آراء
الحسين بوخرطة: جيل Z وتحديات المشاركة السياسية

تابع المغاربة، بتمعّن شديد، التطورات التي شهدها المغرب خلال النصف الثاني من سنة 2025. فقد عاش الوطن تفاعلاً سياسيًا يمكن وصفه، في عمومه، بالإيجابي، رغم ما شاب بعض فصوله من حوادث عنف محدودة هنا وهناك. ومع ذلك، يظلّ الحدث في مجمله محطة متميزة في المسار السياسي والدستوري للمغرب المستقل، تكرّس فيها معنى نعمة الاستقرار وبرزت فيها ثمرة نضالات أجيال متعاقبة، تفاعلت مؤسساته الرسمية في ما بينها بحثًا عن السبل الكفيلة برفع مكانة الوطن إلى أن استحق نعته اليوم ب"المغرب الصاعد".
لقد أهلت التراكمات التي حققها الشعب المغربي، بوعيه وإصراره ونضالات قواه الحية، وطنه ليغدو بلدًا ناميًا مدركًا لتحديات الحاضر ورهانات المستقبل، قادرًا على التكيّف مع الأزمات والمحن. وقد مكنه هذا التميّز، الذي نما بفضل يقظة وتضحيات أجياله السياسية وحكمة مؤسساته، من اكتساب موقع ريادي على المستويين الإفريقي والعربي.
اليوم، وبينما يعيش المغاربة ظاهرة جديدة أُطلق عليها "جيل Z السياسي"، يجد هذا الجيل نفسه أكثر انسجامًا مع طموحه في أن يشكل قيمة مضافة في مسار تقوية النسق السياسي وتجويد أثره التنموي وتطوير فعاليته. لقد كُتب للمشهد السياسي المغربي أن يمرّ بمخاضات واضطرابات متكررة، وهو يسعى إلى إيجاد السبل المستنيرة للتوفيق بين القطاعين العام والخاص، وبين الرغبة في رفع نسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات الوطنية. ومن خلال هذا الحراك، برزت لدى الشباب إشكالية عميقة تتعلق بترابط الانتخابات مع الديمقراطية والتنمية المستدامة.
لقد أصبح واضحًا اليوم أن تعزيز الميول الشعبي، خاصة لدى الأجيال الشابة، نحو المشاركة السياسية، لم يعد منفصلاً عن مطلب الرفع من مستوى تخليق العمل السياسي الديمقراطي. فلم يعد التصويت مجرد مؤشّر رقمي دولي لتشكيل المؤسسات، بل تحوّل، في نظر كل الفئات العمرية، إلى رهان مجتمعي عميق يروم تعميق التفكير المؤسساتي التضامني في تسريع وتيرة التنمية، وتحقيق المساواة والحكامة التدبيرية في مجالات التربية والتعليم والتكوين والصحة، وضمان التوزيع العادل للثروة والمتعة والسعادة على امتداد التراب الوطني.
إن ما تحقق في المغرب اليوم ليس معزولًا عن طموحات الماضي ورهانات الحاضر وتحديات المستقبل. فقد ترسّخ في الأذهان الفائدة من النضال الديمقراطي من داخل المؤسسات ترسيخًا لا يسمح بالارتداد إلى الوراء. واستطاعت المنظومة السياسية المغربية التفاعل بذكاء مع تقلبات النظام العالمي خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين، متجاوزة صراعات الحرب الباردة بين القطبين الغربي والشرقي، ومتأقلمة مع تحولات ما بعد سقوط جدار برلين وبروز النظام العالمي الجديد. واليوم، في خضم أزمة "إشباع المنظومة الليبرالية" وتنامي الخطابات اللاشعبية، يجد المغرب نفسه من جديد، ملكًا وشعبًا ومؤسسات، أمام ضرورة تعميق التفكير الحكيم لإيجاد مخرجات ريادية تُسرّع التنمية الاجتماعية وتضمن العدالة المجالية وتسخر التكنولوجيات الحديثة لتطوير التواصل الثقافي والمعرفي.
أحد أبرز المطالب السياسية الراهنة يتمثل في الرفض الشعبي المتنامي لأولئك الذين اختزلوا السياسة في وسيلة للاغتناء السريع والاستيلاء على حق الآخرين في الكرامة والعيش الكريم. ومع اقتراب استحقاقات 2026، عبّر الرأي العام عن استيائه من فئة لا تملّ من ابتداع الأساليب الملتوية لتسخير الوساطة السياسية لخدمة مصالحها الخاصة، بعيدًا عن هموم المواطنين وتطلعاتهم. إنّه تيار يسعى إلى تكريس هيمنته على مراكز القوة والثروة، مفضّلًا توسيع قاعدته التابعة على حساب الجماهير الشابة التي تمثل الطاقة الحيوية للأمة.
لقد كانت التوجيهات الملكية للعهد الجديد واضحة منذ البداية: المسؤولية الملقاة على عاتق الجيل الصاعد هي التعبير اليومي، بسلمية وحكمة، عن قدرته على الإسهام الفعلي في الرفع من مستوى الرضا الشعبي عن نجاعة السياسات العمومية وشفافيتها، بما يعزز الثقة في النخب المقبلة. فالبلاد في حاجة ماسّة إلى إشراك الشعب في التفكير وصنع الحلول السياسية اليومية، حتى تكتمل ملامح الأمة المغربية المنشودة، القادرة على المنافسة إقليميًا وجهويًا وعالميًا.
منذ الاستقلال، سعت الدولة المغربية إلى بناء فضاء مؤسساتي يحتضن الجميع، قائم على المردودية والتفاعل الإيجابي مع الأفراد والجماعات. هذا الفضاء هو القادر على قيادة التغيير بخطى ثابتة، دون مغامرة، في سبيل ربط الوطن بخدمة مواطنيه عبر تجديد آليات التربية والتعليم والتكوين، لبناء نسق سياسي يضمن ديمومة الجودة في صناعة النخب. وقد عبّرت مختلف المؤسسات الوطنية، الحامية لوحدة الوطن وسيادته، عن إرادتها الراسخة في تكثيف الجهود لتغليب منطق الكفاءة والمسؤولية، وربطها بالمحاسبة المؤسسية والانتخابية.
ما حققه المغرب مدعاة للفخر. فإلى جانب ما شُيّد من بنى تحتية وتجهيزات اقتصادية كبرى، أضحى ترابه، بشهادة المتتبعين، فضاءً آمنًا وجاذبًا لحركية رؤوس الأموال والكفاءات البشرية شمالًا وجنوبًا. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تأهيل الوطن لاستقبال ولادات جديدة، تجعل من فضاءات الطفولة والشباب مجالًا للتنشئة الخلّاقة والمنتجة، وترفع من جاذبية جماعاته الترابية داخليًا وخارجيًا، لتغدو حتى مناطقه الجبلية والواحاتية والصحراوية فضاءات مضيافة غنية بالفرص ومحافظة على تراثه المعماري وعلى قيم المساواة والاستحقاق ومقومات العيش المشترك.
واستحضارًا لما سبق، تجد أجيال الحاضر والمستقبل نفسها أمام تحدٍّ يتمثل في تعزيز تلاحم النخب الجادة بروح بنّاءة، تضمن لثورة الملك والشعب، ولشعار المملكة "الله، الوطن، الملك"، في سياق الاستمرارية، انطلاقة جديدة. فالتحدي الأكبر اليوم هو تحويل الفاعل السياسي إلى قدوة تُعلّم الأجيال حبّ الوطن، والجدّ في خدمته، وجعل ترابه فضاءً رحبًا يحتضن أبناءه، ويورّثهم قيم العمل الوطني ومعنى الافتخار بالانتماء.
وفي الختام، يمكن القول إن المغرب في حاجة ملحّة إلى حوار وطني لتجديد مفهوم الفاعل السياسي ومنطق انتقائه باستحضار القيم النبيلة للمشاركة السياسية. فعلى الفاعل الشاب، الذي أصبح صوته مسموعًا، أن يواصل التفكير بعمق في إشكاليات تتعلق بتكافؤ الفرص والتنمية الاجتماعية والعدالة المجالية. فلا سبيل لربط التنمية بالديمقراطية إلا عبر المشاركة الفعلية. إن ورش تأهيل الشباب لخدمة الوطن ورهان بناء المستقبل يتطلبان مجهودًا مضنيًا، وقد قطع المغرب فيه أشواطًا مشرفة تستحق التقدير والثقة.
***
الحسين بوخرطة