قضايا
آمال طرزان: في استضافة جدتي الملكة حتشبسوت
(معًا نحو تيار نسوى شرقي إيزيس الشرق برفقة اوزوريس)
مع استيقاظي في فجر يوم جديد همست في أُذْني كلمات زوجة "سقراط" لا يوجد فائدة واراها أمامي عيني وهي مرتدية ثوبها الأسود حينما سخر منها "سقراط" أمام الملأ بمقولته القاتلة لقلبها "تزوج يا بني فإن وفقت في زواجك عشت سعيدًا وإِن لم توفق أصبحت فيلسوفا.(1) وأخذت التساؤلات تتطاير أيعقل من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض ودعا في فلسفته إلى الإصلاح والتغيير لم يستطع إيجاد سبل للعيش بود وتفاهم مع رفقة دربه؟..... وفجأة دق جرس الباب أعلم أنها صديقتي الصدوق.
- نور الهدي: صباح الخير يا آمال جئت في الصباح الباكر لنتناول معًا وجبة الأفطار أتعلمين أنَّ الفضول سيقتلني إلى أين رحلتنا اليوم؟
- أصبحت صديقتي من عشاق السفر عبر الأزمنة فنحن اليوم في استضافة سيدة كل الأراضي، الابنة الملكية والأخت الملكية، سيدة الأرضين جدتي الملكة "حتشبسوت". (2)
- نور الهدي: ياله من اختيار صائب ما أعرفه عن جدتي أنها امرأة ذكية فعقب وفاة تحتمس الثاني زوجها وأخيها، استغلت الفرصة وأعلنت نفسها الوصية على تحتمس الثالث وعلى ابنتها لأنهما كانا صغيرى السن وأعلنت نفسها ملكة على مصر السفلي ومصر العليا. (3) ونظرًا لشخصيتها المميزة استطاعت تحكم مصر رغم كونها امرأة.(4)
- ما بين غمضة عين وجدنا أنفسنا بمصر القديمة–نعم كل منا يستطيع أن يطلق العنان لخياله ليتجول عبر الأزمنة ما بين الماضي والمستقبل- استقبلنا المهندس "سنموت" في جولة بمصر القديمة مشيرًا لأهم إنجازات جدتي الملكة "حتشبسوت"
المهندس: قد تمكنت سيدة الأرضين بالقيام بالعديد من الأعمال مثل المعبد الملكي الخاص بها في منطقة الدير البحري بالقرب من مدينة طيبة، (5) بجانب عديد من الآثار في مناطق من شبه جزيرة سيناء، ومعبد في وادي حلفا من بلاد النوبة جنوب مصر. (6)
نور الهدي: وهذا دليل على أن مصر زمن حكم جدتي "حتشبسوت" تمتعت برخاء اقتصادي والدليل على ذلك هذه الأعمال العمرانية المميزة، فقد تمكنت أن تحكم بلاد مصر السفلى والعليا وأن تحقق عديدًا من الإنجازات بسبب قوة شخصيتها الفذة في الحكم، يرجع ذلك إلى تقدير المجتمع المصري القديم واحترامه لهذه الملكة وتعاونه معها. (7)
- صدقتي "نور" فالمجتمع يلعب الدور الرئيس في مساندة المرأة في تحقيق نجاحها. ومع تبادل الحديث المشرق بين صديقتي والمهندس عن إنجازات جدتي وصلنا إلى القصر الملكي ورايتها من بعيد وهى تجلس في حديقة القصر كانت جدتي متشبة بالرجال حيث تلبس التاج المزدوج واللحية الصناعية رمز الملك (8) جالسة برفقة امرأة يبدو عليها علامات الحزن واخذ التساؤل يراودني لماذا ترتدي ملابس الرجال وتتشبه بهم. أهل ذلك يعني أن القيادة خاصة بالرجال أم أن حقيقة المجتمعات لا تتقبل بحكم تعتليه النساء دخلنا على جلاله الملكة وسلمت علينا ونادتنا بأسمائنا أحفادي كنت في انتظاركم منذ زمن ولكن قد حان اللقاء اليوم ويبدو أنه لمصادفة تواجدكم مع والدة أفلاطون.
- الحمد لله أن وفقنا الرحمن للقاء وقلبي يقول: لا أومن بالمصادفة فكل ما يأتي في حياتنا إنما يأتي بترتيب إلهي ولحكمة. وياله من يوم جميل حينما نجتمع بسيدة الأرضين بوصفها رمزًا لنساء الشرق ووالدة "أفلاطون" بوصفها رمزًا لنساء الغرب في الحضارات القديمة.
- الملكة حتشبسوت: جاءت السيدة "أرستون" والدة "أفلاطون" تحكى عن مأساتها التي عاشتها عقب وفاة زوجها إلينا. قد كانت نظراتها ممزوجة بالحزن والألم واليأس.
- والدة أفلاطون: كنت أتحدث مع جلالة الملكة قبل مجيئكما عن ما حدث معي عندما مات زوجي "أرستون" والد "أفلاطون" وقت ولادته، حيث كان من المعروف منع القانون الأثيني الاستقلال القانوني للمرأة، لذلك تم تزويجي من العم، حيث كان الزواج بين العم وابنة الأخ، وكذلك بين الأقارب من الدرجة الأولى، شائعًا ومعترفًا به في أثينا، من أجل الحفاظ على ميراث الأسرة من الغرباء. (9) إن من أشد أنواع القهر عدم المساوة في نظام الميراث الذي تمثل في حضارتنا، فالأصل في الميراث للأبناء الذكور أما البنت لا ترث إلا بموافقة الأب، فإذا لم يكن يوجد أبناء فمن حق الأب أن يورث الابنة ويقوم بتزويجها لأي شخص يشاء أو يوصي بذلك، أي يزوجها حتى بعد الوفاة، فإذا مات دون أن يترك وصية جاز للوصي أن يزوجها لمن يشاء أو يتزوجها هو نفسه. (10) وللأسف إن وضع المرأة بشكل عام سىء للغاية فهي وأبناؤها ملكُ لأبيها أو لأخيها الأكبر، ثم ملكا لزوجها، إنها اُشْتُرِيت في الزواج كما كان يشترى العبد في الأسواق سواء بسواء، وأصبح للوالد الحق في أن يعامل زوجاته وبناته كما يشاء (11)، ففي أسرتنا اليونانية، أصبحت الزوجة وأبناؤها بمنزلة العبد لرأس الأسرة وهو الرجل.(12)
- مع أن السيدة "أرستون" كانت متصنعة الفرح على وجهها لمقابلتها جلالة الملكة إلا أنني أشعر بإنطفائها ورؤية عتمة صدرها من نبرة صوتها فأسوأ ما تشعر به الأنثى أن تفقد الشعور بالأمان مع رفيق درب يعاملها كالعبد المملوك له .
- الملكة حتشبسوت: أما نحن في حضارتنا المصرية القديمة سيدة "أرستون" توجد العديد من الطرق لحصول المرأة المصرية على الثروة. ومن أهمها الوراثة عن طريق الوالدين. فممتلكاتها الخاصة تحصل عليها أما بالشراء أو عن طريق الهدايا من الوالدين أو الزوج.... ويحق للمرأة حرية التصرف في ميراثها، وكذلك تستطيع حرمان أي من أولادها منه إن شاءت.(13) وللمرأة الاستقلال القانوني الكامل وبخاصة حق إدارة أعمالها. فمن حقها أن تتصرف بحرية واستقلال تام في الضياع والخدم والعبيد والمال والأشياء الثمينة ، وكذلك إبرام العقود بكل أنواعها، وأن تمنح العبيد حريتهم، أو حتى أن تتبنى أي شخص. (14)
نور الهدى: على حد علمي "جدتي" كانت نساء المجتمع المصري قديما تتمتع بحقوق مساوية للرجال وحاول المجتمع بجميع الطرق أن يعبر عن توقيره للنساء واحترامهم لهن, بأن جعلوا منهم آلهة السماء.(15)
- ولكن جدتي الوضع اليوم اختلف عن الماضي فللأسف على الرغم تأكيد حضارتنا القديمة والشريعة الإسلامية على توريث النساء إلا أن سنوات الاحتلال التي أصابت مجتمعاتنا سعت إلى واد النساء وإجهاض أحلامهن وسلب حقوقهن والتي بدورها أصبحت عادات وتقاليد خاطئة متوارثه عبر الأجيال: منها الحق في الميراث، فالعائلات -خاصة بصعيد مصر- تحرص على أن تتفاخر بما تملك من ممتلكات وأراضٍ، وترتب على ذلك حرمان النساء من الميراث حفاظاً على ممتلكات العائلة من أن تتشتت بتوزيعها على العائلات الغريبة هذا بصدد قضية الميراث. إلى جانب عديد من المشكلات التي تواجه النساء في الزواج أو حق الانفصال...إلخ وكذلك عديد من المشكلات التي تواجهها في الحياة المهنية فالمعضلات في المجال الخاص والمجال العام كثيرة وتحتاج إلى لقاءات ولكن الأهم سعي المجتمع الغربي لتحسين وضع المرأة في القرن التاسع عشر بظهور الحركة النسوية التي تطالب بالاعتراف أن للمرأة حقوقًا وفُرَصًا مساوية للرجل، وذلك في مختلف مستويات الحياة العلمية والعملية. (16) أي تعني مبدأ المساواة بين الجنسين في مختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية.(17) ولكن ما يقلقني "جدتى" أنه مع تنوع مراحلها وتياراتها حاد بعض منها عن الهدف المنشود وأصبح طرحها مزيجًا ما بين الاعتدال والتطرف يقتحم مجتمعاتنا الشرقية ويؤثر على ابنائنا وأخشي عليهم من الفهم الخاطئ لكلمة النسوية الذي اكتسب دلالات سلبية بسبب تيارات الراديكالية الصاق بها بعض من الأطروحات المنافية للفطرة البشرية فنحن في حاجة إلى أهمية التواصل الحضاري مع الآخر ولكن مع الحرص على الحفاظ على البنية الثقافية والفكرية والعادات والتقاليد الاجتماعية لمجتمعاتنا الشرقية.
- الملكة حتشبسوت: ومن أجل ذلك آن الأون لإعلان مولد تيار شرقي يحمل قضايا ومشكلات المرأة العربية - تتمثل ركيزته على الدعوة إلى التكامل بين "ايزيس" و"اوزوريس" على مستوى الحياة الخاصة والحياة العامة والحرص على دعم الأسرة الشرقية بوصفها النواة الأولى في تكوين مجتمعاتنا وتقدمها. والحرص على معالجة غياب النساء واستبعادهن من السجلات التاريخية على مر العصور من خلال إبراز الدور الذي مثلته النساء في كافة المجالات التاريخية والسياسية والأدبية والفلسفية والعلمية وغيرها.
وفي نهاية اللقاء بجدتي رددت لي - بنبرة مليئة بالقوة والحماسة- يا ابنة الشرق - تذكري حتى لا تتشتتي بين مفترق الطرق عليك أن تضعي بين نصب عينيك "إيزيس" ومفتاح الحياة .
- نظرت إلىّ صديقي نظرة استفهام تريد أن تدرك كلمات جدتي الأخيرة فقلت: لها تمهلي فنحن في بدء المسير.
معًا نحو تيار نسوى شرقي "إيزيس الشرق برفقة اوزوريس".
***
د. آمال طرزان
......................
المراجع
(1) مصطفى غالب: سقراط في سبيل موسوعة فلسفية، ط1، دار مكتبة الهلال، بيروت،1989م، ص 11.
(2) مجموعة مؤلفين: حتشبسوت قادة مصر الفرعونية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص2008م، ص35.
(3) شاكر محمود إسماعيل: مقالة خصوصية إمكانية المرأة في حكم الشرق الأدنى القديم الجزائر، مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية ،2016، ص148.
(4) مجموعة مؤلفين: حتشبسوت قادة مصر الفرعونية، مرجع سابق، ص11.
(5) شاكر محمود إسماعيل، مرجع سابق، ص149.
(6) مرجع سابق، ص149-150.
(7) مرجع سابق، ص149-150.
(8) مرجع سابق، ص148.
(9) Debra Nails: The Life of Plato of Athens, In: "A Companion to Plato Blackwell Companions to philosophy", Ed by: Hugh H. Benson, Blackwell Publishing Ltd, USA, 2006, p.1.
(10) إمام عبدالفتاح إمام: المرأة في الفلسفة "أفلاطون والمرأة"، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٩٩٦م، ص 57.
(11) ول وايريل ديورانت: قصة الحضارة نشأة الحضارة،ج1، مج1، ط1، ترجمة زكى نجيب محمود، محى الدين صابر، دار الجبل للطبع والنشر والتوزيع، بيروت، د.ت، ص62-63.
(12) مرجع سابق، ص71.
(13) محمد فياض: المرأة المصرية القديمة ، دار الشروق، ط1، 1995م، القاهرة، ص19-20.
(14) مرجع سابق، ص19.
(15) مرجع سابق،ص17.
(16) Simon Blackburn: The Oxford Dictionary of Philosophy, Oxford University Press, Oxford, 1996, p.270.
(17) N.S.Doniach: The Oxford English Arabic Dictionary of current USAGE, 1Th, Oxford University press, New York, 1972, p.433