قضايا
عبد الامير الركابي: بيان نهاية عصر"الانسايوان" (5)
ـ هل تنطق ارض الازدواج لماذا ومتى وكيف؟
تبدا المجتمعية والقانون الناظم لسيرورتها التصيرية، ومالاتها، خارج الادراكية الاعقالية المتوفرة والمتاحة للعقل ضمن شروط وثبته الاولى، لتنتهي وقد صار بلوغها ممكنا من دون اشتراطات واضحه وبينه لدرجة الحسم، مايجعل من الانتقالية الادراكية العقلية "معركة" راهنة كبرى، تحف بها وتعتورها اثقال وزحمه مفاهيم وتصورات الطور الاول اليدوي الارضوي بكل تاريخها واسباب رسوخيتها، وتمكنها من العقل، ومع ان هذه الاخيرة تكون قد فقدت الى حد بعيد وباطراد موجباتها، والاسانيد المعاشىة التي تبرر استمرارها، الاان الاعتياد والمصالح الذاتيه وتضخمها، والتوقف عجزا دون مايتطلبة الحال من وثوب عقلي، وانتفاء القدرة على تلمس معالم البديل، تستمر فاعلة، مايضع العالم من يومها كما هو حاصل اليوم، امام حالة غير مسبوقة في التاريخ، تلعب فيها متبقيات الايهامية الغربية المتاخرة فاقدة الصلاحية بالذات دورا تكراريا بداهيا اساسيا، مع ان مبررات ومصدقات هذا الطور من التفكرية والنموذجية قد دخل منذ فترة غير قصيرة، طور الخروج من دائرة الواقع والفعل فيه، مع تراجع النموذجية الغربية الاولى الاوربية، وصعود وتمكن الكيانيه المفقسة خارج رحم التاريخ، الامبراطورية الامريكية كممثل للغرب في الطور الالي الثاني مابعد المصنعي، الايل للانتهاء هو ايضا لصالح الطور التكنولوجي العقلي.
ولا يدخل في اسباب صعوبة اختراق الرؤية التحولية اللاارضوية فقط، ثقل وضخامة الاسباب المكرسه لماقبل، فالنوع هنا يلعب الدور الرئيسي في جعل موضوعاته واليات تحققه صعبة القبول، ومما لايدخل في باب الاحتمالية او الممكن، كمثل التجرؤ على القول بان موضعا مثل مايعرف اليوم بالعراق ( ارض مابين النهرين)، يمكن ان يكون بؤرة ومنطلق التحولية والانقلاب الكوني المنتظر، على صغر حجم المكان المقصود، وتضاؤل ممكناته المادية ومامتوفر له، خصوصا بعد السحق الذي تلقاه على يد الامبريالية المفقسة خارج رحم التاريخ على الصعد الحياتيه كافة، ووقوعه من ثم خارج ارادته، لصالح الاحتلالات الظاهرة والمبطنه، بما يجعله بالاحرى واليوم، اقرب واقعا وكما هو منظور ومتصور لاي متفحص، الى الانمحاء الذاتي، والى الفناء الفعلي الكياني، وعلى مستوى التنظيم او النموذجية المجتمعية وبالاخص المطموح او المطلوب، الامر الغائب من اللوحة كليا حتى من قبل متبقيات ماكان فاعلا توهميا من نوع تيارات الايديلوجيات المحتضرة.
ليس ثمة من"عراق" اليوم كمفهوم محدد عن كينونة بذاتها"وطنيا" لدى اي كان من سكان العراق، وبالتحديد لدى "الحثالة الريعيه" المتصدرة للمشهد، ومايعد من قبيل الحكم بعدا انتقل الريع منذ ان احتل موقعه الفاصل في تعزيز وجود الحكم منذ 1968 على يد البعث البراني اولا، يوم صار مايعرف بالدولة العليا مرتكزة شرطا" للريع النفطي" بعد ما كانت، و منذ دخول هولاكو الى بغداد عام 1258 الى حينه، حكما برانيا من خارج البلاد مرتكزة العاصمة الامبراطورية المنهارة فاقدة الاليات التشكلية، ليتحول اليوم وبعد السحق التدميري الامريكي الى "حثالية ريعيه" بلا مفهوم ولارؤية، ولااي مرتكز نموذجي للدولة، ولنتخيل لو ان النفط اختفى اليوم من اللوحة، بينما العراق يفقد نهريه ليصبح "عراق مابعد النهرين" بعدما كان عراق مابين النهرين، ليحل هناعصر مابعد الزراعة النهرية التاريخيه التكوينيه،بينما يتراكم مالايحصى من اسبا ب الانهيار والتدمير المتصل وقعا واثرا ابتداء من 1980 / 1988 مع الحرب العراقية الايرانيه، اطول حرب بين دولتين بعد الحرب العالمية الثانيه، وماتبعها الى اليوم من حروب كونية واحتراب داخلي، التفجيرات الجنونية منها اخذت عددا من الخسائر البشرية يساوي حصيلة حرب بين دوليتين، الى داعش ... الخ الى الانهيار الكلي النموذجي المفهومي المتفاقم، والذاهب الى المجهول المرعب .
وسط هذا كله يظل الاكثر وطاة غياب اي تصور عن احتمالية مستقبلية، فاذا اعتبر من باب الاعتياد ان العراق "دولة " و"كيانيه" بحدود معلومة، وربما "ليبرالي ديمقراطي بدولة مدنيه" افتراضا على نسق الغرب ونموذجه الميت، والانكى الابعد،قول بعضهم مايزالون بما يسمى "صراع الطبقات والتحول الاشتراكي!!!!"، فان العجز المطلق والمثير بظل نوع الظروف المعاشة للاشمئزاز المختلط بالالم وعميق الحزن القاتل الذي لايوصف، وسط مشهد من التردي والعيش ضمن آليات الفناء والانحدارية المهينة للوجود وللتاريخ، في موضع البدئية التاريخيه والكيانيه الكونية الامبراطورية اللاااضوية الا براهيمه الاولى، وبؤرة الحياة وسيرورتها في الميادين كافة، وموئل الانقلابيه الالية الاوربية ومحفزها تجاريا عالميا، ومالايضاهى او يقارن من المنجز الكوني الشامل، بينما المتبقيات والحثالات تتسلى الى اليوم بنظريات التوهم الغربي المتهالكة، مجافية ذاتها وماتفرضه عظمتها على اهلها من مسؤولية لصالح البشرية، ولاجل بقائها واستمرارها الانقلابي. ليكون العجز المطلق عدوا للوجود والكينونه.
اليوم يعمل قانون العيش على حافة الفناء في ارض السواد على وجه التحديد محليا كما بدا وكما كان، بل امتد ليشمل المواضع العليا من "عراق الجزيرة" لتعم الوحدة الموضوعية و " فك الازدواج التاريخي"، في وقت يتحول فيه المكان الى بؤرة انقاذ للكائن البشري الحي، فالذاتيه العراقية وكشف النقاب عنها، صار اليوم مهمه انقاذية للوجود الحي فاما الانقلاب التحولي اللاارضوي من "الانسانيوان" الى "الانسان"، او فناء الجنس البشري، مايقتضي اشتراطا الارتقاء الى العقل مكان الجسد والجسدية، بااعتماد الوسيلة التكنولوجية العليا العقلية، محفزة العقل والمساعدة على تجاوز نطاق الوثبة العقلية الاولى، خارج الجسدية والحاجاتيه، حيث يغدو المقصود والمستهدف كمهمه وجدودية وانشغال( 1ـ انهاء فعل الحاجاتيه الجسدية عقليا و2ـ اضعاف لدرجة ايقاف هيمنه الموت الجسدي على العقلي) مايتطلب كاساس نبذ كل اشكال التنظيميه الارضوية الكيانوية باشكالها"الوطنيه" و"القومية" و "الامبراطورية"، لصالح وحدة الكائن البشري، وقيام اشكال تنظيم مابعد ومافوق الدولة الانتكاسية القصورية الاولى، لصالح وحدة الارادة التحولية الانتقالية الكبرى خارج الكوكب الارضي، فلا "ذكاء اصطناعي" اساسة وخلفيته العقل الاولي بوثبته وممكناته الارضوية المحدودة مستعملا لاغراض حاجاتيه مصلحية ذاتوية، بل "عقل آخر" وطور ووثبة اخرى منه كبرى، انقلابية، معها يتبدل كل مامعروف من بداية النظر والتفكر على الصعد الوجودية كافه، ذهابا الى الانتقالية العظمى، ومغادرة الجسدية الحيوانيه، وهو مايجدر وصار فرضا على العراق ومرة اخرى ان يتصدر الدلالة عليه اليوم لصالح "الانسان"، بعدما غدا استمرار "الانسايوان" الارضي مستحيلا موضوعيا وتاريخيا، نحو كائن الكون الاخر اللامرئي، بعدما انقضت ضرورات ولوازم المرور بالكون الحالي المرئي .
***
عبد الامير الركابي