قضايا
كاظم شمهود: ثقافة الكتمان في الحفظ على التراث الحضاري
كانت معظم الامم السابقة تكاد ان تكون مغلقة على نفسها ومقفلة الحدود وكانت حريصة كل الحرص على المحافظة على تقاليدها وموروثها الحضاري والثقافي والفني الذي انحدر اليها عبر الاجيال والذي يحمل اكثر اصالة وهوية وخصوصية الامة. وكانت الصين من البلدان المغلقة طيلة التاريخ حتى وفات زعيمها ماوتسي تونغ عام 1976 الذي اسس الجمهورية الشيوعية الصينية. ولازالت ؟.. ويذكر ان صناعة الورق كانت من اختراع الصين عام 105 بعد الميلاد وقد احتفظوا بسر هذه الصناع اكثر من ستت قرون حتى ايام الخليفة العباسي المنصور حيث كانت الحملات العسكرية الاسلامية وصلت الى جدران الصين. وفي احد المعارك التي خاضها ابو مسلم الخرساني اسر عدد من الصينيين منهم من يعرف صناعة الورق. وعن طريقهم دخلت صناعة الورق الى الدول الاسلامية. واول ما بدأت في سمرقند ثم في بغداد... ثم عرجت الى اوربا عن طريق الاندس في بداية القرن الثامن الميلادي. وعلى اثر ذلك قامت ثورة صناعة الطباعة في اوربا... والحكاية الاخرى ايضا ترجع الى اسرار الصين الغامضة وهي اكتشاف صناعة الحرير فيها حوالي عام 2700 قبل الميلاد ولكنها لم تصل الى اوربا الا في عام 550 ميلادية عن طريق الرهبان البيزنطينيين الذين كانوا يزورون الصين بصفة رحالة وتجار. حيث سرقوا بيض دودة القز ووضعوه في قصب اجوف ثم نقلوه الى اوربا. وهكذا وصلت دودة القز الى اوربا وبدأت صناعة الحرير. وبالتالي ان كل ذلك التأخر في انتشار الورق والحرير يعود الى ان الامم السابقة كانت مغلقة ومتشددة ومحافظة على تراثها الحضاري والثقافي..
ومن الطرائف التي يذكرها الدكتور زكي محمد حسن في كتابه – الرحالة المسلمون في القرون الوسطى – بان الرحالة العربي ابن وهب القرشي -870 م – وصل الى الصين والتقى بالامبراطور بعد انتظار طويل ودار بينهما حدبثا حول العرب والدين والسياسة. ثم امر الامبراطور باحضار صفط واخرج منه مجموعة من الصور لبعض الانبياء وقال له هل تعرف صاحبك من بين هؤلاء؟. فشاهد القرشي صورة الرسول محمد -ص- على جمل واصحابه محدقون به..
وكانت الحروب في القرون الماضية وغزو الدول بعضها لبعض من العوامل التي ادت الى انتشار الاختلاط الثفافي والفكري والتحول الاجتماعي رغم وحشيتها وسفك الدماء وتهديم المدن.. الا ان هناك جانب مهم جدا وهو فك الانغلاق والحصار عن البلدان وتقبل الفكر الاخر وتقاليد المجتمعات الاخرى. وكان المغول والتتر والسلاجقة وغيرهم من الاقوام الوحشية التي هدمت الحضارة العربية والاسلامية. ولكن لازالت تأثيرات الفنون الصينية والمغولية ظاهرة في الفن الاسلامي خاصة مدرسة بغداد ورسوم الواسطي 1237 م.
اما اليوم فان التكنولوجيا الحديثة وثورة المعلومات والاتصالات فقد عبرت الحدود ودخلت الدول والبيوت من اقصاها الى اقصاها دون رخصة (ولا جواز سفر) وبدون حروب. وبقدر ما هي مهمة ومتطورة جدا. الا انها جلبت اشياء سلبية ومدمرة للانسان وهي التجسس على الناس. واحيانا اغتيالهم. وايضا كثر التشويش والتحريف على المعلومات التاريخية والدينية والعلمية وقلب الحقائق. وكثير من المعلومات المتناقضة تظهر عن حضارة وادي الرافدين تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي. مثلا منحوتة سومرية على شكل سفينة فضائية. يقول ناشرها ان السومرين غزوا الفضاء؟؟ فاذا كان كذلك، يجب ان تكون هناك سلسة من التطورات العلمية مرت بها الحضارات الانسانية التي اعقبت السومريين؟؟ فاين هي؟؟.
اما الاستاذ خزعل الماجدي (خريج كلية الصيدلة) فيصول ويجول وحده في ميدان التاريخ وعلم الاثار. ويفسير الالواح المسمارية معتمدا على بعض علماء الاثار الاجانب الذين يؤكدون على ان معلوماتهم قاصرة ومحدودة لان علم الاثار في تطور مطرد واكتشافات جديدة قد تغير المعلومات السابقة. يقول الخزعلي ان المصريين سبقوا السومريين في اكتشاف الكتابة بينما علماء الاثار الاجاب يؤكدون على ان السومرين هم اول من اخترع الكتابة حوالي 3500 قبل الميلاد ؟؟ وان المصرين اكتشفوا الكتابة الهيروغليفية بعدهم ب حوالي 500 سنة. مثل العالم صومائيل كريمر وسيتن لويد وغيرهم تاهيك عن علمائنا مثل طه باقر وفؤاد سفر وابو الصوف وجوني جورج وغيرهم. ثم يعود الخزعلي ويصحح قوله السابق بن عالم الاثار كريمر يقول ان السومرين هم الاسبق ؟؟.. ويذكر الخزعلي ان الاديان طيلة عمرها لم تبني حضارة ولا مدنية. وقد تجاهل، ان الحضارات القديمة كانت دينية وثنية والهه وطقوس وكهنة وعلماء فلك ؟؟.. وهكذا نجد الخزعلي وغيره من الصبيان والمعتزلة الجدد في سرد تناقضات الاقوال والتفسيرات. وكل هذه الامور المشوشة التي تجري على مسرح حياتنا هو من فضل التطور التكنولوجي الاغبر..
***
د. كاظم شمهود