قضايا

ناتاشا بولي: كلماتي اليونانية المفضلة

التطهير، الهاربيات، الهامارتيا، وغيرها
ناتاشا بولي تتحدث عن كلماتها اليونانية المفضلة
بقلم: ناتاشا بولي
ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم
***
مؤلفة ترنيمة إلى ديونيسوس تستكشف تقاطع المعاني في اللغات
***

خلال الجائحة، بدأتُ بكتابة كتاب عن الإله اليوناني ديونيسوس. لطالما رغبتُ في ذلك، لأنني أعتقد أنه لا يحظى حتى بنصف الاهتمام الذي يستحقه مقارنةً بجميع الآلهة الأخرى التي نراها في روايات الأساطير... ناهيك عن أنه إلهٌ لأشياء رائعة (تحذير: ليس النبيذ فقط).
لكن رغم أن جميع النصوص عنه قد تُرجمت إلى الإنجليزية، شعرت أنني لا أرى سوى صورة جزئية له وللعالم الذي أتى منه. فالإنجليزية لغة غريبة ومتنوعة، ويمكن أن تكون الترجمات الإنجليزية للنصوص اليونانية خادعة، مليئة بأنواع مختلفة من الأخطاء غير الدقيقة التي لا تصل إلى حد كونها أخطاء ترجمة صريحة، خاصة إذا كانت الترجمة قد أُنجزت منذ زمن طويل. لذلك، اشتريت بعض الكتب الدراسية، وتعلمت ما يكفي من اليونانية الكلاسيكية لقراءة بعض مصادري في لغتها الأصلية. قيل لي إن هذا ليس سلوكًا طبيعيًا، لكنني أحببته.
أحد الأسباب التي جعلتني أستمتع بذلك كثيرًا هو أنه عندما تبدأ في مقارنة الكلمات التي تحمل المعنى نفسه عبر لغتين، يحدث شيء مذهل حقًا. فرغم أن الكلمات التي تصف أشياء مادية، مثل "قطة" أو "تل"، تتطابق تمامًا، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالأفكار أو المشاعر أو الألوان أو أي شيء آخر يقع على طيف من المعاني، فإنها نادرًا ما تتطابق بنفس الدقة.
ما تجده في الواقع هو أشبه بمخطط فنّي للمعاني، حيث يوجد تداخل يدركه متحدثو اللغتين... لكن هناك ظلالًا جانبية لا تتطابق تمامًا على أي من الطرفين. وعندما أتعلم لغة جديدة، فإن أكثر ما يسعدني هو البحث عن تلك الكلمات. غالبًا، تكون هذه الظلال غير المتطابقة هي الكلمات التي قد تجعلك تبكي وحدك ليلًا، لكنها أيضًا الأكثر كشفًا، لأنها توضح أمرًا بالغ الأهمية: الفرق في الأولويات بين اللغات المختلفة، وبالتالي الطريقة التي تشجع بها متحدثيها على التفكير.
إليك بعضًا من كلماتي اليونانية المفضلة:
التطهير: (Catharsis)
أحب هذه الكلمة، لأنني أحب كل ما يتعلق بديونيسوس، والتطهير هو جوهر ما يمثله. بشكل تقريبي جدًا، تعني شيئًا مثل "التحرر"... لكن هذا الوصف قد يكون مضللًا في الإنجليزية. فهي تعني أيضًا "التنقية" أو "التطهر" بمعنى طبي، ديني، أو شعائري، وقد عانى المترجمون دائمًا مع هذه الكلمة لأن معناها غامض وواسع الدلالة فى ذات الوقت .
تلعب هذه الكلمة دورًا محوريًا في المسرح والسرد القصصي. في كتابه فن الشعر، يقول أرسطو إن الوظيفة الأساسية للمأساة هي تحقيق التطهير. ومن المثير للاهتمام أن المهرجان الأثيني العظيم للمسرح كان يُسمى ديونيسيا، وكانت المسرحيات تُقدَّم تكريمًا لِديونيسوس. هناك خلاف بين الباحثين حول السبب، لكن الأمر يبدو منطقيًا بالنسبة لي. السكر، الجنون المؤقت، المسرح، الجنس... جميع هذه الأشياء مرتبطة بديونيسوس، وجميعها تدور حول فكرة التحرر: ذلك الإحساس بأنك تتخلى عن شيء ما، وتُبعث من جديد بفضل ذلك.
الهاربي (Harpy):
لقد سمع كثير منا عن الهاربيات، تلك النساء المجنحات المرعبات ذوات المخالب. يُعتقد أن الكلمة مشتقة من الفعل اليوناني harpazien، الذي يعني "يخطف"، ولذلك يمكن ترجمة harpy إلى "الخاطفات". لكن الأمر الرائع هو أن الكلمة تُستخدم أيضًا للإشارة إلى الزوابع الهوائية. عندما يذكر بعض الكُتّاب، مثل هيرودوت أو لوقيان الساموساتي، أن البحّارة رأوا الهاربيات تعصف فوق البحر، فإنهم في الواقع يشيرون إلى الأعاصير. ارتبطت الهاربيات بالعواصف والرياح العاتية بسبب عنف طيرانها، مما أدى إلى استخدام الكلمة نفسها لوصف كل من الظاهرة الجوية والمخلوقات الأسطورية.
الدراخما (Drachma):
كانت الدراخما وحدة نقدية ثم أصبحت عملة معدنية، لكن معناها الحرفي هو "حفنة" أو "قبضة". في الأصل، كانت تشير إلى حفنة من الأوبولوي—وهي رماح معدنية صغيرة مصنوعة من البرونز أو الحديد أو النحاس، كانت تُستخدم كعملة. كان هذا النظام غير عملي للغاية، وربما كان ذلك متعمدًا. على الأقل في سبارتا، يبدو أن هناك شكًا جادا في جدوى أي نوع من العملات الموحدة، رغم أن التعاملات المالية الأوسع في البحر الأبيض المتوسط كانت تُجرى غالبًا باستخدام التالنت—وحدة وزن—من الفضة. قد يكون جعل المال صعب الاستخدام إحدى الاستراتيجيات التي اعتمدتها بعض الدول اليونانية للحد من انتشار الاقتصاد النقدي.
الهامارتيا (Hamartia):
عادة ما نتعلم في المدارس أن الهامارتيا تعني "العيب القاتل"، لكنها كلمة خادعة. في اليونانية الكلاسيكية، هي مصطلح ضمن مصطلحات رياضة الرماية، وتعني حرفيًا "الإخفاق"، أي أن تخطئ الهدف—وبالتالي، فهي تشير إلى خطأ أو سوء تقدير.
في الإلياذة، تتمثل هامارتيا أخيل—أي خطؤه—في أنه يعلن الإضراب عن القتال ولا يدرك أن باتروكلُس سيأخذ مكانه. قد يكون ذلك تصرفًا غبيًا بعض الشيء، لكنه ليس عيبًا قاتلًا في شخصيته؛ بل هو سوء تقدير.
لكن هناك منعطفًا غير متوقع: بعد خمسة قرون، بحلول زمن العهد الجديد، تغيّر معنى الكلمة. في الكتاب المقدس، أصبحت hamartia تعني "الخطيئة". من المغري جدًا إسقاط هذا المعنى على النصوص الكلاسيكية... لكن كبرياء أخيل لا يُصوَّر كخطيئة في الإلياذة، كما أن جهل أوديب بحقيقة مولده لا يُعتبر خطيئة في حد ذاته. إنها مجرد أخطاء يمكن تفهمها، لكنها تؤدي إلى عواقب مروعة.
خالكوس (Khalkos):
تعني هذه الكلمة البرونز أو النحاس، لكنها أيضًا اللون الذي استخدمه الإغريق لوصف السماء. لا توجد كلمة محددة تعني "الأزرق" في اليونانية القديمة. وهذه نقطة رائعة توضح كيف ترسم اللغات حدود الألوان بشكل مختلف.
في اليابانية القديمة، كانت كلمة aoi تُستخدم للإشارة إلى الأخضر والأزرق معًا، كلون عام يعبر عن الطبيعة. في الروسية، هناك تمييز واضح بين الأزرق الداكن والفاتح، تمامًا كما تفرق الإنجليزية بين الأحمر والوردي. أما في بعض اللغات، مثل اليونانية الكلاسيكية، فقد كان الأولوية لتحديد درجة السطوع أو العتمة أكثر من تحديد اللون نفسه. لا يعني هذا أن الناس كانوا يرون الألوان بشكل مختلف، بل فقط أنهم كانوا يفكرون فيها بطريقة مختلفة.
كانت هناك كلمة في اليونانية القديمة تُستخدم أحيانًا لما نسميه بالأزرق في الإنجليزية، وهي kyanos، والتي اشتُقت منها كلمتنا الحديثة "cyan" (السماوي). لكنها كلمة غامضة. فقد استُخدمت لوصف حجر اللازورد، ولكن في ترنيمة إلى ديونيسوس الهومرية، توصف عيون ديونيسوس بأنها kyanos... وكذلك شعره! ما لم يكن شعره أزرق اللون (وهذا غير مرجح، للأسف)، فإن الكلمة كانت تعني ببساطة لونًا غامقًا وعميقًا.1255 my word

كتاب "ترنيمة ديونيسوس" للكاتبة ناتاشا بولي متوفر لدى دار بلومزبري.
***

......................
الكاتبة: ناتاشا بولي/ Natasha Pulley: ناتاشا بولي: الكاتبة الأكثر مبيعًا عالميًا لروايات "ترنيمة ديونيسوس"، و"صانع ساعات شارع فيليجري"، و"أكوام المهجورة"، و"مستقبل بيبرهارو المفقود"، و"الممالك"، و"نصف حياة فاليري ك". فازت بجائزة بيتي تراسك، ورُشِّحت لجائزة نادي المؤلفين لأفضل رواية أولى، وجائزة إنكور من الجمعية الملكية للآداب، وجائزة ويلبر سميث للكتابة المغامرة، ورُشِّحت أيضًا لجائزة والتر سكوت. تعيش في بريستول، إنجلترا.

 

في المثقف اليوم