آراء

مؤيد آل صوينت: المجتمع الشيعي واحتكار التمثيل

يُعاني المجتمع الشيعي خللاً بنيوياً واضحاً في طبيعة التعاطي مع مُفهوم النُخبة، هذا الخللُ يتجسّد في طبيعة الجهاز الواصف للمفهوم والخيارات المُتبنّاة من قبل المجتمع الشيعي تجاه هذا المفهوم والمصاديق التي تُعبّر عنه، تاريخياً، احتكرَ رجل الدين الشيعي التعاطي الكُلياني مع نشوء مفهوم الدولة في العراق بمعناها الحديث، ورغم أن مفهوم رجل الدين بحدّ ذاته بحاجة إلى مراجعةٍ منهجيّةٍ حقيقيةٍ بوصفه مفهوماً دخيلاً على معجم المنظومة الفقهية وعلوم الشريعة إذ لم يرِدْ في الأدبيات الحديثية عند فرق المسلمين، غير أنّه بثّ دلالات مشحونة اكتسبت قيمتها بغياب الخطّ الموازي القائم على المراجعة والتساؤل، ليغدو رجل الدين بنزوع استعادي قائم على تراث المقدّس من جهة، وبصياغة استبعادية لكلِّ صوتٍ يحاول إعادة صياغة العلاقة بين اللاهوتي والحياتي على نحوٍ يعكسُ طبيعة و وظيفة وقدرات كلّ مسار على حِده، لذا، نجد أن التعاطي الشيعي مع صياغة الأُطر التأسيسية الناظمة لكيان الدولة لم يكنْ عن طريق النخب التي تنتمي إلى الحقل الذي يُمارس دوره بحسب المرجعيات المعرفية المُتصلة مع بدايات هذا التأسيس، وإنما جرى التعاطي معها باحتكار رجل الدين لمفهوم النُخبة ودورها في كيفية هذا التعاطي، يتجلّى ذلك بوضوح في الممارسة السياسية البِكر بعد عام 1921 التي تخصّ المراجع الثلاثة الكبار وموقفهم من انتخابات المجلس التأسيسي عام 1922، لستُ بصددِ تقييم هذا الموقف وبيان جدواه من عدمها، ما يهمُّني تحديدا هو الكشف عن غياب تمثيل نخبوي حقيقي للمجتمع الشيعي للتعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى بعيداً عن رجل الدين، ليغدوا هذا الموقف مساراً ثابتاً جيّره رجل الدين في احتكار القرار والتعاطي مع هذه القضايا وإن كان بحكم الواقع والتجربة غير قادر على الإلمام بطبيعتها الكليّة فضلاً عن تفاصيلها الدقيقة. رسم هذان الخطاّن: احتكار رجل الدين لمفهوم النخبة وتمثيلها في أدبيات المجتمع الشيعي من جهة، وايمان هذا المجتمع اليقيني الذي يرقى إلى مستوى العقيدة بصوابية خيارات رجل الدين وتعاطيه مع القضايا المصيرية الكبرى على الرغم من افتقاده إلى الأُسس الضرورية لهذا التعاطي بحكم غياب التخصّص من جهةٍ أخرى، مثلاّ المسار الذي استدعته الطبقة السياسية الشيعية في رسم سياسات ما بعد 2003 للتعاطي مع مفهوم الدولة وملفاتها المتشابكة، مع بزوغ نزعة عدائية ذات طبيعة إقصائية في رسم العلاقة مع النخبة بشكلٍ عام والنُخبة الشيعية على نحوِ الخصوص، ساعدَ على ذلك التراكم التاريخي المتمثل في معارضة السلطة على طول الخط والتي حمل لوائها رجال الدين عِبرَ حقب زمنية طويلة، هذه النزعة الاحتكارية للتمثيل النخبوي للمجتمع الشيعي من قبل رجل الدين وما اختزنته من نزوع استبعادي للآخر تُمثّل –فيما أعتقد- السبب الرئيس لهذا المأزق الرهيب الذي أوصل البلد إلى حافة الهاوية، فبدلاً من قيام المجتمع الشيعي بكسر هذه النزعة الاحتكارية لهذا التمثيل المخطوف من جهة وغياب الفاعل النخبوي ونكوصه ويأسه وخوفه وترقبه من جهة أخرى، وقدرة رجل الدين في الحفاظ على موقعه والتحذير الممزوج بالتخويف على مستقبل الطائفة التي احتكر تمثيلها واختزالها بذاته، رغم كلّ هذا وما شايعه من صيروراتٍ حياتية لامستْ واقع الحياتي والديني على نحو سواء، نجدُ أنّ هذا المجتمع وطبقته السياسية تهرعُ إلى غير المختص في كلّ أزمةٍ بدلاً من الذهاب إلى الحقل العلمي الذي يكشفُ عن أسباب الأزمة وطرائق حلّها إن وُجدتْ!

***

د. مؤيد آل صوينت – كاتب أكاديمي

 

في المثقف اليوم