قضايا

غريب دوحي: الحسين بن منصور الحلاج.. وجنون الحب الإلهي

جحودي لك تقديس

وظني فيك تهويس

*

وقد حيرني حب

وطرف فيه تقويس

الحلاج

***

انتشر التصوف الاسلامي في القرنين الثالث عشر و الرابع عشر الميلاديين وحركه التصوف طارئة على البلاد العربية آنذاك فقد ان ذكرت كتب التاريخ ابراهيم بن ادهم هو اول متصوف في الاسلام وانه من مدينة (بلخ) التابعة الى افغانستان اليوم وانتقل منها الى العراق والحجاز والشام وقد لاقت افكاره تأييدا في العراق في ظل الدولة العباسية الاستبدادية حيث دشنت الخلافة هذه بلقب (السفاح) من قبل اول خليفة لها ثم تلاه (المنصور) الذي افتتح برنامجه السياسي بقوله ..(ايها الناس انما انا سلطان الله في الارض..) وقد سار خلفاء بني العباس على نهجه حتى سقوط اخر خليفة (المستعصم بالله) تحت حوافر جيش هولاكو، لذلك اتخذ التصوف منحنى المعارضة للسلطة العباسية كما ان الفقهاء اكدوا للخليفة انه غير مسؤول عن اعماله الدنيوية امام الله في الاخرة وان دخوله الجنة امر حتمي لانه ظل الله على الارض.

معرفة الله عند المتصوفين

يرى المتصوفة ان الله لا تدركه حواس الانسان وان العقل له طاقة محدودة لا يستطيع ان يتجاوزها ولكن القلب يتسع لمعرفة الحقيقة، فالله يدرك عن طريق القلب او مايسمى بالحب الالهي وقد عبرت المتصوفة رابعة العدوية عن هذا الاتجاه شعرا بقولها:

 احبك حبين حب الهوى ..وحل لانك اهلا لذلكا

كما يرى المتصوفة ان الانسان عندما يبتعد عن ملذات الحياة: المأكل والمشرب والجنس ويخلص الى الله يصبح جوهرة نقية تتحد روحه مع روح الله وقد عبر الحلاج عن هذا بقوله .. (مزجت روحك في روحي كما..تمتزج الخمرة بالماء الزلال

فاذا مسك شيء مني .. فاذا انت انا في كل حال

وقد ادعى بعض المتصوفة الالوهية، مثل: البسطامي والتستري والحلاج

*الحلاج: سيرة ومسيرة

ذكر المؤرخون ان الحلاج ولد في مدينة (البيضاء) في بلاد فارس عام 244هـ وان جده كان مجوسيا ثم انتقل الى واسط ومنها الى بغداد والبصرة ومكة وقد تتلمذ على يد (التستري) ثم الجنيد وعاش طوال فترة تنقله في حالة عدم استقرار حتى استقر اخيرا في بغداد وقضى فترة من الزمن متنقلا بين سجن وسجن في ظل الخليفة العباسي المقتدر وشاعت اخباره بين الناس فاختلفوا في امره فمنهم من قال انه زنديق ومنهم من قال انه ساحر ومنهم من رماه بالكفر والالحاد حتى حوكم وحكمت عليه المحكمة العباسية بالصلب فصلب عام 309 هـ .

شطحات الحلاج وخوارقه

اهتم المستشرق الفرنسي (لويس ماسنيون) بالحلاج واخباره وكتب عنه مؤلفا اسماه (اخبار الحلاج) ذكر فيه شطحاته وصلبه،  وقد ذكر احدى شطحاته في ص155من كتابه قال .. (دخل بعض الرجال الى الحلاج في السجن لامتحانه فسلمنا عليه وقال احدهم له: اريد منك رمانة فنظر الي بعين الغضب ثم حرك شفتيه واذا بشجرة رمانة قد نبتت في السجن فقطع منها عشرة رمانات ثم قال لها اذهبي فذهبت الشجرة .

اما انصاره ومؤيدوه فقد ذكروا له خوارق كثيرة منها قولهم: انه ساعة يمشي على الماء وساعة يطير في الهواء وانه يحيي الموتى وانه يأتي باثمار الصيف في الشتاء واثمار الشتاء في الصيف .

صلب الحلاج

في صلب الحلاج قال ماسينون  في كتابه (اخبار الحلاج) عندما اتي بالحسين بن المنصور ليصلب راى الخشبة والمسامير فضحك كثيرا حتى دمعت عيناه ثم التفت الى القوم فرأى صديقه (الشبلي) فقال له يا ابا بكر هل معك سجادتك فقال بلى يا شيخ قال افرشها لي ففرشها فصلى الحسين بن منصور عليها ركعتين فقرأ في الاولى فاتحة الكتاب وقوله تعالى (لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) وفي الثانية (كل نفس ذائقة الموت) وفي رواية اخرى ان الحلاج ضرب الف سوط وبعد ذلك قطعوا يده اليمنى ورجله اليمنى ويده اليسرى ورجله اليسرى ثم ربطوه الى اعلى الخشبة الى اليوم الثاني وبعد ذلك قطعوا راسه وحرقوا جسده حيث تحول الى رماد وقد ذروا رماده في نهر دجلة ونصبوا راسه على الجسر حتى يراه اتباعه وانصاره وقد طافوا براسه في الشوارع والمحلات التي يتواجد فيها انصاره واتباعه ويكون لهم عبرة يعتبرون بها ويقطعون املهم بالحلاج .

موقف انصاره

اما انصاره فقد قالوا ان الحلاج لم يصلب وان الذي صلب هو شبيه له ولم يكتفوا بهذا القول بل قالوا نحن رأينا الحلاج بعد ثلاثة اياما من صلبه وهو يركب على ظهر بقرة ويقول للناس ان الذي صلب هورجل يشبهني واني ساعود اليكم ان ظاهرة (الشبيه) ظاهرة قديمة –حديثة: فقد انكر القران صلب المسيح وان الذي صلب شبيه له كذلك قال بعض المؤرخين ان الذي نفي الى جزيرة (سانت هيلانه) ومات فيها ليس نابليون بونابرت وانما شبيه له وان الذي انتحر ليس هتلر وانما شبيه له وان هتلر استقل طائرته الخاصه وهرب الى الارجنتين وانطبق هذا الامر على صدام حسين بعد اعدامه حيث ذكر انصاره ان الذي اعدم ليس صدام حسين بل شبيه له المسيحي ميخائيل رمضان .فهذه الشائعات وجدت لها مناخا ملائما لتنبت وتنمو وتنتشر وتصدق لملائمة الظروف  السياسية والدينية لتصديقها فقد تعددت الاشباه والموت واحد.

***

غريب دوحي

 

في المثقف اليوم