آراء

عبد الأمير الركابي: خطوة فاصله قبل الابراهيميه "الصهيو/ ترامبيه" (2-2)

يبقى الحاصل ومايحدث خارج الادراكية بظل زحمه التصورات الايديلوجية المتهالكة ومجمل التصورات القصورية الارضوية على تعدد مصادرها بحسب الغلبه والترسخ التاريخي، مايجعل الاحداث والتغيرات تحصل من دون تعيين مطابق، الامر البديهي في مكان من العالم وعية تراكمية انحدارية انحطاطية، الاولى التي اعقبت سقوط بغداد عام 1258،والثانيه التي تبدا مع توهم النهضوية مع القرن التاسع عشر تناغما استعاريا مع المتغيرات الاوربية الالية الحديثة، ومعها اشكال النظم والافكار مدعية الحداثة في غير مكانها ومناخها، مع كل التفاصيل المترتبه على هذا المسار القابل للايجاز في محطتين، اولى انحطاطية ذاتيه تبدأمع القرن الثالث عشر، وثانيه انحطاطية توهمية باسم النهضة الزائفة المستعارة كردة فعل طبيعية، انتجها وكان متوقعا ان يتمخض عنها واقع منهار، وجد بمواجهة انقلابيه تاريخيه نوعية من الانتاجية والمجتمعية اليدوية الى الالية، قابلها بالتساؤل السطحي:"لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟" مع الجهل المطبق بخلفيات ماهو حاصل من انقلابية طورية على مستوى الظاهرة المجتمعية وطبيعتها.

وقد يخطر على البال التساؤل عن الداعي الى التذكير اليوم وبمناسبة الحدث الراهن بمنطلقات واسس كالمشار اليها اعلاه، بدل التركيز على الحدث الحاصل وتفاصيله، ومامتوقع بناء عليه من مترتبات وحصيلة، اي اتباع خيار النظر المتعارف عليه اتباعيا وايديلوجيا خارج الحقيقة المضمرة غير المكشوف عنها النقاب، مايجعل من المنظورات الغربية فضلا عن تلك التي بنيت باتباعها مجرد توهمة قصورية عقلية مادون مستوى الحدث الالي الحاصل، مطبقا على واتقع لم يعرف الانتقال الالي، مايزال يدويا من حيث محركاته الاساسية ليس بيده سوى استلهام الاخر وتصوراته الغالبة لغلبته الالية، واذ تزدحم الصحافة والاذاعات والتلفزيونات اليوم وهي تحلل وتفسر الحدث السوري، او تنقل رؤية القائمين به والذين تهيأت لهم اسباب الغلبه، فان المزيد من التيه وعدم التفاعل مع المعاش يتكرس مثلما هو الحال منذ اكذوبة " محمد علي" المصري و محمد عبدة والافغاني، و "محمد بن عبدالوهاب" ومالحق من اشكال تماهيات ايديلوجيه مقاربة للمعتبر مشروعا غربيا حداثيا، ليتكرس حال عالم بلا رؤية مستنده لاالى الحقيقة الانقلابيه الحاصلة ولا الى الذاتيه التاريخيه، ومن ثم والاهم بلا اتصال من اي نوع بجوهر المتغير الكوني الحال على المعمورة منذ اكثر من ثلاثة قرون والى اليوم، والاهم تبين التفاعلية المفترضة بين الاليات الذاتيه البنيوية التاريخيه للمكان، والمتغير الالي مع وطاته الابتدائية وتوهمية المنظور الغربي المواكب .

الانتقال من الانتاج اليدوي الى الالي هو زمن انتقال الكائن البشري اعقالا وادراكية للمنطوى المجتمعي الغائب، مافوق قدرة العقل البشري في حينه على ادراكه، بكشف النقاب عن الازدواج المجتمعي الارضوي، اللاارضوي ، واستمرار الاعتقاد الراسخ بوحدانيه المجتمعية الارضية وهو مايلازم الطور اليدوي من التاريخ المجتمعي البشري، كما يلازم الكائن البشري بصيغته ك "انسايوان"/ الجسد، قبل الانتقال الى "الانسان"/ العقل، وهو مالم يتحقق او تجري مقاربته عند ابتداء الانقلاب الالي الذي يحصل اصلا في الموضع الارضوي الاحادوي الاعلى ديناميات ضمن صنفه حيث الازدواج الطبقي، مايكرس نموذجا من الارضوية المتقدمه استنادا الى فعل الاليه وتسريعها الاستثنائي للديناميات المجتمعية، مايمنح النموذجية الايهامية رافعه رايه الحداثية الهيمنيه على مستوى الكوكب موقع الغلبة والتسيد النموذجي التفكري.

لايبدا الانقلاب الالي بصيغته الملائمه لمنطوياته وموقعه ضمن السيرورة المجتمعية التاريخيه الا مع اكتشاف المجتمعية اللاارضوية والازدواج الارضوي اللاارضوي، يتعبيريتها الصارخة التباين ( النبوية الابراهيمة/ الفلسفية الاغريقية)، مايضع الانقلاب الالي بالاحرى بعهدة موضع التعبيرية الحدسية النبوية الشرق متوسطي، بعد تحمل والتفاعل مع الانحطاطية الذاتيه، والخضوع للبرانيه الشرقية اليدوية من هولاكو الى العثمانيين، قبل الغلبة البرانيه التوهمية النوعية نمطيا، الغربية التوهمية الالية، والسعي للتماثل الانحطاطي معها، قبل بلوغ مشارف الثورة الكونيه الكبرى الالية اللاارضوية، حين تاتي اخيرا مترافقه مع انهيار النمطية الغربية، والتازم النهائي للنموذجية الامريكيه الوريثة المفقسة خارج رحم التاريخ.

هنا حيث تصير اسرائيل ركيزه وجودية مستفيده من الموقع الذي جرى زرعها فيه اوربيا كتامين لمصالح الغرب التوهمي، فاذا بالانجيليه الصهيونيه اساس ومرتكز وجود يكرر المنطلقات التاسيسية الامريكيه، منذ كان المهاجرون الاوربيون يرفعون وهم على سواحل القارة الامريكية شعار "سنبني مدينه على تله" الابراهيمي التوراتي، ويظلون يعيشون اجبارا تحت قوة حضور الرسالية الكونيه الزائفة، والميل الديني الاعلى حضورا ونسبة بين كافة المجتمعات البشرية، برغم الحاجة الى التزويرية للابقاء على مظاهر العلمانيه الغربيه الجاري السطو عليها بلا اساس مجتمعي تاريخي، للضرورة الوجودية البراغماتيه، وصولا الى "الابراهيمة الصهيو/ ترامبيه" مع الانهيار الكلي في القيم حتى الابتدائية للدول والمشاريع المجتمعية، مع خضوع امريكا لشخص مثل "ترامب" هو دالة انحطاط صارخ لاتقبل التاويل، في حين تكون دول الابار قد غدت مهياة لكي تباشر من هنا فصاعدا دورها المستجد وقد صارت فاعلة مستندة لضرورة عالميه، هي فيها ليس مجرد رقم بلا قيمه او مقحم بلا سبب.

تسير منطقة الشرق المتوسطي من هنا فصاعدا الى الهيمنه الصيهونيه المتامركة، باعتبارها منفذا ومحاولة للخروج من تأزم اقصى لمجتمعيات منتهية الصلاحية كما مقدر لها بالاصل ومنذ وجدت كمجتمعات ارضوية حاجاتيه جسدوية، بينما يصير ملحا الانتقال الى اللاارضوية الثانيه مابعد الابراهيمية، وقد توفرت كل الاسباب الضرورية لمثل هذا الانقلاب الكوني، من الصيغة التعبيرية النبوية الحدسية الاولى الابراهيمه، الى التعبيرية العليّة السببية لنغدو مع الغلبة الامريكيه الصهيونيه الابارية المفبركة، امام اصطراعية كبرى فاصلة بين ابراهيميه المستعارة من الماضي يوم كانت تلائم شروط الغلبة اليدوية الارضوية، واخرى راهنه مستجدة ولدت مع انتهاء صلاحية الارضوية وغلبتها التاريخيه، الامر الذي يستحق حتما ومن هنا فصاعدا ماقد لايحصى من الوقفات والنداءات والتنويهات التي لاتوقف لها.

ـ يتبع ـ ملحق/ اللاارضوية او الفنائية البشريه.. لماذا؟

***

عبد الأمير الركابي

......................

(1) وقع اول انقلاب في المنطقة العربية عام 1936 في العراق، هوانقلاب بكر صدقي، اول انقلاب في العالم الثالث، وباكورة الظاهرة التي عمت العالم الثالث، وتحولت لظاهرة فيه على مدى عقود لاحقه.

(2) حول الاساس الابراهيمي المستوحى في التاسيس الكياني الامريكي يراجع/ مدينه على جبل: عن الدين والسياسة في امريكا/ طارق متري / دار النهار/ و ميشيل بوغنون ـ مورغان/ امريكا التوتوليتاريه: الولايات المتحدة والعالم الى اين؟/ تقديم بيار سالينجر/ تعريب خليل احمد خليل/ دار الساقي ـ بيروت.

(3) لاجل مقاربة مسارات الانحطاطية الغربيه المتاخرة التي تجعل من امثال ماكرون وترامب رؤساء لفرنسا والولايات المتحدة الامريكيه/ يراجع/ نظام التفاهه/ د الان دونو/ ترجمه د مشاعل عبدالعزيز الهاجري/ دار سؤال.

 

في المثقف اليوم