذا قيل فيه الكثير، ومن هذه الاقوال:"ان العرب كانوا اذا قصدوا حربا اغمسوا ايديهم في العطر الذي تبيعه هذه المرأة واسمها منشم) ثم اقسموا على ان يستميتوا في الحرب وان لا يولوا الادبار الى ان ينتصروا او يموتوا، وقد تمثل الشاعر به.
ومن جهة اخرى اقسم العرب على نصرة المظلوم فعقدوا الاحلاف التي كان ابرزها حلف " الفضول " وسببه ان رجلا من اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه (العاص بن وائل) وكان من اشراف مكة الا انه لم يدفع له المبلغ مما دفع الرجل الى الاحلاف وهم عبد الدار، مخزوم و سهم فاجتمعوا في دار (عبد الله بن جدعان) وتعاهدوا واقسموا على نصرة المظلومون أي تعاهدوا على ان لا يجدوا بمكة مظلوم من اهلها او من غير اهلها الا نصروه حتى ترد مظلوميته.
وبعد مجئ الاسلام استمر العرب فى القسم كما جاء ذلك في سور وايات القران الكريم حيث اقسم بالطبيعة: (والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها) وكذلك: (والسماء والطارق والنجم الثاقب) وكذلك القسم بالثمار المعروفة مثل: (والتين والزيتون)، (نون والقلم وما يسطرون) وغيرها كثيرة.
ونقرأ للشاعر (ابو صخر الهذلي) الذي توفي في عام (80 هـ) بيتا من قصيدة له فيها خمسة انواع من القسم يقول:
اما والذي ابكى واضحك والذي
امات واحيى والذي امره الامر
***
غريب دوحي

 

في المثقف اليوم