قضايا
نايف عبوش: اللغة العربية.. وضرورات صيانتها من المسخ والتشويه
لا تزال اللغة العربية احد أبرز عناصر هوية الأمة . وبإهمال الإرتقاء بها، وتدني مستوى حضورها في الاستخدام الفصيح في الحياة اليومية، وفي الكتابة، وفي الاعلام، بل وفي الأروقة العلمية، إنما يعرضها للتنحي، وتراجع أهميتها بين اللغات، إضافة مسخ أصالة الهوية وطمسها.
ولعل انتشار ظاهرة لغة ما بات البعض يصطلح على تسميته (بالعربيزي)، او(الفرانكو عربية)، بين الجيل الجديد من الشباب، وشيوعها بينهم في الاستعمال اليومي، في وسائط التواصل الاجتماعي، (بالسوشيال ميديا)، من خلال الفضاء الرقمي المفتوح في كل الاتجاهات بلا قيود، إنما يهدد فصاحة اللغة العربية بالرطانة، ويشوهها بالعجمة، حيث باتت الدردشة والمراسلات عبر الإنترنت، والهواتف الذكية، تجري من قبل أجيال الشباب باللغة الانكليزية، أو الفرنسية (بالفرانكو عربية)، وهي الدردشة المهجنة ببعض مفردات اللغة الانجليزية، المقحمة بالمفردة العربية، حيث شاع هذا النمط من التواصل في الاستخدام اليومي للأجيال العربية الشابة، على أوسع نطاق .
وهكذا باتت اللغة العربية الام، تواجه تحديات كبيرة لمسخها، بسبب هيمنة الثقافة الرقمية في التواصل، والتي تتمثل بطبيعة تقنيتها الاجنبية المتمركزة، في هيمنة مفردات اللغة الإنجليزية، وسيادة مصطلحاتها وايقوناتها، بدلالاتها التعبيرية باللغة الاجنبية، التي باتت شائعة الاستخدام في الساحة العربية، حتى جرت بعض ألفاظ اللغة الإنكليزية على ألالسنة في المحادثات، والدردشات اليومية، بصورة تلقائية، إذ اعتاد البعض ان يبادرك بالترحاب، بكلمة (هالو)، ويودعك بالسلامة، بكلمة(كود باي) دون أي حرج .
لذلك يتطلب الامر من الجميع، الانتباه بجدية، الى خطورة الحال بانعكاساته السلبية، في مسخ اللغة العربية، وطمس الهوية، والإهتمام التام باللغة العربية، وحث الجيل على اتقانها، وتداولها بالفصحى في كتاباتهم، ودردشاتهم، ورفع مستوى تلقيهم لعلومها، دون إهمال الإلمام باللغات العالمية الأجنبية الأخرى، باعتبارها نافذة الإطلال على ثقافة، وعلوم، وتقنيات الآخرين .
ولا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى أن نهج مسخ اللغة العربية، من خلال اشاعة وهيمنة استخدام مفردات اللغة الأجنبية، والتساهل في استخدام العامية الركيكة، يصب في ذات أهداف استراتيجية العولمة الرقمية، بشيوع استخدام اللغات الأجنبية، والإنكليزية بالذات، في الفضاء الرقمي، وبكل ابعادها الثقافية والحضارية، التي بدأت تعبث باللغة العربية في كل مجالات الاستخدام، مثل حالة الاعتياد على كتابة لوحات اسماء المعارض، والمحلات التجارية، باللغة الإنجليزية، ونشر الإعلانات التجارية بها، ناهيك عن كونها لغة تدريس العلوم في المعاهد، والجامعات، إضافة إلى عولمة استخدامها في البرامجيات، وشبكة الإنترنت، والمواقع العنكبوتية، والقنوات الفضائيات، وغيرها، من وسائل الاتصال الإجتماعي، والفضاء المعلوماتي، مما يزيد الطين بلة، ويضاعف تداعيات المسخ والتشويه .
وإذا كان الأمر في ضوء تلك التحديات، يتطلب الانتباه إلى مخاطر تداعيات استخدام اللهجة العامية، والحذر من التأثيرات السلبية لوسائل العولمة المفتوحة على لغتنا العربية، التي تتجسد في فرنجة مقرفة، ورطانة لاحنة، تؤثر على سلامة اللغة، وتهدد فصاحتها، بالمسخ والتشويه، فلا بد إذن من اعتماد خطة عربية شاملة، تستهدف التوسع في دراسات علوم اللغة العربية، ونشر كليات اللغة العربية، ومعاهد تعليمها، وتشجيع الدارسين فيها، والعمل على وضع استراتيجية عربية مكملة لها في نفس الوقت، لتعريب الدراسة في الجامعات العربية، والتوسع في إنشاء المواقع الحاسوبية الخادمة للغة العربية، وإدخال مفرداتها في الإستخدام في التقنيات الرقمية، رديفا لنظيرتها في اللغة الإنكليزية.
***
نايف عبوش