قضايا

عبد الامير العبادي: محنة (المثقف) وسوء محنته

لمن ينحاز المثقف، سؤال يجد البعض صعوبة في الاجابة عليه ويجد الاخر ان الامر بسيط ولايحتاج ثمة تفكير اذا اريد للاجابة ان تكون عائمة.

لكن الحقيقة ان الاجابة على هذا السؤال يتطلب المنعة الكافية  الغير منحازة الناجمة عن ديناميكية العقل بالتفكير الفردي والجمعي وبالتالي ايجاد الجواب المطلوب وعلى الاطلاق ارى ان ما يسمى مثقف السلطة او المنحاز كليا لفكر او معتقد تراه الاكثر تكوينيا على التنقل من حال الى حال. فتجد احيانا القومي يتحول الى ماركسي والماركسي الى قومي والمتشبث بالثقافة المكتسبة دينيا ينطبق عليه الامر.

اذن ونحن امام هذه المعطيات نرى التجرد العقلي والفكري يضع جام صحوته امام الفصل بين اي من المسلمات آنفة الذكر.

وحصرا فيما يتعلق بوحدة الرأي واستخلاص رؤية جامعة مانعة تدلنا على ما نحن عليه نجد الان جل الخطابات الفكرية والادبية في انحياز تام لما يجري حولنا وعلى الساحة الملبدة بالظلام المتأتي من حقب ظلامية استحوذت على ارادة مجتمعاتنا.

محنة المثقف تبدأ بعدم الركون للثقافة الجمعية لبناء المجتمع والتشبث برأي عقائدي ربما يمثله شخص ما بمرور الزمن فرضته ظروف غير موضوعية وبطرق مشكوك في تكوينها ليتبوأ المراكز القيادية لحزبه او المكون او الحزب الذي ينتمي اليه ليظل القائد التأريخي المنزل من السماءوتحت وعود الترهيب والترغيب تجري. استمالة المجتمع اجمعه مع الحكم البديهي انه من الممكن البقاء فترة قد يتوارثها ابناءه.

وما يهمنا ليست الحاكم بل ماهية المثقف في ظل الحاكم. ولعمري هناك ثمة اسئلة تتطلب الاجابة حول وجودجموع من الناس وعلى مختلف مذاهبهم يدلون بالطاعة والتقديس وخلق قائدا يكاد ان يعبد قد نجد الكثير من الاكاديميين والمثقفين شعراء ادباء وكتاب قصة لا بل حتى نقاد تنهار لديهم القيم الانسانية فيغرفون من مجدهم التليد او صمودهم ليقعوا في فك الانتهازية والوصولية المفضوحة.

ومن العجب نجد الكاتب اليساري والمتمدن والناطق باسم العلمانية يصطف مع الركب الرجعي  او يصطف مع احزاب عميلة جل وجودها ضد الوطن لا بل تراه يكتب القصائد ممجدا ذاك (القائد) او الحزب الذي وجد كي يتأمر على الوطن.

اما المثقف الاسلامي  تراه ينصب نفسا قائما على وصايا الناس معتقدا تمثيله. لعين الحقيقية ناكرا لوجود الاخرين ومعتقدا انه يمتلك كل الحقيقة وفق المعتقد والمذهب الذي يؤمن به، لذلك نحن امام اشكالية معرفية هي نتاج ما يمر به العراق والمنطقة.

اما الهرم الذي تتعكز عليه الثقافة والمتمثل بالاتحادات الثقافية والمنتديات فهي تعيش اسوأ حالات المجاملات الفكرية والدليل هو ما يحصل من مناكفات وصراعات بين بعض الادباء سيما ما ينشر في الفيس بوك من كتابات تسقيطية مبتذلة تدل بشكل كبير على وجود محنة ثقافية.

وفراغ فكري واسع ربما تكون مسبباته مرحلة الدكتاتورية او صراعات حالية لتشتت الارادة الفكرية واعتقاد الكاتب ان له مطلق الحرية باختيار الالوان، انها دعوة صادقة لمن يعاني هذه المحنة النأي بالنفس والاصرار على حيادية المثقف تجاه ما يجري وعدم الانغماس بسياسة الاحزاب وذلك للعبور بهذه المرحلة للعودة لعصر الثقافة  ووهجها وبريقها والتعافي المنشود بعد الخلاص من كل ضغوطات السلطات ترهيبا وترغيبا لاجل التناغم مع مصالحها.

***

عبد الامير العبادي

في المثقف اليوم