قضايا

علاء اللامي: الحجاب الديني للنساء بين علمانية العشماوي وسلفية طنطاوي

نستكمل في هذا الجزء استعراضنا التحليلي لمقتبسات من مداخلات المستشار العشماوي ومفتي الديار المصرية الشيخ طنطاوي حول قضية الحجاب الديني للنساء. ونتابع في هذا الجزء فقرات من مداخلة الشيخ:

2- وفي الفقرة الثالثة يستعيد الشيخ ما قاله المستشار حول آية الخِمار ويخصص الفقرة الرابعة للرد عليه فيقول: " إن سيادته – المستشار – استشهد على ما يريد بالجملة الأخيرة مما ذكره من الآية الكريمة وترك تفسير ما قبلها وما بعدها مع أن محل الشاهد هو قوله تعالى قبل هذه الجملة مباشرة "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها". ثم يعود إلى الاستشهاد بالقرطبي الذي استشهد به العشماوي ليخلص بعد ذلك إلى خلاصات تؤكد عمومية الحكم على جميع النساء المسلمات ويقول: "إن قوله تعالى "وليضرب بخمرهن على جيوبهن" هو بيان لإخفاء بعض مواضع الزينة بالنسبة للمرأة بعد النهي عن لإبدائها... والمعنى على النساء المؤمنات ألا يظهرن شيئا من زينتهن سوى الوجه والكفين. وعليهن كذلك ان يسترن رؤوسهن وأعناقهن وصدورهن بخمرهن حتى لا يطلع أحد من الأجانب على شيء من ذلك. والآية الكريمة من أصرح الروايات في الأمر بالتستر والاحتشام بالنسبة للنساء وفي النهي عن إبداء شيء من زينتهن سوى الوجه والكفين. ص 28"؟

* من الواضح أن الشيخ طنطاوي يُقَوِّل الآية ما ليس فيها ويحمل إليها مضمون حديث الآحاد سالف الذكر حول التحجب وكشف الوجه والكفين ويجعله منها. ولا يقدم دليلا على نقل مضمون الآية من التخصيص المنصوص عليه بزوجات النبي إلى التعميم على النساء المؤمنات إلا استنباطا. ومن الواضح أن الشيخ يريد إلغاء سياق الآية وسبب نزولها ويحاول إكمال مضمون الآية وكأنها عجزت عن أن تقوله.

3- وفي الفقرة الخامسة ينقل الشيخ كلام المستشار حول آية الخمار وسبب نزولها فلا ينفي ما قيل ويضيف إلى ذلك ما قاله المستشار حول القاعدة الأصولية حول دوران الحكم مع العلة وجودا وانتفاء. ويخصص الفقرة السادسة للرد على المستشار فيقول: إن تفسير المستشار لآية الخمار وما استنتجه منها بعيد عن الصواب لأن الآية تأمر النبي "ص" بأن يأمر زوجاته وبناته ونساء المؤمنين بالتزام بالاحتشام والتستر في جميع أحوالهن" والشيخ هنا يقفز على الخلاصة التي يأخذ بها المستشار وينتهي إليها في نهاية مقالته والتي تقول: "وقد سعت هذه الجماعات – الإسلامية – إلى فرض ما يسمى بالحجاب بالإكراه والإعنات على نساء وفتيات المجتمع كشارة يُظهرون بها انتشار نفوذهم وامتداد نشاطهم وازدياد أتباعهم، دون الاهتمام بأن يعبر المظهر عن الجوهر، وأن تكون هذه الشارة  معنى حقيقيا للعفة والاحتشام وعدم التبرج. ص 21" بما يعني أن المستشار يفرق بين الاحتشام الذي يدعو هو إليه وبين الحجاب كعلامة سياسية جاءت بها الأحزاب والتنظيمات المعاصرة.

* ويضيف الشيخ في الفقرة ذاتها أن بعض المحققين من المفسرين يرون أن المراد بنساء المؤمنين هنا يشمل الحرائر والإماء وإن الأمر بالتستر يشمل الجميع ويقتبس عن الإمام أبي حيان الغرناطي قوله "والظاهر أن قوله "ونساء المؤمنين" يشمل الحرائر والإماء (الجواري) والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفاتهن". ويعلق الشيخ أن قول أبي حيان هو ما تطمئن إليه النفس ويرتاح إليه العقل.

4- وفي الفقرة السابعة ينقل الشيخ كلام المستشار حول الحديث النبوي بروايتيه ويخصص للرد عليه الفقرة الثامنة فيقول: "بل التقدير الصحيح أن أحاديث الآحاد حجة يجب اتباعها والعمل بموجبها". ثم يأتي بعدة استشهادات واقتباسات عن شيوخ آخرين لتأكيد هذا المغزى علما بأن الشيوخ والعلماء القدماء الذين قالوا بعكس ذلك كثيرون أيضا ويمكن للقارئ أن يراجع ذلك في كتب التراث ليجد الآتي وهذه المقتبسات من اختياري. ع.ل:

* أن أحاديث الآحاد خمسة أنواع وهي "المشهور، العزيز، الغريب، المطلق والنسبي" ولها أسماء أخرى ذكرها العشماوي وهي (الصحيح، ومنه الحَسِن، ومنه الضعيف، ومنه المنكر، ومنه الشاذ، ومنه الموضوع أي المكذوب على النبي) وقد فرق العلماء القدماء بين هذه الأنواع واختلفوا أيما اختلاف في موضوع الأخذ بها واعتبارها حجة. ومثال ذلك: "قال ابن حزم الأندلسي: «إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى الرسول محمد يوجب العلم والعمل معا، وبهذا نقول، وقد ذكر هذا القول أحمد بن إسحاق عن مالك بن أنس، وقال الحنفيون والشافعيون وجمهور المالكيين وجميع المعتزلة والخوارج إن خبر الواحد لا يوجب العلم...».

* وعن حديث الآحاد أيضا قال ابن عبد البر: «واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد هل يوجب العلم والعمل جميعا، أم يوجب العمل دون العلم؟ والذي عليه أكثر أهل العلم منهم: أنه يوجب العمل دون العلم، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر، ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله، وقطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه، وقال قوم كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر: إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا، منهم الحسين الكرابيسي وغيره، وذكر ابن خواز بنداذ أن هذا القول يخرج على مذهب مالك».

* قال السرخسي: «قال فقهاء الأمصار: خبر الواحد العدل حجة للعمل به في أمر الدين ولا يثبت به علم اليقين. وقال بعض من لا يعتد بقوله: خبر الواحد لا يكون حجة في الدين أصلا. وقال بعض أهل الحديث: يثبت بخبر الواحد علم اليقين...»

فكيف جوَّز الشيخ طنطاوي لنفسه الأخذ بقول فريق منهم دون فريق آخر وجعله حكما مطلقا في العلم والعمل، والجزم في ذلك بالقول "إن أحاديث الآحاد يجب اتباعها والعمل بها، ولا مجال هنا لتفصيل القول في ذلك"؟

5- وفي الفقرة التاسعة ينقل كلام العشماوي حول عدم الإكراه في الدين وفي الأحكام الذي نص عليه القرآن. ويخصص الفقرة العاشرة للرد عليه فيقول (نعم، الإكراه والقسر لم يقل به عاقل، ولكن الذي قال به العقلاء هو بيان الحكم الشرعي للأمور بيانا واضحا، خاليا من التأويل السقيم ومن التفسير المنحرف. وإن الحجاب بمعنى أن تستر المرأة جميع ما أمر الله تعالى بسترة من بدنها، سوى الوجه والكفين وهو فرض ديني على سبيل القطع والجزم واليقين والدوام/ ص30". بمعنى أن الشيخ طنطاوي يوافق لفظا على منطق عدم الإكراه ولكنه يرفضه عمليا ويجعل من حديث آحاد وليس من الآيات الثلاث أو واحدة منها هي حجته لجعل الحجاب فريضة "على سبيل القطع والجزم واليقين والدوام".

ويختم الشيخ مداخلته بالقول "إن كل مسلمة بالغة لا تلتزم بستر ما امر الله تعالى بستره هي آثمة عاصية لله تعالى وأمرها بعد ذلك مفوض إليه/ ص31".

والفرق بين هذا الخطاب لشيخ الأزهر وخطاب السلفيين التكفيريين في منظمات القاعدة وداعش ومؤسسة المطاوعة في السعودية هو أن الشيخ يفوض أمر المرأة المسلمة العاصية الآثمة لأنها لم ترتدِ اللباس الذي يسمونه حجاب إلى الله أما الآخرون فيأخذون على عاتقهم القيام بأفعال الله ويعاقبون هذه المرأة عقابا جسديا كأن تجلد أو تعزر.

* في رده على ردود الشيخ طنطاوي تحت عنوان "لا، الحجاب ليس فريضة إسلامية" يذكر المستشار العشماوي الخلاصات التالية:

* يكرر المستشار ما كان قد ذكره في مقالته الأولى ومنه ان م يسمونها "آية الحجاب" لا تتعلق بالحجاب المعاصر "الملبس" من قريب أو بعيد وهو ليس من الدين في شيء. وهو اعتساف في تلمس الحكم الشرعي وبآية لا تفيد ذلك أبدا. فصريح لفظ الحجاب في الآية لا يتعلق به بل بالستار يوضع بين زوجات النبي والمؤمنين الضيوف.

* ثم يناقش استدلال الشيخ بالقرطبي وهو كما يعرفه من غلاة المتعصبين فيقتبس منه قول القرطبي "في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذنَ في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتين فيها ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة (كذا) من أن المرأة كلها عورة، بدنها وصوتها...تفسير القرطبي ص 5309". ويعلق المستشار بقوله إن رأي القرطبي هو رأي أهل عصره من أن المرأة كلها عورة وهو قول غلاة المتطرفين في العصر الحالي. فهل يرى فضيلة المفتي الرأي ذاته؟ ص 37".

* وبخصوص كلام الشيخ حول آية الخمار يعلق المستشار: "يقول فضيلة المفتي أن هذا الشق من آية الخمار ليس هو الدليل على الحجاب وبذلك فهو قد اتفق معنا، وأن محل الشاهد على الحجاب هو قوله تعالى "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" ثم أورد فضيلة المفتي بعض الصحابة والفقهاء كما جاء في تفسير القرطبي  من أن المقصود بالزينة الوجه والكفان... وقد اختلف الفقهاء في بيان ما ظهر من الزينة وهو اختلاف فقهاء أي آراء بشر قالوا بها في ظروف عصورهم وأحوال أمصارهم وليست حكما دينيا واضحا ومحددا وقاطعا، فعض الفقهاء قالوا بأن الزينة هو كحل العينين وخضاب اليدين بالحناء والخواتم. ص 38.

* ويقول المستشار "إن فضيلة المفتي لم يرد على لب ما ذكرناه من ان هذه الآية (آية الجلاليب) لا تفيد معنى وضع غطاء على الرأس يسمى خطأ بالحجاب، وما للجلاليب وما لغطاء الرأس؟ وما الصلة بين إدناء الجلاليب ووضع غطاء على الرأس؟ ص 39.

* ثم يتوقف العشماوي عند حديث الآحاد الذي يحتج به طنطاوي ويعرفها ويقتبس آراء الصحابة والمفسرين القدماء بموضوع الأخذ بها من عدمه ويخلص إلى القول " لا يجب الأخذ بسنة (أحاديث) الآحاد في الأمور الاعتقادية التي تنبني على القطع واليقين ولا تنبني على الظن الذي لا يغني عن الظن شيئا. أما في الأحكام العملية فيجري اتباع ما جاء به مع انه ظني الدلالة لأن الصحابة والتابعين ومن يلونهم عملوا به ثم يدرج مجموعة عناوين لكتب وموسوعات للتوثيق.

ثم ينتقل إلى موضوع موقوتية بعض الأحكام المتعلقة بأوقات معينة وأماكن معينة أي تعليق بعض الأحكام التي تتصل بالأمور العملية. ويضرب مثالا على ذلك في "أن القرآن وإن توسع في أبواب تحرير الرق "العبيد" ولكنه لم يلغ الرق ولا التسري (الاستمتاع الجنسي) بالجواري إطلاقاً، وقد ورد التسري في القرآن في 25 موضعا، وقد ألغى القانون المصري الرق بالدكريتو سنة 1887 على اعتبار أنه لم يعد مسايرا لروح العصر. ثم ألغته الدول العربية في الستينات من القرن الماضي. ص 42".

ويختم المستشار العشماوي كلامه بالقول: "إن ما يسمى بالحجاب حاليا وهو وضع غطاء على الرأس غالبا مع وضع المساحيق والأصباغ ليس فرضا دينياً لكنه عادة اجتماعية لا يدعو الأخذ بها او الكف عنها إلى الإيمان او التكفير مادام الأصل قائم وهو الاحتشام والعفة. ص 43."

أختمُ بالتذكير بموقفي الشخصي من مداخلات المستشار العشماوي والمفتي طنطاوي ومن موضوع الحجاب؛ فمثلما اعتبرتُ العشماوي ذراع النظام الحاكم القضائي وأبرز العلمانيين الحكوميين فإن الشيخ طنطاوي يمثل من وجهة نظري الذراع الفقهي الديني للحكم وأبرز سلفيي الحكم القائم ومهندس سياسات النظام في مجال الشؤون الدينية.

وإذا كان عشماوي يرفض الحجاب مصطلحا ومضمونا ويعتبره شعارا سياسيا لما يسميه "الإسلام السياسي"، ويدعو إلى عدم الأخذ به، وإذا كان موقف الشيخ الطنطاوي على نقيضه تماما يرى في الحجاب فرضا دينيا واجبا، فإن موقفي الشخصي ينأى عن كلا هذين الموقفين - العلماني الحكومي والسلفي الحكومي -  ويعتبر أن موضوع حجاب المرأة أو سفورها يدخل في صميم خصوصيات المرأة وإنه مسألة شخصية تهم المرأة نفسها ولا علاقة لها بالرجل من قريب أو بعيد. وسواء فرض الرجل على المرأة الحجاب الديني أو السفور أو التعري على المرأة فهو يمارس ضدها قسرا ذكوريا وقمعا صريحا يسلب منها حريتها الشخصية ويهين عقلها ويتدخل بفظاظة في إيمانها ومواقفها الروحية وأيضا في خصوصياتها كأنثى، وعليه فإن قرار التحجب أو السفور هو قرار خاص بكل امرأة من دون أي تدخل أو قمع مباشر أو غير مباشر من قبل الرجل وينبغي حماية حق المرأة هذا وحريتها الشخصية قانونيا ودستوريا.

لقد كان هدفي من الخلاصات السالفة من كتابات العشماوي والطنطاوي هو إطلاع الشباب المهتمين بهذا الموضوع على وجهات نظر الطرفين وعلى الحجج والأدلة الموثقة التي يسردها الطرفان ليكونوا على إطلاع تام عليها ومباشر عليها في أصولها وليسهُل عليهم اتخاذ الموقف الحر والعقلاني المناسب.

***

علاء اللامي

....................

* رابط لتحميل كتاب "حقيقة الحجاب وحجية الحديث":

https://kotoobna.com/download/14965/%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%AD%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-pdf

 

في المثقف اليوم