قضايا
شاكر عبد موسى: في ظل العولمة والحروب القائمة.. إسلام واحد أم إسلامات؟
المقدمة: يعتبر الإسلام من الديانات الكبرى في العالم، وهو يتضمن جوانب دينية وتاريخية وقانونية وثقافية تميزه عن غيره من الديانات الأخرى، وعلى مر العصور، تطورت تيارات وتوجهات مختلفة داخل الإسلام، منها الإسلام التقليدي والإسلام التراثي والإسلام العلماني والإسلام السياسي.
والعولمة والحروب القائمة تعتبران من أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، وتؤثران بشكل كبير على التنوع الثقافي والديني في المجتمعات حول العالم. ومن بين الأديان التي تأثر بالعولمة والحروب هو الإسلام، أذ يثار تساؤل كبير حول مدى توحد الإسلام بوجه عام، أو هل هناك إسلام واحد أم إسلامات متعددة ؟.
وبالرغم من أن العلماء كانوا حراس الشريعة والمتحدثين باسم الدين، لم يعرف الإسلام السني فكرة المرجعية الواحدة المعروفة في الكنيسة الكاثوليكية أو التي تطورت لدى المسلمين الشيعة الإثني عشرية منذ نهاية القرن الثامن عشر.
أولاً: الإسلام التقليدي
تعتبر العقلية الدينية التقليدية من العوامل المهمة التي تؤثر على واقع المجتمعات المختلفة، وتلعب دوراً حيوياً في تحديد السلوكيات والقيم الاجتماعية للأفراد، في العراق مثلاً، يشهد المجتمع تداعيات كبيرة نتيجة لتأثير العقل الديني التقليدي الذي يحاصر الأفراد ويؤثر على تطورهم وتقدمهم الاجتماعي والثقافي.
أغلب الذين تصدوا للحديث باسم الإسلام في القرن العشرين من كتاب وقادة رأي عام وزعماء قوى إسلامية سياسية، لم يكونوا علماء بالمعنى الحرفي.
كان تقي الدين النبهاني أزهرياً، كما تلقى حسن البنا وأبو الأعلى المودودي تعليماً إسلامياً أساسياً، أثروه فيما بعد بالجهد الشخصي، ولكن أغلب قيادات الإخوان المسلمين وحزب التحرير والجماعة الإسلامية ناهيك عن عشرات الجماعات الصغيرة الجديدة، لم يكونوا من العلماء.
وفي الغالب المسلمون التقليديون متأثرين بالإسلاميين المتطرفين، لكنهم على الرغم من جهلهم بالكثير من الأمور الدينية، لا يتورعون بالدفاع بشراسة عن معتقداتهم والطقوس المختلفة كالصيام والطواف والسعي ورمي الجمرات والاستناد إلى معلومات اجتهادية، لإثبات الفوائد الصحية للصيام مثلا أو لتبرئة الإسلام من تهمة احتقار المرأة وهضمه لحقوقها،أو لنفي علاقة الحركات الجهادية بالإسلام.
وإن الاعتراف النوعي والهام جدا للداعية السعودي الشيخ (عائض القرني 1959) والذي قدمه من خلال اعتذاره للشعب السعودي عن "الأخطاء التي خالفت الكتاب والسنة، وخالفت سماحة الإسلام، وخالفت الدين الوسطي المعتدل الذي نزل رحمة للعالمين"، هي في الحقيقة تجسيد لنهج الأصالة والمعاصرة في الإسلام من حيث وسطيته وسماحته وتيسيره وانفتاحه ورفضه للتقوقع على نفسه والانغلاق على مجموعة رؤى وأفكار محددة واعتبارها هي الاساس.
أتفهم أن مرد هذه المحاولات الحثيثة هو رغبة المسلمين التقليديين التوفيق بين الشعائر الدينية والعلم والعقل والترويج لما يعتقدون بأسلوب عصري، كما يفعل أرباب فكرة الإعجاز العلمي القرآني في مساعيهم لتحويل القرآن إلى كتاب علمي، ونسبة الاكتشافات العلمية إليه مسيئين بذلك إلى القرآن من حيث لا يشعرون.
ومما لاحظت من خلال نقاشاتي المتواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي في المواضيع الدينية المثيرة للجدل، أو في كل انتقاد يوجه للتدين الشكلي أو سب الصحابة أو ما يتعلق بالشعائر والطقوس، هو أنهم يتسرعون في المهاجمة والسب والشتم واتهام الأخرين بالكفر والألحاد.
لذلك، يعد هذا الموضوع محور اهتمام العديد من الباحثين والمفكرين الذين يسعون إلى فهم السبب وراء تلك التداعيات وتأثيرها على عموم المجتمع.
1- تعريف تداعيات العقل الديني- التقليدي:
تعني تداعيات العقل الديني- التقليدي الآثار المترتبة عن اعتماد الأفراد على المفاهيم والقيم الدينية التقليدية في اتخاذ القرارات وتوجيه سلوكياتهم، وتنسب تلك التداعيات إلى تقديس النصوص الدينية وتطبيقها على نحو حرفي دون تفكير نقدي أو تحليل للسياق الاجتماعي والثقافي السائد.
2- تأثيرات العقل الديني- التقليدي في الواقع المعاصر:
* الانقسام الطائفي: تعتبر العقلية الدينية التقليدية أحد العوامل الرئيسية وراء الانقسامات الطائفية المستشرية في بعض المجتمعات الإسلامية، فهذه العقلية تعزز التمييز بين الأديان وتثير الصراعات والتناحرات الدينية بين الطوائف المختلفة.
* قمع الحريات الفردية: يغلب في المجتمعات التي تسيطر عليها العقلية الدينية التقليدية تقييد الحريات الفردية وتقديم النصوص الدينية كسلطة مطلقة دون إعطاء مساحة للتفكير الحر والاختلاف في الآراء.
* تأثيرها على السياسة: قد يكون للعقلية الدينية التقليدية تأثير كبير على عملية صنع القرارات السياسية وعلى سير العمل السياسي بشكل عام، كما نراه اليوم في العراق.
ثانياً: الإسلام التراثي:
يعتبر الإسلام التراثي من التيارات المحافظة داخل الإسلام، ويتميز بالتمسك بالتقاليد الدينية والثقافية التي انتقلت من جيل إلى آخر، ويعتبر الإسلام التراثي القوانين الشرعية والفقه والسنة النبوية والتفاسير القرآنية والتراث الثقافي جزءاً لا يتجزأ من الدين الإسلامي، كما وتُّعتبر السلطة الدينية هامة في هذا التيار، أذ يعتمد الأتباع على العلماء والمشايخ في فهم الدين وتطبيقاته.
وهكذا نرى مثلا أن عالم الدين اللبناني السيد (محمد حسين فضل الله 1935- 2010) أكد وجوب اتصاف المرجع "بالرشد الفقهي والرشد الاجتماعي والرشد السياسي والرشد الحركي مع الاستقامة الأخلاقية والقوة الروحية".
في حين نجد أن السيد (علي السيستاني) وهو المرجع الشيعي الأكثر تقليدا بين الشيعة - في كافة أنحاء العالم- قد احتفظ فعلا "بالرشد الفقهي.. مع الاستقامة الأخلاقية والقوة الروحية"، لكنه لم يوافق على ممارسة أي نوع من "الرشد السياسي او الرشد الحركي" في مواجهة نظام صدام حسين أو النظام القائم في العراق ما بعد سقوط نظام صدام حسين عام/ 2003.
أضف الى ذلك السيد (كمال الحيدري1956)، وهو مرجع شيعي عراقي وفيلسوف معاصر مقيم الآن بمدينة قم الإيرانية، وهو من أعلام حركة إصلاح التراث الإسلامي اشتهر بمناظراته العقائدية مع المذاهب والفرق الأخرى عبر برامجه التلفزيونية، يتعرض دوماً للمضايقات والنقد من قبل الكثرين.
وهناك الكثير من الناس يقلدون كبار رجال الدين ممن وصلوا الى الأعلمية، وتعتبر رسائلهم الدينية وطروحاتهم الفكرية مقدسة عندهم والخروج عنها هو خروج عن القرآن والسنة النبوية، ونتيجة لهذ التقليد الأعمى تولدت عندنا زيارات مليونيه لأضرحة أئمة ال البيت في العراق وأيران وسوريا وكذلك السعودية، التي قد لا تسمح بزيارة مقبرة البقيع إلا في أوقات محددة، مع منع النساء من دخولها.
1- الزيارات المليونية:
السؤال الذي يتقصى عن جواب هو: لماذا يعد الشيعة – الإمامية زيارة الأربعين الحسينية باعتبارها زيارة مقدسة وواجبة المقام ؟ ولماذا يولون الاهتمام بالسير مشياً على الأقدام والنذورات ومراسيم الحداد والعزاء؟.
الإجابة تندرج في الحكايات الشيعية - الروائية التي تحكي زيارة عائلة الإمام الحسين (ع) لقبره في ذلك اليوم، أثناء عودتهم من الشام، إذ كانت السيدات من بينهم سبايا، والرجال مكبلين من خلال قوة مسلحة مرافقة لهم.
"وفقًا لرواية أخرى، زار جابر بن عبد الله الأنصاري، الصحابي للنبي محمد (ص)، كربلاء وزار قبر الإمام الشهيد بعد مرور أربعين يوماً على استشهاده، ويُعتبر (جابر بن عبد الله الأنصاري) أحد الصحابة الذين بايعوا النبي في بيعة العقبة الثانية، وهو معروف بحفظه وتعدده في الحديث، ومن بين رواياته الشهيرة "حديث اللوح" الذي ذكر فيه الرسول أسماء "أئمة الشيعة." قبل ولادتهم.
يقول المؤرخ العراقي الكبير/ علي النشمي 1956: يوجد قبر في منطقة الدورة ببغداد لحاخام يهودي اسمه اسحاق.. جاء شخص منافق ووضع قطعة قماش خضراء على القبر وكتب عليه الامام (اسحاق أبن الامام الكاظم) وصار مزاراً شيعياً !.
2- الطقوس المتوارثة:
تعد الطقوس الدينية التقليدية وسيلة للتعبير الاجتماعي والروحي للمجتمعات في العالم العربي والإسلامي منذ بزوغ الإسلام في أوائل القرن السابع الميلادي، أذ تساهم في توحيد الانتماء الاجتماعي وبناء العلاقات القوية بين أفراد المجتمع ونشر قيم الخير والمحبة والتواصل.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد في استيعاب العبر والدروس التي تحتاج إلى فهمها وتوضيحها بعيداً عن الخطابيات الفارغة.
والمقدسات جزء من تاريخنا العربي – الإسلامي، لكن انشغال الناس الدائم بتك المقدسات على طوال السنة سوف يؤدي الى عدم الاهتمام بالعلم والحضارة الحديثة، سوف نبقى نعيش بالخدر الدائم وبعدها نندثر ونموت كشعب حي صاحب أقدم الحضارات ومهبط الأنبياء.
وللأسف الشديد، يتم رؤية بعض التبذير والمبالغة في تلك الطقوس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تقديم وجبات ضخمة من اللحوم للضيوف، أذ يتم تنظيم المأدبات الكبيرة للزوار في العراق بمئات الملايين من الدولارات مجاناً، دون أن نعرف من هم المنظمون الفعليون لهذه الولائم.
وعلى الرغم من أن معظم سكان مدينتي / محافظة ميسان ينتمون إلى ذوي الدخل المنخفض أو الخريجين الباحثين عن وظائف حكومية، إلا أن العديد من متظاهريهم تعرضوا للقتل والاغتيالات الغامضة أو للإصابات العنيفة من قبل قوات مكافحة الشغب، وهم يعيشون في مجتمع يعاني من انتشار البطالة والتسول والفساد الواسع، وضعف الخدمات المقدمة لهم.
واليوم معظم نساء مدينتي مشغولة بـ ( الملاية) التي تجمع النساء في البيوت من أجل البكاء والعويل وترديد القصائد الحماسية التي تذم الامويين من أولهم الى أخرهم، والاول والثاني والثالث.. بعدها تقبض أجرها والاجر على قدر المشقة بالدولار الامريكي أذا كان صوتها شجي وجسمها ممشوق القوام.
وما إن حلت وسائل الاتصال الحديثة، حتى ازدحمت شاشات التلفزة ومواقع الإنترنت بدعاة جدد من كل الخلفيات والمستويات يشرحون للملايين المتعطشة شؤون دينهم، وفق اجتهاداتهم الشخصية التي لا تخلوا أحياناً من الخرافات والتطرف المقيت.
ثالثاً: الإسلام العلماني
يعتبر الإسلام العلماني التيار الذي يرى أن الدين يجب أن يكون منفصلاً عن الدولة والسياسة والقانون، ويعتمد هذا التيار على المنطق والعلم ويروج لفصل الدين عن السياسة وتجديد أفكار الدين لتتناسب مع التقدم العلمي والثقافي الحديث.
وكان أحد أسباب صعود المحدثين الجدد في الساحة الإسلامية كان بالتأكيد الفراغ المتسع الذي تركه تقلص وضعف مؤسسة العلماء التقليدية، والقوة المتسعة للدولة الحديثة، وسعيها إلى السيطرة على ما تبقى من مؤسسة العلماء.
لقد تأثر العديد من البلدان الإسلامية بالتيار العلماني الذي تبنى مبادئ الفصل بين الدين والدولة والقانون، وأدى هذا التأثير إلى الصراعات والاضطرابات في البلدان التي تسعى لتحقيق التوازن بين الدين والدولة والعلم، وعلى جانب آخر، يظل الإسلام التراثي حاضراً بشكل قوي في البلدان التي تحتفظ بالتقاليد الإسلامية وتسعى للحفاظ عليها.
يذهب المفكر الجزائري( محمد أركون 1928 -2010 ) إلى أنّ المُجتمع الإسلامي عرف العلمانية قبل المعتزلة عندما استولى الخليفة الأموي (معاوية بن أبى سفيان41-60هـ) على السلطة السياسية، ونصّب نفسه خليفة أو "أميرًا للمؤمنين".
واليوم علمانية تركيا بزعامة (رجب طيب أردوغان 1954م ) شكلا أخر من أشكال العلمانية الأسلامية، فهو ينادي بها بكل خطاباته منذ تعيينه رئيسا للوزراء في عام/ 2014، ألا وهي - العلمانية المحايدة - أذ تنظر إلى الدين على أنه أحد الحريات التي يتمتع بها الإنسان، وترى هذه العلمانية أنه من حق الإنسان أن لا يعتنق أي دين أو يعتنق أي مذهب، فيترك الناس أحرارا في اختيار الدين.
ولكن لا شأن لذلك الدين في الدولة، أي يكون ذلك على نهج الأنظمة التي تتبنى العلمانية في العصور الحالية كما هو موجود في دول أوروبا أو أمريكا، أذ أن حرية التدين ومظاهرها الشخصية هي من أحد ما تقدسه الأنظمة الرأسمالية.
لقد قام - أردوغان - بالسماح بلبس الحجاب، ودعم بناء المساجد، وأن في هذه العلمانية لخطر أكبر من علمانية أول رئيس لتركيا (مصطفى كمال أتوترك1881- 1938)، أذ أن علمانية مصطفى كمال يدرك خطرها كل مسلم لأنها معادية علنيا لكل مظاهر الدين، أما علمانية أردوغان فقد يفتن بها المسلم لما لها من مظاهر إسلاميه على الفرد بسبب حرية التدين.
رابعاً: الإسلام السياسي
يعد الأسلام السياسي من الظواهر السياسية التي تحظى بشعبية كبيرة، وتقوم على فكرة أن الدين الإسلامي لا يقتصر فقط على الجانب الروحي والعبادي، بل يشمل أيضاً الجانب السياسي والاجتماعي، ومن هنا يعتبر الأسلام السياسي أحد التيارات الدينية التي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية بكافة أصولها في حكم الدولة، وكما قال المرشد الاعلى للثورة الاسلامية في ايران (علي الخامنئي 1939).. (عدم البراءة من المشركين يلوث طهر البشرية ونقاء فطرتها، فالبراءة هي من اجل سمو الحركة الانسانية).
- أصول الأسلام السياسي:
تعتبر الشريعة الإسلامية الأساس الذي يستند إليه الأسلام السياسي، وهي تشمل مجموعة من القوانين والتوجيهات التي تنظم حياة المسلمين في كافة المجالات، وتعتبر الشريعة مقياساً للعدل والمساواة بين الناس، وتحدد الحقوق والواجبات التي يجب على المسلمين الالتزام بها.
- تاريخ الإسلام السياسي:
يعود تاريخ الأسلام السياسي إلى بداية الدولة الإسلامية في زمن الخلفاء الراشدين، أذ كانت الشريعة تطبق بكل صرامة والقضاء مستقلاً عن الحاكم، ومع مرور الزمن، تغيرت الظروف وتبدلت الأنظمة السياسية، وانقسمت الدولة الإسلامية إلى عدة دول وإمارات صغيرة، مما أدى إلى ضعف الأسلام السياسي ودخوله في أزمة حادة.
- تجدد الإسلام السياسي:
مع بداية القرن العشرين، بدأت حركات الإصلاح الإسلامية في التنامي، وتجدد دعوات الأسلام السياسي، وظهرت جماعات إسلامية تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية، وباتت تشكل تحديات كبيرة للأنظمة السياسية القائمة.
- أستلام الإسلام السياسي للسلطات:
منذ الثمانينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، تمكنت بعض الحركات الإسلامية من الوصول للسلطة أو المشاركة في الحكم بشكل مباشر، مما أدى إلى تحقيق أهدافها السياسية وتطبيق الشريعة الإسلامية، وفق أفكار الطائفة الناجية، كما هو الأن في أيران، أو حكم السلف الصالح كما في أفغانستان.
أضف الى ذلك، محاولة) التحالف الإسلامي الكردستاني في العراق) لها ميزة تجعلها مميزة في أداء الجهد السياسي الاسلامي، اعتبارا لمقدار الرشادة والوعي والاتقان، والاخذ بأسباب العصر وأساسيات الفترة الانسانية التي استلزمت ان يتحول الانسان فهماً ووعياً مع تغيرات العصر، التكنولوجية والتكنلوجية والثقافية، والتحول الى العولمة الثقافية التي جاءت بها ثورة الاتصالات والمعلومات.
وفي الطرف الأخر نجد هزيمة - التيار الجهادي - الأكثر غلوا وتطرفا والممتد من الجزائر إلى دولة الخلافة التي نادت بها القاعدة وداعش، والذي وجد نفسه في حالة حصار سد عليه كل المنافذ على مدى عدة عقود قادمة.
خامساً: التجديد بالمذاهب الإسلامية مهمة ثقافية
منذ نهايات القرن التاسع عشر، ولد في مؤسسة العلماء المسلمين تيار إصلاحي بالغ التأثير، كان الإصلاحيون علماء على درجة عالية من المسؤولية حاولوا الاستجابة لتيارات التحديث والمحافظة على مرجعية الإسلام والشريعة.
وأمام عجز العلماء التقليديين عن الصمود أمام العاصفة التحديثية، شن الإصلاحيون هجوماً حاداً على الميراث الإسلامي التقليدي ورجالاته، وقد استلهم الإصلاحيون من أمثال محمد عبده، ورشيد رضا، وصديق حسن خان، وجمال الدين القاسمي، وطاهر الجزائري، وعبد الحميد بن باديس، ومحمود شكري الألوسي، وعلال الفاسي، لفهم الميراث السلفي في شكل جديد ومعقد، ومن هنا عرفوا باسم السلفيين الجدد.
لذا يعتبر التجديد بالمذاهب الإسلامية مهمة ثقافية تتماشى مع روح العصر وتطلعات الجماهير بالدرجة الأولى لأنه يسهم في تحديث الفكر الديني والثقافي، ويسهم أيضا في التواصل مع العالم الغربي ودمج القيم الإسلامية مع القيم الحديثة.
ويعتبر التجديد في الدين الإسلامي محاولة لتحقيق التوافق بين القيم الدينية والثقافية والاجتماعية الحديثة، مما يسهم في بناء مجتمعات متقدمة ومتطورة.. وتكمن أهمية التجديد بالمذاهب الإسلامية بالاتي:
1- تعزيز الهوية الإسلامية: من خلال التجديد في المذاهب الإسلامية، يمكن تعزيز الهوية الإسلامية لدى المسلمين وتعزيز الشعور بالانتماء إلى الدين والمجتمع الإسلامي.
2- مواكبة التطورات الحديثة: يعتبر التجديد بالمذاهب الإسلامية وسيلة لمواكبة التطورات الحديثة في مجالات العلم والتكنولوجيا والثقافة، مما يسهم في تحديث المجتمع الإسلامي وإثراء حياتهم الدينية.
3- تحقيق التقريب الديني: يعمل التجديد بالمذاهب الإسلامية على تحقيق التقريب بين العقائد والمذاهب الإسلامية المختلفة، وبين الإسلام والأديان الأخرى، مما يساهم في تعزيز السلم والتعايش بين الشعوب.
4- تطوير المجتمعات: يساهم التجديد بالمذاهب الإسلامية في تطوير المجتمعات الإسلامية وتعزيز الاقتصاد والتعليم والصحة والبيئة، مما يعزز التنمية المستدامة.
5- محاربة التطرف والتشدد: يساهم التجديد بالمذاهب الإسلامية في محاربة التطرف والتشدد الديني عن طريق تبني نهج معتدل ومتسامح ومواكبة التحديات الحديثة.
وهناك وصف دقيق ومُبهر للحياة الدنيا من الأديب الروسي (فيودور دوستويفسكي1821-1881).
(لعلني سأموت عما قريب، حينها لن يتذكرني أحد ولن يقف عند قبري أي إنسان، سيقول بعض من كان يعرفني: كان شهماً طيباً، وسيقول البعض الآخر: كان وغداً حقيراً.
سوف تُطوى صفحتي من سجل الحياة ولن يبقى هناك أي أثر يدل على مجيئي، وستكون الحياة من بعدي كسابق عهدها لن يتغير فيها شيء، وستبقى الشمس تشرق كل صباح وتغيب كل مساء، الشيء الوحيد الذي تغير هو عدم وجودي).
سادساً: النتائج والتوصيات
أولًا: النتائج:
لاشك ان دين الاسلام هو الرسالة الخاتمة الى قيام الساعة، وهو اكثر دين في سرعة انتشاره على صعيد العالم.. والغالبية من المسلمين يتبعون دين الاسلام مثلما اُّنزل.. اما من شذ عنهم فلا اعتبار لهم.. العبرة باتباع الحق ولو خالف معتنق الاباء والاجداد.
لقد مرت فرق تفرقت عن الدين الحق واندثر الكثير منها، والان يعود اليه من الفرق الاخرى من عقل وابتغى الحق.. فالقران كلام بين واضح في اغلبه، وفي امور تفسر من قبل العلماء بالقران نفسه واخرى بالسنة النبوية المتفق عليها.
نعم إن تجديد الخطاب الديني أصبح ضرورة لكل عصر، ولكن ليس بالطرق القتالية، وإنما بالطرق الحضارية الصافية النقية من شوائب الماضي، والدعوات المشبوهة من المتطرفين.
ثانيًا: التوصيات:
1- تكثيف جهود علماء الدين العقلاء في بيان الموقف من دعوات التكفير المخالفة للإسلام، من خلال إقامة الندوات، واللقاءات المتتالية لبيان زيف هذه الدعوات الضالة.
2- تفريغ بعض الباحثين لدراسة الأفكار المتطرفة، وخلق دراسة نقدية مبنية على أصول متينة من أجل أن يكونوا سدًّا أمام نشر الأفكار المنحرفة، والعمل على إنشاء مراكز ومعاهد تُعني بدراسة الفكر الإسلامي المعتدل، ووضع النظريَّات والرؤى الإسلامية المستقلة من جميع المتغيرات في الواقع العربي والإسلامي والعالمي.
3- تصحيح المسار الإعلامي للدعوة الإسلامية، بأنْ لا يتصدر للإعلام إلا من كان مؤهلًا لمواجهة الجمهور ثقافياً، فمن تصدَّر في غير محله كان وسيلة يمتطيها أصحاب الفكر الهدَّام للإساءة للإسلام.
4- عدم إبراز دور الحِقب التاريخية الإسلامية السابقة بصورتها السوداء للناس، وبيان كيف كان تمسكهم بدينهم وسيلة النهوض بين الأمم وليس العكس.
5- نشر الثقافة الإسلامية الواعية في المراحل الدراسية الأساسية والعليا، كي يتكون لدى الجيل مناعة فكرية من الأفكار التخريبية.
6- إنشاء وسائل مرئية ومسموعة تعني بدراسة وعرض الرؤية الإسلامية الصحيحة من القضايا المستجدة، لتسدَّ الفراغ الفكري الذي يستغله أصحاب الفكر المنحرف.
***
شاكر عبد موسى/ العراق
.....................
المصادر:
- علي بنيامين، "العقل الديني التقليدي: ما بين التقديس والتحسيس"، المجلة العراقية للعلوم الاجتماعية/ لورنس هار.
- كتاب / مشروع الفكر الاسلامي في القرآن/ علي الخامنئي / ترجمة محمد علي اذرشب / مؤسسة صهبا 2017 – مشهد،ص 260.
- كتاب/ النظم الإسلامية / حسين علي الساعدي/ الناشر دار الهدى للطباعة والنشر، 2017، ط1/ مطبعة الثقلين – النجف الأشرف.
- موقع الحرة/ رسالة الى المسلمين التقليديين/ منصور الحاج/ 29 أغسطس/ 2018.
- موقع الجزيرة/ كيف تحولت تركيا من العثمانية الى العلمانية؟ / د. فوزي أبو خليل/ 28 أيلول / 2018.