آراء

عبد الأمير الركابي: التحدي الابراهيمي والانحطاط الشرق متوسطي؟ (1-2)

من اهم مظاهر الانحطاطية الشرق متوسطيه المستمرة منذ اكثر من سبعة قرون، غياب التحدي الابراهيمي من الاهتمام العقلي، على افتراض وجود مايدل على حضوره الفعال باية درجه ومستوى، وفي مكان وموضع من المعمورة، تعبيريته الرئيسية والاهم عن ذاته، نبوية حدسية ابراهيمية، لم تحضر هذه على الاطلاق من بين مايمكن اعتباره مجالات وموضوعات جديره بالمراجعه، بحثا عما يمكن ان يكون مساعدا على عبور حالة التردي الشامل وتوقف عمل الديناميات التاريخيه المجتمعية، هذا على الرغم من تعاظم الرغبه باللجوء لمتبقيات هذا المنجز، ومحاولة بعث فعاليته المتوقفه عن طريق تكرار نماذجه ومناسباته الفعالة المنصرمه، والتي غدت من الماضي، وادت المطلوب بناء على اشتراطات زمنها الذي انقلب وتغير مع حضورها، لنغدو بعدها، وبعدما وجدت، مشمولين بمفاعيل زمن اخر كمثل الاسلام الختامي وماتحقق بفعله انتشارا وفعالية امبراطورية دامت لاكثر من خمسة قرون، وكرست الانتشار المفهومي شرقا وصولا الى الصين وغربا حتى غرب اوربا.
والاشكال الاكبر والعقبة الكاداء لهذه الجهه، ان الابراهيمية والنبوية العملية منها كالمسيحية والاسلام، لايخضعان عقليا للتاريخانيه، وانهما مع جملة النبوية خارج فعل الزمن والتاريخ، فليس لهما ماض وحاضر ومستقبل، وهذه الصفة المتعدية للتاريخ تناسب مصدرهما الالهي فوق الزمني، والذاهب بهما الى انتهاء الوجود البشري على كوكب الارض/ القيامه، مايعني كونهما حضور عالم آخر في قلب الحياة الارضية المجتمعية المادية، تاخذها لمافوق ارضوية.
هذا في حين سادت مع الحضور الاوربي المتاخر الالي على مستوى المعمورة، نزعه متشبهه بالمصدر الغالب تفكرا ونموذجا، تكرس الارضوية ومايعرف بالعقلانيه والعلم، بما يخرج المنظور المعروف بالديني من دائرة الاهتمام، وصولا لالغائة كضرورة وموجب حياتي فضلا عن الخياراو احتماليته على مستوى الحياة المعاشة وتنظيمها، قابله في هذا الموضع من العالم نزوع مضاد سلفي انبعاثي، تعددت اشكاله كصيغة دفاعية بلا فعالية منتظره، حضور الغرب ومثله ومفاهيمه الحداثوية ظل يعزز انبعاثها، من دون اية حصيله يمكن احتسابها على صعيد مضاهاة الواقع عالميا، بعد الانقلاب الالي ونهوض الغرب، او الخروج من دائرة وعالم الانهيار الانحطاطي المستمر.
لم تخطر على البال على الاطلاق، احتمالية وقوف المنطقة الابراهيمه الشرق متوسطية امام مفترق تاريخي ابراهيمي، يخرج بالتعبيرية الكونية التاريخيه من عالم غير المدركة خلفيته الى الواقع والمعاين، بمعنى الثورة داخل الابراهيميه، ومع ان الغرب قد شرع كابتداء وتمهيد في وضع اسس النظر الى الظاهرة المجتمعية التي كانت خارج الادراكية العقلية على مدى تاريخ البشرية، الا ان ماقد تحقق في مجال "اخر العلوم" لم يكن قد وصل الحد الضروري واللازم لاجل مقاربة ماهو مطلوب ومساعد على ظهور مايمكن ان يفتح الباب، امام طور اخر تكميلي مناسب للمرحلة التاريخيه من الرؤية اللاارضوية النبوية بصيغتها الحدسية الاولى، فلقد كان المطلوب وغير المتوفره اسباب بلوغه بعد، اماطة اللثام عن الحقيقة المغفله غير المكشوف عنها بما خص المجتمعات ونوعها، واذا كانت كما هو سائد وغالب، واحدة ام اكثر نوعا، وصولا الى التعرف على ثنائية النمطية المجتمعية اللاارضوية/ الارضوية.
وقتها كان من الوارد او يصير من المعقول التفكير بمصدر اخر واقعي وملموس للتعبيرية الاخرى النبوية الابراهيمه، فضلا عن ان يحضر التفكير بضرورة وامكان ان تكون الرؤية المذكورة خاضعه، وان بحسب شروطها وكينونتها، للتاريخانيه وللتطور نوعا، ومع ان الغرب قد اكتشف وقتها بان التعبيرية الفوقية نتاج البنية التحتية، الاانه ظل يرى في التعبيرية النبوية صيغة وحيده ماورائية دينيه، نافيا عنها صفة المجتمعية ولو من باب الاحتمال، ولايقف الامر لهذه الجهه عند النوع والنمطية المجتمعية من دون مكمله، والعامل البنيوي التكويني البشري وازدواجية كينونته العقلية الجسدية، الامر الذي يسهم في تعميم اشكال الرؤية المعتبرة ماورائية كطور من اطوار مسيرة العقل، كما قرر الغرب اعتباطا بحسب هيغل على الاقل، متنقلا بالعقل من الاسطورة، الى الدين، الى الفلسفة، بينما الواقع ان ماعرف من تعبيرية هو الاخر ثنائية، ابراهيميه نبوية شرق متوسطية، وفلسفية اغريقية مقابلة من نوع وصيغه اخرى، هي قمة التعبيرية الارضوية مقابل التعبيرية اللاارضوية الشرق متوسطية.
هل الانتقال من اليدوية مجتمعيا الى الاله يغير شكل التعبيرية اللاارضوية واعلى صيغها واكملها النبوية الابراهيمه؟ لقد قلبت الاله الغرب الاوربي على الصعد كافة، وغيرت منظوره للاشياء وللكون كما كان ممكنا، وبحسب مامتاح ومتوفر من قدرة المجتمعية الارضوية الاعلى ديناميات ضمن نمطيتها وصنفها بسبب الازدواجية الطبقية، على التفاعل مع الطاريء الانقلابي النوعي، غير ان هذا ليس اخر ولانهاية مامتضمن في الانقلابية الالية على مستوى المعمورة، بانتظار شمولها العالم بعد اوربا الرائدة، ومطلقة الانقلابيه المفهومية والمجتمعية الابتداء، وهو مالن يكون النهاية، ولا اخر ماسيترتب على الحدث التحولي الحاسم، وخصوصا بما يتعلق بالجزء من العالم المعروف بالشرق الاوسط الابراهيمي، الاسبق تبلورا مجتمعيا، وصياغه تاسيسية بدئية للحياة البشرية، وللتعبيرية الكونية الازدواجية الاكمل، فاذا كانت الالة لم تنبجس ابتداء في هذا الموضع بالذات، وظهرت مقابله على الطرف الاخر من المتوسط، موضع التفاعلية التاريخي مع الجانب الشرقي، فان ماعرف وحدث الى اليوم لن يكون النهاية، ولا اخر مامنتظر كونيا.
بالتوقف عند باب التعبيرية اللاارضوية الشرق متوسطية باعتبارها مجتمعية غير مدركة، وقف العقل البشري بسبب قصوريته الابتدائية دون الكشف عن خاصياتها ومصدر تعبيرها، ليس من المستبعد ان نجد المحركات المتزايدة الفعالية مع الوقت وزيادة اسباب التردي الثاني، بعد فترة التماهي الاولى مع الغرب، الغالبة اليوم، والسائدة كانحطاطية ثانيه، شامله بعدان انتفت وخرجت من الحسبان الاسباب المتوهمه عن اللحاق بالغرب لمجرد الرغبة ووطاة العجز عن مقاربة الذات والاخر.
فلنتوقع اليوم ومن هنا فصاعدا، بدء الاضافة النوعية اللاارضوية المعتادة بصيغتها الراهنه، الموافقه لطبيعة هذا الجزء من المعمورة، ولمقتضيات حقيقة الوعي الكوني بعد الانقلاب الالي، لاارضويا، بانتظار الثورة الكبرى في علم الاجتماع ومترتبات البنية التعبيرية الموافقه للانقلابية المجتمعية اللاارضوية الالية، بعد النبوية اليدوية، وهو مايمكن تخيله كمسار انتقالي كوني مستجد، من المنتظر ان يكون هو الانقلاب الكوني الفعلي المواكب لظهور الالة وقد شارف على الانبثاق، بمقابل احتمالية اخرى هي الفناء.
ـ يتبع ـ
***
عبد الأمير الركابي

في المثقف اليوم