قضايا
الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي
أكد شيخنا ماركس (طاب ثراه) في كتابه "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي" إن نمط الإنتاج هو الذي يحدد الطابع العام للعمليات الاجتماعية والسياسية والروحية للحياة فليس الوعي الاجتماعي هو الذي يحدد الوجود الاجتماعي بل على العكس من ذلك يحدد الوجود الاجتماعي الوعي الاجتماعي.
لأن الأساس المادي للمجتمع هو الذي يتشكل عليه الوعي الاجتماعي وإن القوى الأساسية المحركة للتاريخ هي القوة الاقتصادية الاجتماعية.
وشيخنا يؤكد إن أساليب الإنتاج ونمطه هي التي تنتج علاقات الإنتاج وهي أساس الوعي الاجتماعي.
والوعي الاجتماعي عنده عبارة عن سلسلة من الأفكار والنظريات والآراء والأحاسيس الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تكون موجودة لدى الناس والتي تعكس حقيقتهم الموضوعية أي المجتمع الإنساني والطبيعة وبما إن الوجود الاجتماعي يتسم بالتعقد والتنوع فإن الوعي الاجتماعي يتسم أيضاً بالتعقد والتنوع ويشير التاريخ الاجتماعي إنه مع تغير الوجود الاجتماعي للناس يتطور أيضاً وعيهم الاجتماعي فتخفي الأفكار السابقة وتحل مكانها الأفكار الجديدة وهذا هو المنهج الجدلي في تحليل الوجود والوعي.
فهل نستطيع أن نثبت ذلك من خلال تحليل تحليل السلوك؟
ما السلوك؟
السلوك هو: "عبارة عن مجموعة من الاستجابات العصبية التي تتكون لدى الإنسان من خلال مثير طبيعي أو اجتماعي".
إن الاستجابات العصبية التي تتكون لدى الإنسان هي استجابات للأشياء المختلفة المحيطة به أي إنها تتكون بفعل هذه المثيرات وعلى أساسها سواء أكانت هذه المثيرات طبيعية أو اجتماعية.
ومن البديهي أنه لولا هذه المثيرات فإن الاستجابات العصبية لا تتكون ومن ثم لا تظهر إذ إن لكل مثير استجابة خاصة به تتكون عبر مراحل معينة وثابتة حيث إن هذه الاستجابة تبقى كامنة عند الإنسان ثم تظهر فيما بعد عند ظهور المثير الذي كونها.
كالخوف والفرح والحزن...
وعلى هذا الأساس فإن الاستجابات العصبية تعتبر الجانب الثانوي (التابع) بينما المثيرات المختلفة تعتبر الجانب الأولي المستقل.
إن سلوك الإنسان يتم في البيئة الطبيعية والاجتماعية المحيطة به وهو ما يعبر عنه بأنه نتاج لتفاعل الإنسان مع البيئة المحيطة به. وبذلك فإن مسألة معرفة عناصر السلوك أو شروطه تستلزم الأخذ بعين الإعتبار جملة المثيرات المختلفة والتي تمثل بمجموعها أشياء البيئة الطبيعية والاجتماعية المحيطة بالإنسان لأن استجابات الإنسان الدماغية ما هي إلا انعكاس حي لها فالمثيرات البيئية شرط لازم لإحداث أو لتكوين السلوك بمعية الإنسان وهي "الشرط المستقل" بينما استجابات الإنسان تابعة في تكوينها للبيئة أو لمثيراتها.
ومن هذا نستطيع أن نستنتج إن السيطرة على المثيرات البيئية تعني التحكم في السلوك.
وعليه فإن القانون الأساس لفهم السلوك هو قانون "المثير - الاستجابة".
لهذا السبب فنحن لا نستطيع أن نسيطر على السلوك-خاصة إذا أردنا أن نعالج سلوكا منحرفا- إلا من خلال إثارات ملائمة فالسيطرة على المثير تعطي المفتاح للسيطرة على السلوك.
يتضح لنا إذن حتمية توفر عنصرين أو شرطين لتكوين السلوك عند الإنسان:
أولهما: وجود المثيرات البيئية (الطبيعية والاجتماعية).
ثانيهما: وجود الإنسان الذي تتكون لديه الاستجابات العصبية لتلك المثيرات البيئية.
وبذلك فإن الاستجابة العصبية هي "الشرط التابع"ما دامت الاستجابة العصبية لا تتكون إلا بوجود المثير بينما المثير يمكن اعتباره "الشرط المستقل" ما دام هو الذي يكونها.
وهنا نستطيع أن نؤكد صحة مقولة شيخنا ماركس (طاب ثراه) فالوجود الاجتماعي هو الجانب الأولي وهو المثير المستقل والوعي الاجتماعي هو الجانب الثانوي وهو التابع.
هذا في أول مرة يعرض فيها المثير وعبر مراحل معينة وثابتة. أما بعد ذلك فإن الاستجابة العصبية تبقى كامنة لدى الإنسان من دون أن تنعدم وقد تظهر من دون المثير الذى كونها. كما إن ظهور الاستجابة الكامنة عند الإنسان لا تمر بمراحل كما في حالة تكونها. ويستطيع الإنسان تكرار عملية ظهور الاستجابة الكامنة بعرض مثيرها (اصطناعيا) مرة ثانية ويحاول تغييرها وما يتفق ومنفعة الإنسان ومصلحته.
وبديهي إن مثل هذه المحاولات في التغيير هي من السمات البارزة التي تميز الإنسان عن الحيوان إذ إنها توضح لنا الفرق الجوهري بين استجابات الإنسان والحيوان العصبية إزاء المثيرات المختلفة فالحيوان يستجيب بشكل آلي مباشر أما الإنسان فيمانع أراديا وأحيانا حتى بشكل لا إرادي.
***
سليم جواد الفهد