قضايا

حاتم حميد محسن: مخطوطات قديمة تكشف عن قصة جديدة لموت افلاطون

يُعتبر افلاطون (429-347) أحد أشهر الفلاسفة على مر العصور. هو منْ ابتكر نظرية الأشكال وأسس أول أكاديمية في العالم. مع ذلك، لم يُعرف الاّ القليل عن حياته وعن كيفية موته او حتى مكان دفنه. لكن بحثا جديدا ملفتا لبرنامج المدارس الفلسفية اليونانية في ايطاليا قدّم أجوبة جديدة لتلك الأسئلة.

مخطوطات على ورق البردي المتفحم، عُثر عليها في القرن الثامن عشر في فيلا رومانية قرب مدينة هيركلانيوم Herculaneum على الساحل الغربي لايطاليا. هذه الفيلا احتوت على مخزون كبير من المعرفة لاتزال لم تُكشف بعد. يبدو ان صاحب الفيلا  له اهتمام كبير بالفلسفة اليونانية، وخاصة فلسفة ابيقور، حيث جمع عدد هام من المخطوطات النادرة. لكن قراءة 1800 مخطوطة كان امرا صعبا محفوفا بالمخاطر. ومع ان الكاربون الناجم عن انفجار بركان فيزوف عام 79 م لم يدمر المخطوطات، لكنها كانت هشة و رقيقة للغاية لدرجة ان نشرها يكتنفه الكثير من التحدي. من بين هذه المخطوطات كتاب للفيلسوف الإيبيقوري فيلوديموس philodemus في القرن الاول قبل الميلاد حول تاريخ الفلسفة اليونانية بعنوان ترتيب الفلاسفة. في القرنين الآخيرين، نُشرت مختلف الطبعات لترتيب الفلاسفة، مع ان نسبة كبيرة من النصوص بقيت غير مقروءة. لكن بفضل التصوير فوق الطيفي أصبح من الممكن التمييز بين الحبر الاسود والسطح المعتم للورق المتفحم حيث يمكن الآن قراءة ما نسبته 30% أكثر مما كان في السابق.

هذا الجزء الجديد المتوفر من تاريخ مدرسة افلاطون – الاكاديمية – يتضمن معلومات عن موقع قبر افلاطون وموته حوالي 348 ق.م .

وحسب المصادر الاخرى المتوفرة سلفا عن موت افلاطون تفيد بان افلاطون دُفن في مكان ما من موقع الاكاديمية، أشبه بحديقة عامة – خارج اسوار مدينة اثينا والتي اشتراها افلاطون وأقام  فيها مدرسته. يبدو من خلال الطبعة الجديدة ان افلاطون "دُفن في الحديقة قرب موسيون". هذه الحديقة كانت جزءا خاصا من الاكاديمية، بينما الموسيون يشير الى ضريح آلهة الموسيقى والانسجام، الذي أقامه افلاطون ذاته.

قبل ان يندفع الناس للتنقيب عن  قبر افلاطون، لابد من التنبيه، وكما اعترف الكلاسيكي الايطالي كيليان فلايشر Kilian Fleischer بان قرائته للكلمة اليونانية etaphe (وتعني دُفن) ليست مؤكدة. لكن هذا كموقع قرب الموسيون ربما سيكون مناسب تماما لأن الموسيقى تلعب دورا هاما في فلسفة افلاطون. في عمله العظيم الجمهورية، يصر افلاطون على مكانة الموسيقى في تعليم الشباب.

الإستماع الى النوع المناسب من الموسيقى وخاصة الايقاعات الملائمة سيكون له تاثيرا مفيدا على الروح. في آخر عمل له (القوانين)، يستعمل افلاطون تعبير "mousikos aner"، حرفيا تعني "رجل الآلهة"، ليشير الى رجل حائز على تعليم نخبوي من النوع الذي سعت اليه الاكاديمية.

اهتمام افلاطون في الآلهة يلقي ضوءا على قصة فلوديوس حول موت افلاطون. طبقا لفلوديوس، ان افلاطون في أيامه الاخيرة اصيب بحمى شديدة ووقع في حالة هذيان. عندما كانت البنت التراقية تعزف الناي لتسليته، كان الإيقاع خاطئا، لكن يبدو ان افلاطون استرد وعيه واشتكى من ان الفتاة كانت غير قادرة على ضبط الإيقاع. هذا أراح رفيقته التي استنتجت ان حالة افلاطون ليست خطيرة. غير ان افلاطون  توفي بعد ذلك بفترة قصيرة. هذه ليست القصة الوحيدة التي وصلتنا حول موت افلاطون. طبقا لدايوجينز لارتيوس مؤلف كتاب آخر عن تاريخ الفلسفة اليونانية بعنوان حياة فلاسفة بارزون (القرن الثالث الميلادي)، ان افلاطون توفي اما في حفل زفاف او بسبب القمل.

اذاً، ما احتمال ان تكون قصة فلوديوس صحيحة مع عدم توفر مصادر اخرى؟ هناك اسباب تدعو للشك. ان موت الفلاسفة القدماء قُصد به ان يعكس حياتهم وتعليمهم. اذا لم يكن كذلك، فان الاجيال القادمة ستكون سعيدة باختراع مشهد ملائم لفراش الموت. وهكذا، بقيت هذه القصة الجديدة حول افلاطون، حتى في ظروفه المرضية حكماً جديرا بالاعتبار لكل الاشياء الموسيقية، الخادم الحقيقي للآلهة، انها تخبرنا الكثير عن الكيفية التي أرادت بها الأكاديمية ان يُتذكّر مؤسسها بدلا من كيفية موته.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم