قضايا
أسيل العزاوي: أنا لست نسوية!!
دور المرأة المثقفة في تخريب النسوية
هذا المقال لا يهاجم المرأة بالمعنى العام - وإنما يرصد التحيزات الثقافية للمرأة في نبذ وتخريب الحركة النسوية ضمن توصيفات سياسيات الهوية والجندر، وكيف ساهمت بعض النساء في تأصيل الوصاية الأبوية من خلال رفضهن الحركة النسوية. وعدها حركة نضالية عنصرية تنادي بها أقلية جنسوية ذات مبادئ متطرفة وغير أخلاقية. وانعكس شذوذ هذه الحركة سلبا على العلاقة التي تجمع الرجل بالمرأة. إذ عملت الأنظمة الذكورية على تشويه النسوية من خلال تطبيع أهداف الحركة ونضالها بتصورات معادية لوجود المرأة وشرفها وكرامتها، وتمثل هذا الرفض بمحورين: إذ أرتكز المحور الأول على تشويه النسوية اجتماعيا وثقافيا عندما دمغها بالفوضى الجنسية، وحينما اشتغل المحور الثاني على تفكيكها أدبيا وفكريا بوصفها موضة نسائية تفتقر إلى خطاب المعرفة والمقاومة. ووفقا لهذا المعنى حاربت بعض النساء المثقفات الحركة النسوية؛ لأنها لا تتفق مع بعض توجهاتهن المشبعة مسبقا بالثقافة الذكورية، وهن يتمتعن في الآن نفسه ببعض مكاسب النسوية. وبينما لم تعر الآخريات اهتماما للنسوية؛ لأنهن ولدن في ظروف مناسبة ويتمتعن بعض الامتيازات الطبقية والاجتماعية، وهذا ما جعلهن يتجاهلن تاريخ الحركة النسوية ونضالها الطويل، أو إبداء تعاطف خجول أو تغافل مقصود مما تعانيه باقي النسوة اللاتي وقعن ضحايا العنف والإقصاء والتهميش والجهل والتمييز العرقي والطبقي. ومن جانب آخر انعكس التوجه الأيديولوجي والتمييز الطبقي والقصور الثقافي للمرأة المثقفة على النسوية العربية بوصفها حركة تخريبية وليست حركة حقوقية تصارع الأنظمة الأيديولوجية والطبقية من أجل تكمين المرأة.
وسعت الأنظمة البطريركية في الثقافة العربية بتمرير خطابها العنصري ضد النسوية ومكاسبها من خلال تعبئة الهوية الجندرية بمقولات تشويه القيم، بوصفها حركة غربية رأسمالية تهدف إلى تشيؤ المرأة. واستطاعت السلطة الأبوية في بث خطابها الأيديولوجي في سياسيات الهوية، إذ جعلت المرأة إحدى أدواتها في معارضة النسوية ونبذها. مع تأكيد على أن الأنظمة الأبوية هي أنظمة حتمية في تقسيم الأدوار الجندرية بمفهومها الاجتماعي والديني والاقتصادي والسياسي بين المرأة والرجل. وبوصفها أنظمة أخلاقية تحمي النساء وحقوقهن وتحافظ على هويتهن الطبيعية من الفوضى الجنسية لذا أصبحت المرأة المثقفة تتحرك في فضاء ثقافة ذات نزعة ذكورية، وتؤمن بالتعبية الذكورية، وأنه لا معنى لحريتها والمقاومة من أجل انتزاع حقوقها إذ كان نضالها يدخلها في صراع طويل مع الرجل. واستنادا لهذا الموقف تقبل المرأة أن تتخلى عن بعض كينونتها في ظل الرجل حتى لو كان لديها نفورا طبيعيا في بعض مواطن الثقافة السائدة.إذ ترى حريتها تتناسب طرديا مع وضعها البيولوجي ولا تريد أكثر من ذلك.
وللإجابة عما سبق، نرى أن النسوية ليست صراعا شخصيا مع الرجل، وإنما هي مقاومة للنظام الأبوي وسلطة الخطابات الأيديولوجية التي ساهمت في قمع المرأة وتهميشها، أي أنها تقاوم الثقافة المتحيزة ضد النساء. وهذا الفخ الدوغمائي الذي وقعت به المرأة المثقفة جعلها تكتب عن المرأة ضمن تصورات حالمة وهي تبرر حالات القمع والتهميش التي تمارسها الثقافة الذكورية على المرأة بوصفها حالات فردية، وعلى الرغم من أنها كانت هي السائدة في النمط الثقافي، ولم تقف عند هذا الحد ؛ بل تذيل كتاباتها أنها ليست نسوية. ومن جانب آخر يعود تنازل المرأة عن حقوقها أو تجاهل بعضها؛ لأن النسوية وصلت إليها متأخرة ومتداخلة بين موجاتها الأولى والثانية والثالثة. فضلا عن ذلك، أنها حركة اجتماعية معقدة توالت عليها التيارات الفكرية والفلسفية والنقدية في صياغة مقولاتها ومبادئها منطلقة من ثقافة مختلفة و تجارب نساء متنوعة ومتعددة، لذلك ظهرت فيها عدة تيارات وموجات وكانت هذه التحولات نتيجة لمكاسب متعاقبة حققتها المرأة حول العالم. وتبعا لذلك، وصلت النسوية بموجاتها المختلفة دفعة واحدة للمرأة العربية، وأثقلت تصورات النسوية المستوردة كاهل المرأة العربية وهي تعيش في ثقافة مختلفة ومغلقة، مما جعلها في حالة قفز وتخبط بين مكاسبها ونضالها. لاسيما إنها نابعة من بيئة وثقافة وتجارب نساء مختلفة. ونتيجة ذلك، تم شطر الحركة من تاريخها السياسي، وعدم الاطلاع على جذورها الفلسفية والاجتماعية. فاتسعت الفجوة المعرفية لدى المرأة المثقفة في تصديها لهذا الخلل الفكري في ترميم مفهوم النسوية اجتماعيا وثقافيا، إذ مازالت النسوية في الثقافة العربية وفق تصور المرأة لا يفهم منها سوى أنها تنادي بالتعري وتسليع المرأة.
وعلى وفق هذا التصور، رفضت المرأة المثقفة النسوية بوصفها حركة معادية تقتحم خصوصيتها وتخرب حياتها عندما نادت دفعة واحدة دون مقدمات بحريتها، وأصبحت النسوية في الثقافة الذكورية عارا لكل امرأة تعتنقها وتنادي بمكاسبها اجتماعيا، أما أدبيا تعد النسوية ديكورا كتابيا تنادي بنمط جديد لحياة المرأة لا يخضع لمعايير الواقع الاجتماعي. فضلا عن ذلك، أنها تحولت إلى نمط كتابي يمارس كتابته ونقده الرجال أكثر من النساء. وبالتالي تصبح النسوية كتابة استيهامية تمردية تعث فسادا في بطون الكتب ولا تخرج عن حدودها. لذلك تحتاج المرأة العربية أن تؤسس لحركة نسوية عربية ينطلق نضالها من وضع المرأة في العالم العربي وما تعيشه من تجارب اجتماعية وثقافية متحيزة وإقصائية. ولا يعني هذا أن تلتحم النسوية العربية مع أيديولوجيا المجتمع الذي تنبثق منه، على سبيل المثال لا حصر مثل النسوية الإسلامية، إذ لا تبحث الحركة النسوية في مجملها عن مسميات جديدة تتلائم مع الثقافة التي ترفض وجودها ومكاسبها، بقدر ما تحققه هذه الحركة في نضالها من ضمان حقوق النساء وحريتهن.
***
أسيل العزاوي