قضايا

غالب المسعودي: أفلاطون ويوتوبيا القرن العشرين

يطرح أفلاطون في كتابه "الجمهورية" مفهوم العدالة ويقترح فكرة المدينة المثالية التي يحكمها الفلاسفة. يعتقد أن المجتمع ينبغي أن ينقسم إلى ثلاث طبقات مختلفة، كل طبقة تؤدي دورها الخاص، ما يضمن الانسجام والعدالة. تتجلى فكرة الدولة المثالية في السعي لتحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد. أفلاطون يشدد على أهمية التعليم والتربية في تشكيل الأفراد ليكونوا فضلاء. كما أنه يقدم مفهوم "الكهف"، الذي يوضح كيف أن معظم الناس يعيشون في ظلمة الجهل، بينما القليل منهم لديهم القدرة على رؤية الحقيقة.
يوتوبيا القرن العشرين
في القرن العشرين، ظهرت العديد من اليوتوبيات التي اقتبست من فكرة الدولة المثالية. استمرت هذه الأفكار لتتطور خلال القرن العشرين، مع التركيز على التحديات الاجتماعية والسياسية. يظل مفهوم الدولة المثالية مصدر إلهام للمناقشات الفلسفية حتى اليوم، وتعني أن الحكومات ينبغي أن تتألف من قادة ذوي معرفة عميقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية في العصر الحديث. وفي الوقت الراهن، تعتبر الديمقراطية التي تتيح للجميع التصويت، والسعي لتحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد عنصرًا أساسيًا في المجتمعات المعاصرة، بينما تحتوي أفكار أفلاطون على قيم يمكن أن تكون ملهمة، إلا أن التطبيق العملي لها يتطلب مراعاة السياقات الاجتماعية والسياسية المعقدة في العصر الحديث، ويتطلب توازناً بين المبادئ الفلسفية والواقع العملي.
الدولة في العصر الحديث
تقوم العديد من الدول على فكرة أن الحكومة يجب أن تعبر عن إرادة الشعب وأنها تعمل لخدمته، والعدالة ليست مجرد غياب الظلم وحسب، بل تشمل توزيع الموارد والفرص بشكل اعتدالي، وتتبنى الدول سياسات تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، مثل البرامج الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية، وتسعى الدول لتحقيق موازنة بين الحقوق الفردية والمصالح الجماعية، مع التركيز على العدالة والمشاركة والمساواة. أساسيات بناء الدولة تختلف من دولة إلى أخرى حسب السياقات الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، وكيفية وقدرة الدول على تطبيقها في بناء الدولة بطرق تتوافق مع احتياجاتها وظروفها الخاصة واختلاف الاستراتيجيات، لكن الهدف النهائي يبقى السعي لتحقيق العدالة، والمساواة، والتنمية المستدامة. تشكل نظرية العقد الاجتماعي وعلاقتها بمفهوم الحرية الشخصية مبدأ مهم في بناء الدولة، رغم ان لها جوانب متعارضة، ولكن هذه المتعارضات تعتمد على كيفية تفسير وتطبيق كل منهما. يسعى العقد الاجتماعي إلى تحقيق موازنة بين الحرية الشخصية والأمان الجماعي. في الدول الديمقراطية، يتم وضع قوانين لحماية الحقوق الفردية، مما يعكس التزام المجتمع بالمحافظة على الحرية الشخصية. يُعتبر هذا التوازن تحديًا دائمًا في الفلسفة السياسية، ولا يزال موضوعًا للنقاش في المجتمعات الحديثة.
نظرية الحاكم بأمر الله
نظرية الحاكم بأمر الله، تشير إلى مفهوم أن الحاكم يمتلك السلطة المطلقة ويعتبر مصدر الحق والعدالة، يمكن تحليلها من زوايا مختلفة وعلاقتها بنظرية الدولة المثالية وحكم الفيلسوف، مثل أفكار أفلاطون حول الحكام الفلاسفة، يفترض أن الحاكم بأمر الله يتمتع بفهم عميق للعدالة والمصلحة العامة، ويعتبر الحاكم مسؤولا عن تحقيق العدالة في المجتمع، ما يعكس بعض جوانب الدولة المثالية، بينما يدعو أفلاطون إلى حكم الفلاسفة الذين لديهم المعرفة، إلا أن الحاكم بأمر الله يمنح نفسه سلطة مطلقة قد تؤدي إلى الاستبداد، في الدولة المثالية، يفترض وجود توازن بين القوى الحاكمة والمشاركة السياسية، بينما في نظرية الحاكم بأمر الله، قد تغيب هذه العناصر ويؤدي تركيز السلطة في يد فرد واحد إلى انتهاك الحقوق الفردية والحريات، ما يتعارض مع مبادئ الدولة المثالية الفلسفية. بينما تحمل نظرية الحاكم بأمر الله بعض العناصر المشتركة مع فكرة الدولة المثالية، إلا أنها تتعارض مع الفلسفات التي تدعو إلى المشاركة السياسية والعدالة المتوازنة. يعتبر تحقيق الدولة المثالية في السياقات المعاصرة تحديًا يتطلب توازنًا بين السلطة والحرية.
نقد أبستميولوجي
تطبيق نظرية الحاكم بفضل الله في الواقع يمكن أن يتجلى بأبعاد متنوعة، تختلف حسب السياق التاريخي والمكاني. حيث يمارس الحاكم سلطة مطلقة على كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية. تُعتبر قراراته نهائية ولا تُقابل عادةً بمناقشة أو نقد ،بعض الأنظمة السلطوية تنظر إلى الحاكم كرمز للعدالة والاستقرار، يُصدر الحاكم القوانين وفقًا لرؤيته الشخصية ، وقد لا تكون هذه القوانين دائمًا ناتجة عن عملية تشريعية ديمقراطية أو أنظمة قانونية ، حيث يُعتبر الحاكم هو المحقق والمنفذ للقوانين ،قد تُستخدم أساليب القمع والرقابة على وسائل الإعلام والمجتمع المدني لضمان عدم وجود معارضة، وجود أنظمة تُقيّد الحريات الشخصية وتفرض رقابة صارمة على النشاطات السياسية والاجتماعية، تروج للحاكم نفسه كحامي للمجتمع، وقد يستخدم الدين أو الأيديولوجيا لتعزيز مكانته ، ويستغل الحملات الدعائية التي تُظهر الحاكم كرمز للعدالة والاستقرار، حتى لو كانت هذه الصورة بعيدة عن الواقع. بينما يمكن أن يظهر تطبيق نظرية الحاكم بأمر الله جوانب من الحكم الفعال، فإنها غالبًا ما تؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات الفردية، يظهر تطبيق هذه النظرية التوتر بين السلطة المطلقة والحاجة إلى نظام حكم عادل ومشارك. هذه الانتقادات تشير الى أن نظرية الحاكم بأمر الله قد تكون غير فعالة في تحقيق العدالة والاستقرار في المجتمعات الحديثة وتدعو الحاجة إلى تبني نماذج حكم أكثر ديمقراطية وشمولية تضمن حقوق المواطنين وتعزز المشاركة الفعالة في صنع القرار.
الأسس الفلسفية
تستند نظرية الحاكم بأمر الله إلى مجموعة من الأفكار الفلسفية التي شكلت فهما معينا للسلطة والحكم. منها اعتمادها على فكرة منح الحاكم صلاحية الحكم من الله، ما يعني أن سلطته تأتي منه لا من الشعب. يعتبر الحاكم وكيلا لله على الأرض، ولديه الحق في اتخاذ القرارات دون الاستعانة بغيره أو الحصول على موافقات. تحتوي بعض عناصرها على أفكار أرسطو السياسية، حيث ينظر للحاكم كخبير أو حكيم يمتلك المعرفة الكافية للحكم. وهذا يفترض أن يكون الحاكم على دراية بالقضايا الاجتماعية والسياسية لتحقيق المصلحة العامة. كما يعتمد الحاكم على التاريخ والتقاليد لتأكيد شرعيته، ما يعزز اعتباره وارثا لنظام حكم معين، استنادا إلى أن العائلات الحاكمة أو السلالات جزء من التراث الثقافي والسياسي. هذه الأفكار الفلسفية أساس النظرية، حيث تتداخل المعاني الدينية والسياسية لتبرير السلطة المطلقة وتأكيد دور الحاكم كمدافع عن العدل والمصلحة العامة.
المخلص
نظرية الحاكم بأمر الله، التي تشير إلى فكرة الحكم المطلق والسلطة الإلهية، ترتبط بفكرة المخلص في نهاية الزمان في عدة جوانب دينية وثقافية. في فترات الأزمات السياسية والاجتماعية، يزداد البحث عن مخلص يرجع النظام ويحقق الاستقرار، يُعتبر المخلص بمثابة الأمل في تغيير الوضع الحالي، تُستخدم فكرة المخلص لتفسير الأحداث التاريخية الصعبة، حيث يُعتقد أن الفترات الصعبة هي تمهيد لظهور المخلص، يُعزز هذا الإيمان من قدرة المجتمعات على الصمود في وجه التحديات العديدة. العديد من الحكام الذين يتبنون نظرية الحاكم بأمر الله يستخدمون فكرة المخلص لتعزيز شرعيتهم، يعزز هذا من موقفهم كقادة روحيين قادرين على توجيه المجتمع نحو الخير، قد يستخدم البحث عن المخلص كوسيلة للهروب من الواقع المرير الذي يعاني منه الناس، يؤدي هذا إلى تعزيز الأمل في تغيير مستقبلي أفضل، تجعل هذه الأسباب من فكرة المخلص جزءاً من النظرية العامة للحاكم بأمر الله، حيث تعبر عن الأمل في تحقيق العدالة والطمأنينة في عالم مليء بالتحديات. يعتبر البحث عن المخلص تعبيراً عن الحاجة البشرية إلى الأمل والتغيير، يعتبر دور المخلص في تحقيق العدالة الإلهية محوراً مهماً في العديد من التقاليد الدينية والفلسفية. يعبر عن الأمل في مستقبل أفضل ويعمل على تعزيز القيم الأخلاقية والعدالة في المجتمع، مما يساهم في بناء عالم أكثر توازناً وإنصافاً، أن مفهوم المخلص يختلف من دين إلى آخر، لكنه يظل مرتبطاً بفكرة تحقيق العدالة والأمل في مستقبل أفضل. في جميع الأديان، يعتبر المخلص رمزاً للحق والخير، ويعبر عن تطلعات البشرية نحو السلام والعدالة. أفلاطون في جمهوريته يقدم مفهوم العدالة وكيفية بناء مجتمع مثالي، كذلك نظرية المخلص في آخر الزمان ونظريات اليوتوبيا تعكس السياقات الاجتماعية والسياسية في فتراتها، فالأزمات والتحديات في المجتمعات تدفع المفكرين للبحث عن حلول مثالية، يمكن القول إن هذه النظريات مترابطة تاريخياً، حيث تشترك في التأمل في طبيعة المجتمع والعدالة، وتظهر كيف تغيرت الأفكار عبر الزمن استجابة للتحديات الاجتماعية والسياسية. لكن تحقيق العدالة والاستقرار في المجتمعات الحديثة تدعو إلى تبني نماذج حكم أكثر ديمقراطية وشمولية تضمن حقوق المواطنين وتعزز المشاركة الفعالة في صنع القرار.
***
غالب المسعودي

في المثقف اليوم