قضايا
علجية عيش: النهضة العربية في نظره لم تتحقق بعد على أرض الواقع
(الخطاب الذي لا ينتج وعيا تاريخيا لا يمكن أن يكون خطابا تاريخيا).. د. قادة جليد
سؤال العقل والتاريخ إشكالية معقدة وخيوطها متشابكة تحتاج إلى نقاش عقلاني مثمر من قبل المفكرين والأكاديميين بعيدا عن العاطفة، والعشوائية للخروج برؤية جديدة موحدة ، وهو ما أشار إليه الدكتور قادة جليد باحث أكاديمي وأستاذ سابق بكلية الفلسفة بجامعة وهران (غرب الجزائر) داعيا النخبة إلى إعادة النظر في الخطاب التاريخي والثقافة الوطنية وأن يخضعان للبحث والتحليل حتى لا تبقى الأمة معطلة الطاقات، ويبدو أن الدكتور قادة جليد متأثر جدا بالفلسفة الهيغلية والنظرية الخلدونية وهو الذي اكد في محاضرته أنه يتبنى أطروحاتهما
المحاضرة التي ألقاها الدكتور قادة جليد في منتدى الكتاب بالمكتبة الوطنية الجزائرية كانت مشروع لكتابين حول نقد العقل الجزائري واستعمال هذا المفهوم يتجدد عند طرح أسئلة الناقوس لإصلاح الذهنيات في ظل التحولات التاريخية، التي فيها كل شيئ يتغير إلا المسألة الثقافية التي ظلت جامدة ما جعلها تمارس نوعا من المقاومة أي طريقة التفكير والطريقة التي يمكن الحكم على الأشياء، ومن خلالها يطرح السؤال إن كانت هناك إمكانية بناء نهضة بعقل غير واع، خاصة بالنسبة للعقل الجزائري ، وهل بمقدور الباحث الأكاديمي تفكيك العقل الجزائري وإعادة بنائه من جديد، وبالتالي زحزحة بعض التصورات، وهي إشكالية طرحها الدكتور قادة جليد ولأول مرّة في عالم الأفكار كون العقل الجزائري له بعدٌ معرفيٌّ ومضمونٌ تاريخيٌّ، فمن خلال ما جاء في المحاضرة نلاحظ أن الدكتور قادة جليد في أطروحته اعتمد على أفكار بعض المفكرين الغربيين على غرار جاك بيرك الذي قال أن شعبٌ غير مدروس لا يفهم نفسه ونقاط قوته وضعفه كيف يمكن له أن يتقدم ويدخل التاريخ؟ ، أمّا المفكرين الجزائريين ذكر الدكتور قادة جليد المفكر مالك بن نبي ورؤيته للزمن وهو يتحدث عن الدورة الحضارية ، كذلك الدكتور أحمد بن نعمان الذي تساءل عن نفسية الإنسان الجزائري وكيف ينظر إلى نفسه ؟، كما استدل بأفكار المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله عندما نادى بإعادة الاعتبار للثقافة الجزائرية وتقييمها، ومعرفة كيف يفكر العقل الجزائري، مبرزا كذلك رؤية المفكر محمد أركون للعقل والتاريخ، ودعوته إلى كتابة التاريخ الشفهي كما كتبه الغرب وانتقاده القراءة التاريخانية وما نقله التاريخ في كثير من المواضع، في مقابل التاريخية والوضعية التي لا تهتم إلا برصد الوقائع الثابتة وعدم الإهتمام إلا بالزمن التسلسلي للوقائع والأحداث.
من وجهة نظر قادة جليد فإن العقل الجزائري وبالرغم من أنه مرتبط بالتاريخ وبالتراث، إلا أنه موجود في الثقافة الشعبية ( الشفهية) فقط، مقدما مجموعة من الأفكار والمفاهيم التي لها علاقة بالبناء الحضاري كمفهوم "الزمن" ورؤية الجزائري له ، حيث يرى أن مفهوم الزمن يُعَبِّرُ عن مفاهيم أخرى كالموت والفقر والجوع وإعدام المستقبل وعدم البقاء، أي النهاية الكلية للإنسان، أما الشق الثاني من المحاضرة فهي تتعلق بالتاريخ من خلال طرحه سؤالا عن الطريقة والكيفية التي نكتب بها التاريخ وبخاصة تاريخ الجزائر الذي له حدود بين ما هو معرفي وما هو إيديولوجي؟، مشيرا إلى ما قدمته المدرستين التاريخية المعاصرة والمدرسة الفرنسية ، عندما قالت أن الجزائر ليست أمّة والرد عليها بأنها وقعت في الانتقائية التاريخية ، يقول قادة جليد أن هذه الأطروحات ما هي إلا انغلاقا دوغماتيا إلى حد أن أصبح التاريخ مسرحا لصراعات بين هاتين المدرستين، وهذا يحتاج إلى فتح نقاش فكري ثقافي حول هذه القضايا بعيدا عن الشخصانية أو تقديس الأشخاص والخروج من السجالات السياسية والإيديولوجية في التفكير من أجل تقديم البدائل، وانتقد الدكتور قادة جليد الجامعة الجزائرية التي - كما قال هو- لا تنتج سوى مفاهيم مجردة ولا تعتمد على مناهج تطبيقية، داعيا إلى دراسة تاريخ الجزائر في طابعه البنيوي التزامني الكرونولوجي بعيدا عن العاطفة والقبلية والعصبية ، لأن التجرد من هذه الصفات يزيل الإنغلاقات الدوغماتية والمدونات المغلقة في تحليل الأحداث مثلما نراه عند محمد أركون وأبو القاسم سعد الله، وتحدث قادة جليد عن الدور الذي قامت به الحركة الدوناتية الوطنية الأمازيغية في مواجهتها الاستعمار الفرنسي، معبرا عن اسفه للتغييب الكلي لما سمّاه بالرأسمال الرمزي كالملكة روبا وهي امازيغية دوناتة قاومت الإستعمار والملكة ديلتا وأوغسطين وسانتا مونيكا، ليؤكد أنه لا يمكن تحقيق التقدم دون إشاعة النقد الذاتي.
في تعقيبه على ما جاء به الدكتور قادة جليد من أفكار يرى المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية الدكتور بهادي منير أن النخبة هي التي تنتج المعرفة بمختلف أشكالها والخطاب - سياسي كان أو تاريخي-، مرتبط بتصورات إيديولوجية وهذا النوع من الخطاب وجب الكشف عنه أمام التحوّلات التي نشهدها على كل المستويات اللغوية والفكرية، والتي من ورائها ظهرت تكتلات، فالمؤرخين اليوم كما يقول يكتبون انطلاقا من ضغوطات ولا يملكون البدائل لوضع مفاهيم جديدة ومنهم من لا يملك الجرأة لإعادة تفكيك الخطاب التاريخي وإعادة تشكيله من جديد، الملاحظ أن كل واحد من الطرفين له وجهة نظر مختلفة عن الآخر، فالفعل الثقافي في الجزائر كما قال الدكتور قادة جليد هو مقاومة ثقافية خاصة، خارج المؤسسات الرسمية، وأن النهضة العربية لم تتحقق بعد على أرض الواقع، والسبب كما أضاف يعود إلى غياب الإطار الإجتماعي، كما أن الفكر يفتقر إلى الخاصية الإجتماعية، والأطر الإجتماعية من وجهة نظره وحدها التي تدافع عن المشروع التنويري الذي يطمح إلى بناء العقل الجديد ، لفشارة فقط أن الندوة تخللتها نقاشات جادة فمنهم من قال أن المفكرين والمؤرخين كانوا مسيّسين وفي الغالب معارضين فحدثت صدامات وقال آخرون أن الحديث عن العقل الجزائري خطوة هامة جدا لتحليل الحالة العقلية للنخبة في الجزائر.
***
علجية عيش