قضايا
عبد الأمير كاظم زاهد: اصوليات العنف ظاهرة تعمل خارج التاريخ
يتساءل الانسان لماذا انتشرت اصوليات العنف في أرجاء الوطن العربي وبلدان العالم الإسلامي؟ ولم نمت ظاهرة أصوليات العنف تحت مدعيات دينية؟ بل لماذا لم تتخذ الأيديولوجيات القومية واليسارية والأحزاب القطرية والحركات العرقية أساليب تشبه أساليب القتل والهدم والتخريب والتدمير التي تتخذها جماعات العنف (التكفيري) لتحقيق أهدافها السياسية والفكرية؟
دعوني أعترف أن هذا السؤال معقدّاً جداً ويتطلب إجابه موضوعية عميقة وشاملة ومتأملة وتتساءل هل الإشكالية في النص الديني؟ او في طريقة فهم الدين؟ او في طريقة مقصودة لصناعة فهم للدين يقلب الحقائق فيحول أرادة السلم الى إرادة التدمير ويحول إرادة التسامح الى التعصب وإرادة الخير الى الشر المستطير.
يقيناً ان النص الديني الإسلامي وعلى مدى أربعة عشر قرناً او يزيد كان نصا احتوى على السلام والتسامح وحرية المعتقد وكان نصاً صريحاً يؤسس لهذه القيم تاسيسا لا لبس فيه على الاطلاق.
اما قضية فهم الدين أو فهم النص الديني فان المدرسة التي تقدم المعرفة الدينية بأسلوب تلقيني وتضفي قداسة بالغة على اراء البشر وتختزل الدين كله بشخص ما فانك ترى اصحابها لايوردون نصاً قرانياً او حديثاً متفقاً عليه لتاسيس مفهوم او حكم بل يستشهدون باقوال (فلان وفلان). من علماء القرون الوسطى القرون التي اتسمت بالخيبة والانهزام ويستدلون عليها بنص ديني ضعيف الدلالة او بتاويل سقيم
وتتعمد هذه المدرسة مجانبة العقل والعقلانية وتتهمها بالكفر والمروق عن الدين و يشمل ذلك كل المشتغلين بالفلسفة والمنطق والفكر الحر والنقد العلمي والحداثة في التعاطي مع المعرفة والمنهج النقدي، كما تتهم عدداً كبيرا من فرق الإسلام ومذاهبه بالبدعة والضلالة وبذلك تعطل التفكير، وتلغي فعاليات نقد التراث وتعده اساءه وتجني على رموز الامة والائمة الاعلام، وبذلك تخلق هذه المدرسة (دوغماً) هائلة الأثر امام التصور السليم لطبيعة الدين وحقيقته ودوره ووظيفته في الحياة ووكل تلك الدوغما من صنع الانسان الذي استخلفه الله على الأرض.ليقيم العدل والسلام ويكرم الانسان ويتبنى قيم الحرية والموضوعية
والأخطر ان هذه المدرسة تلغي تماما حق الانسان في الحياة، وهو حق أساسي وطبيعي وجد قبل الاديان وقد ترسخ بالاديان واعتبر حقاً ممتازاً في شرائع الفكر الإنساني وقوانين الأرض اذ أن حق الحياة حق خالص أعترف به المؤمنون وغيرهم من البشر ولكن مدرسة التعصب انفردت باباحة اهدار ذلك الحق. واهدرت حقه في نمط الايمان بمعتقدات تحصلت عنده من خلال البيئة الثقافية والاجتماعية والادلة العقلية التي توفرت له .فالإيمان المعهود هو عباره عما توفر للإنسان من إمكانيات متاحة للفهم والفكر، وتبقى البرهنة والمناظرة والحوار هي الطرق لتصحيح الاعتقادات والمفاهيم والأفكار وليس القوة والسلاح وتدمير البنى التحتية تحت مسمى (الجهاد) الذي يعتبر ارفع الوسائل واسماها في الدفاع عن الحقوق الطبيعية للبشر فالجهاد جعله الله وسيله للدفاع عن الحقيقة والانسان وعن السلم والتضامن بين البشر
وعليه: لا يسع احدٌ من الناس أن يقول أن النص الديني الإسلامي هو الذي ينتج الإرهاب والعدوان واستخدام العنف والقوه ضد المخالفين كما تفعل العصابات المسلحة المتطرفة التكفيرية التي تلبس لبوس الدين.
بل: الذي ينتج ذلك الإرهاب هو السلوك العصابي الذي صاغ الفهم الذي تدعيه تلك الجماعات للدين والنص الديني هو فهم (ناتج عن قصدية تسعى لتحقيق مرام خاصة) صممت في دوائر ظلامية تهدف الى زعزعة الاستقرار في مجتمعاتنا وتسعى الى افشال تنمية الأوطان
وانما ارتكز ذلك التشويه العصابي على الدين والتدين والايمان فلكي يخدع الالاف من الجهلة المغرر بهم ليكونوا أدوات لهذا الجموح العدواني التتري والاجتياح البرري للحياة وللسلم وللبيئة الانسانية.
فاذا انتهينا الى براءة الدين الإسلامي من تأسيسه للعنف، وعرفنا ان هذا الفهم المعوج ليس فهماً معيارياً بحسب ضوابط تحليل النص والاستنباط منه. عرفنا أن (اسلوباً) مخططاً يراد منه ان تبقى بلداننا تغرق بالدماء والكراهية والفقر والمرض والجهل وتظل شعوبنا تشتري السلاح بأموالها وثرواتها التي يلزم أن تكون أدوات لإسعادها ورفاهيتها. وتتحول هذه الاكوام من الأسلحة. بعد ذلك الى كارثه بيئية في بلداننا .
سؤالنا الأساس : اذا كان الله تعالى الرؤوف بعباده وهو الرحمن الرحيم لايقبل ان يعبده الناس اذا كان الطريق الى عبادته هو الاكراه والقتل، افنحن اذن نكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟
وفي تقديري : ان الذي يساعد على اعانة هذه الموجه السوداء في تاريخنا المعاصر، ان النخب السياسية والفكرية قد أخفقت في بناء وعي علمي لدى الانسان المسلم، والى جنبه فشل نظامنا التعليمي ولاسيما نظام التعليم الديني من ان يشخّص الخلل ويحصّن الانسان حتى لا يقع في حبائل ومصايد التطرف وعصابات القتل والنهب وفكر الكراهية والتكفير.
وما ساعد ايضاً هذه الموجة السوداء فشل برامج التنمية وبقاء شريحة من الناس دون الكفاف (تحت خط الفقر) بحيث يتحول الجوع والعوز الى نزعة للانتقام والقتل وتنعدم المناعة من تبني الجريمة ويساعد على ذلك ايضاً عدم الاستعانة بما يرفع ذوق الانسان ويهذب حواسة، ويسمو بادابه وكمالاته النفسية والروحية أي اهمال في التربية الروحية والنفسية والأخلاقية .
في النهاية ليست عصابات العنف الديني ظاهرة تاريخية وناتج طبيعي في مسار وصيرورة الانسان انها (استثناءات طارئة) تنمو وتتصاعد متى تردى وعي الناس تردياً هائلا كما هو الان – واستشرى الفقر الفكري وتكاسلت النخب من ان تؤدي واجبها التاريخي .
***
ا. د. عبد الأمير كاظم زاهد