قضايا
عبد الرحيم طالبة: إكسير الوجود
في قلب الكون البعيد، حيث تتناثر النجوم كحبات اللؤلؤ على ثوب الليل، يكمن سر الحب، ذلك الإكسير الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان. الحب هو اللحن الأصيل الذي يترنم به كل كائن، يعزف على أوتار الروح بديع الألحان، ويشعل في القلوب شعلة من الأمل والحنين.
أفلا ترى أن الحب هو تلك اللحظة التي تتلاقى فيها الأرواح في عمق فوضى الوجود؟ هو التصاقٌ خفي بين الأنفاس، حيث يذوب الزمان وتختفي الحدود. في كل نبضة قلب، ينسج الحب خيوطه البراقة، ينسج من الحلم سجادةً نعبر عليها نحو الغد، ومن الفراق حكايةً نبني بها قصور الأمل في سماء الوجود.
ولكن، كيف يمكننا تفسير هذا السر الغامض؟ هو ليس مجرد شعور عابر، بل هو روح متجددة تتغلغل في كل زاوية من زوايا الذات. هو الفوضى التي تضع النظام في كل شيء، هو الإلهام الذي يبعث القوة في الضعيف، والهدوء في العاصفة. هو الغوص في عمق البحر المظلم، ثم العودة إلى السطح مع كنز من الإضاءات الروحية.
وفي كل مرة نتحدى فيها الموت بأحلامنا، نجد الحب مرشدنا. في كل لحظة نرتب فيها أفكارنا، يكون هو النور الذي يقودنا نحو الفهم. هو الثقب الذي نرى منه نور الحقيقة، وأحيانًا هو الضباب الذي يغطي عيوننا ليسمح لنا بالبحث والابتكار.
الحب، إذن، ليس فقط تواصلًا بين قلوب، بل هو فلسفة تعيد تعريف وجودنا، وتمنح للحياة معنىً أعمق. في النهاية، هو قوة تُشعرنا بإنسانيتنا، تُجدد فينا الإيمان بأننا، رغم كل التحديات، قادرون على بناء عالم أكثر نورًا، عالم يحتضن كل الأحلام.
لكنه يحمل في طياته ألم الفراق، هو ذاك الشوق الذي يشتعل في الليل البهيم، ويترك القلب وحيدًا في بحر من الذكريات، يهيم على وجهه بين طيات الماضي والحاضر. في كل دمعة تذرفها عيون العاشقين، يختبئ الحب كما يختبئ القمر خلف السحاب، ينير الطريق للحظات، ثم يختفي ليترك النفس تائهة في ظلمة الوجد.
هو ذاك الانصهار بين الفرح والحزن، بين البدايات والنهايات. هو رقص الأرواح في مشهد سرمدي، حيث لا مكان ولا زمان. ولكن في النهاية، الحب هو القصة التي نحياها ونكتبها، هو القلم الذي يخط على صفحات العمر كلمات تحمل في طياتها كل المعاني، معاني لا تنضب ولا تذبل مع مرور الأيام.
في أعماقه، نجد أنفسنا نعانق المجهول بشغف الأطفال، نتخلى عن يقيننا لنخوض في بحر من التساؤلات، علنا نجد في الحب إجابة لكل ما يثير فينا الحيرة والقلق. هو المرآة التي تعكس ضعفنا وقوتنا، هو المراوغة التي تخفي حقيقتنا، ولكنه أيضًا الحقيقة الوحيدة التي لا يمكننا الفرار منها.
في حضرته، تصبح الحياة أكثر وضوحًا، والعالم أكثر إشراقًا، حتى وإن كانت أيامنا تغمرها غيوم الشك والخيبة. ولكنه أيضًا هو الامتحان الذي نواجه فيه أنفسنا، نختبر في ضوءه مدى قدرتنا على التسامح والتضحية، على العطاء بلا حدود، وعلى الاستمرار رغم كل ما يعترض طريقنا.
ففي النهاية، الحب ليس فقط ما نأخذه، بل هو ما نعطيه. هو الزهرة التي نزرعها في أرض قاحلة، ونرويها بدموعنا حتى تزهر بألوان الأمل. في قلب الحب، نكتشف أن الحياة ليست مجرد رحلة، بل هي تجربة عميقة للفهم والإحساس، للنمو والاكتمال. الحب هو المدرسة التي نتعلم فيها أن نكون بشرًا، بكل ما في الكلمة من معنى.
***
عبد الرحيم طالبة - المملكة المغربية