آراء

أزهر السهر: السبيتي والدعوة (2): فكرة التأسيس، سنة التأسيس، المؤسسون

سَنة التأسيس: من الاسئلة التي أثارت جدلاً واسعاً بين من أرخ لتاريخ حزب الدعوة الاسلامية وطُرحت فيها اجابات مختلفة هي:
ـ من هو صاحب فكرة تأسيس هذا التنظيم؟
ـ وفي أي سَنة تأسس؟
ـ ومن هم مؤسسوه الأوائل؟
سنحاول في هذا المقال الاجابة عن هذه الاسئلة الجدلية على شكل حلقات من خلال حشد مجموعة من الأدلة والمؤيدات لأثبات أن صاحب فكرة تأسيس حزب الدعوة الإسلامية، وان أهم مؤسس وقائد ومنظر له هو المفكر الشهيد المهندس محمد هادي السبيتي، وان زمان تأسيس التنظيم كان بعد ثورة ـ انقلاب ١٤ تموز عام ١٩٥٨م.
حول تحديد سَنة التأسيس:
لقد اثبتنا في حلقة سابقة بالأدلة والمؤيدات ان صاحب فكرة تأسيس حزب الدعوة الاسلامية هو المفكر الشهيد محمد هادي السبيتي.
والآن في هذه الحلقة سنتطرق الى سَنة التأسيس وسنثبت ان زمان التأسيس كان بعد ثورة ـ انقلاب 14 تموز 1958م.
ويمكن اثبات ذلك من خلال الأدلة التالية:
أولاً: رواية المؤسسين:
وهي كالتالي:
1. الرواية الرسمية: رواية الاستاذ محمد هادي السبيتي:
ما ذكرته الرواية الرسمية لحزب الدعوة الاسلامية والتي تعتبر اقدم واهم وادق نص أرخ لتاريخ تنظيم الدعوة الاسلامية بقلم صاحب فكرة التأسيس وأهم مؤسس ومنظر وقائد للدعوة وهو المفكر الشهيد محمد هادي السُبيتي، اذ تتميز هذه الرواية بالتالي:
ـ انها الرواية الرسمية التي نُشرت في نشرة الحزب السرية والرسمية، ولا يوجد قبالها اي رواية رسمية أخرى وان ادعى بعض الباحثين وجودها.
ـ انها اقدم نص وثق حدث التأسيس وخلفياته وتطوراته.
ـ انها اقرب وثيقة الى زمن التأسيس.
ـ انها ادق نص وثق حيثيات التأسيس من حيث الفكرة والتطور الفكري والانتشار البشري وغيرها من التفصيلات.
ـ انها صادرة عن صاحب فكرة التأسيس وواحد من اهم مؤسسي ومنظري وقادة التنظيم وشهد أهم مراحل مسيرته.
ـ انها صادرة عن رجل مشهود له بالعلم والعدالة والصدق والاستقامة والدقة بالنقل.
يقول الاستاذ السبيتي حول سَنة التأسيس ما نصه: (اهتز العراق من أقصاه الى أقصاه بالانقلاب العسكري على الحكم الملكي الذي قادة عبد الكريم قاسم.. وانقسم العراق الى قسمين رئيسيين: قسم يؤيد الزعيم وآخر يؤيد العقيد.. وامتلأ الشارع في مدن العراق وقصباتها بالصراع العسكري، وحركت الأحداث جميع الناس، وخُلقت أجواء جديدة للتفكير بالسياسة والأعمال الحزبية، وتأثرت الحوزة العلمية في النجف الأشرف بهذه الأحداث، وتحسس عددٌ كبيرٌ من خيرة أفراد الحوزة الأوضاع وغياب الإسلام عن الساحة السياسية، وبإمكانية العمل من أجل الإسلام، وكان هذا التحسس بدايةً لكسر الجمود السياسي الذي أصاب الحوزة بعد فشل استثمار ثورة العشرين ضد الاستعمار الانجليزي. في هذا الجو الملائم للعمل تلاقى مجموعة من المؤمنين الواعين للإسلام والممارسين للعمل الحزبي، ومجموعة من الحوزة أرهفت الأحداث نفوسهم، وتهيأت عقولهم لخوض العمل العام، وأفراد من العلماء والمؤمنين المتمرسين بالأعمال الاصلاحية من ذوي الخبرات الجيدة في التعامل مع الناس. التقى هؤلاء الأفراد والمجموعات بواسطة أفراد منهم ذوي علاقات متعددة الجوانب، وأنشئت تعارفات، ودارت نقاشات، وحدثت مباحثات متعددة في أماكن مختلفة، وفي اجتماعات كانت تتسع وتضيق وتتكرر حسب وسطاء الخير الذين عملوا لإيجادها، أو بفعل أفرادٍ من هؤلاء الأفراد والمجموعات، وكانت الأفكار تتلاقى في بعض الأحيان وتتباعد في أحيانٍ أخرى، وانسحب جماعةٌ، وبقي على اتصال دائم كوكبةً منسجمةً أخذت أفكارها تتلاقى وتتوحد.. توحدت الأهداف، وتقاربت المفاهيم، واتجهت العواطف والمشاعر نحو الألفة والتجانس، وشاء الله رب العالمين سبحانه، فكانت النواة الأولى للدعوة...)(1).
هذا النص لا يحتاج الى تعليق وواضح جداً من تفصيلاته ان زمان تأسيس حزب الدعوة الاسلامية كان بعد ثورة ـ انقلاب عبد الكريم قاسم في 14 تموز 1958م.
2. رواية السيد طالب الرفاعي:
يرى السيد طالب الرفاعي ان (تأسيس حزب الدعوة ونشأته الأولى [كان في] تموز (يوليو) 1959م)(2).
3. رواية الدكتور جابر العطا:
يقول الدكتور العطا (وقد أبلغني بنبأ التأسيس السيد طالب الرفاعي.. وحينها كنتُ طبيباً مقيماً في الناصرية [عام 1958م](3)، وقد سعدت كثيراً لهذا الخبر وبدأت بالعمل الدعوتي من ذلك الوقت)(4).
4. رواية السيد مرتضى العسكري:
العلامة العسكري لا يتذكر بالضبط تاريخ تأسيس حزب الدعوة هل (كان قبل أو بعد 14 تموز 1958م، واذا كان قبلها فإن الأمر لا يتجاوز شهوراً قليلة...)(5).
5. رواية السيد الشهيد مهدي الحكيم:
يقول السيد الشهيد مهدي الحكيم ما نصه: (فبعد 14 تموز كانت الاتصالات والجلسات تجري مع السيد الشهيد الصدر و(....) حول تأسيس حزب، وبُعيد 14 تموز كانت الاطروحة في احتواء الثورة، لان الثورة استوزرت (4) من الوطني الديمقراطي، و (4) من القوميين، و (4) من الشيوعيين، ولو كنا موجودين في الساحة لما اغفلنا، ولكن التسمية (لحزب الدعوة الاسلامية) جاءت بُعيد 14 تموز، وهنا نستطيع القول ان حزب الدعوة تأسس قبيل أو بُعيد 14 تموز)(6).
6. رواية السيد الشهيد محمد باقر الحكيم:
يقول السيد الشهيد محمد باقر الحكيم: ([ان] الشهيد الصدر [كتب].. الأسس في بداية تأسيس حزب الدعوة الاسلامية في أوائل سنة 1378هـ، أواخر سنة 1958م، ثم شرحها وأصبحت مادة أساسية تُدرس في حلقات الحزب...)(7).
7. رواية الأستاذ محمد صالح الأديب:
يقول الأستاذ الأديب: (عندما تخرجت من الكلية في سنة 1957م ابلغني السيد مهدي الحكيم (رحمه الله عليه).. ان نعقد اجتماعاً تأسيسياً للحزب، وهذا ما حدث فكان محل الاجتماع في دار السيد محسن الحكيم (رض) في كربلاء...)(8).
8. رواية السيد حسن شبر:
يقول السيد حسن شبر: (..حزب الدعوة الاسلامية.. تأسس يوم السبت 17 ربيع الأول 1377هـ المصادف 12/10/1957م)(9).
ثانياً: رواية غير المؤسسين:
وهم كالتالي:
1. رواية الشيخ علي الكَوراني:
يرى الشيخ علي الكَوراني ان من (شارك في مداولات تأسيس الدعوة بضعة عشرة نفراً، وكانت جلساتهم متباعدة، وبدأت سنة (1379هـ ـ 1960م) واستمرت نحو سنة حتى تم اتفاق من بقي منهم في الجلسات...)(10).
2. رواية السيد عبد الأمير علي خان:
يرى السيد عبد الأمير علي خان ان تأسيس الحزب كان بين عامي 1957 و 1958م(11).
3. رواية الحاج كاظم يوسف التميمي:
يقول الحاج كاظم يوسف التميمي "ابو صاحب": (..تشكلت الدعوة حسب علمي بدايات 1959 أو نهاية 1958، وكان مؤسسوها [التسعة] الأوائل هم الدكتور جابر عطا، والسيد محمد باقر الصدر، وطالب الهندسة محمد هادي السبيتي، ورجل الدين السيد مرتضى العسكري، ورجل الدين السيد محمد مهدي الحكيم نجل المرجع آية الله السيد محسن الحكيم، ومحمد صالح الاديب، والسيد طالب الرفاعي، والسيد محمد باقر الحكيم،[وعبد الصاحب دخيّل]. وبهذا تكون فرضية الباحث رشيد الخيون حول تأسيس حزب الدعوة هي الأقرب والصواب من التاريخ الشائع الذي يعود لعام 1957م(12).
4. رواية الشيخ الشهيد حسين معن:
يقول الشيخ الشهيد حسين معن ما نصه: (..تأسس حزب الدعوة بعد تصاعد المد الشيوعي في العراق على أثر انقلاب 1958م.. وذلك بالتفاعل بين مجاهدين إسلاميين من صفوف الأمة، وبين الحوزة العلمية في النجف الأشرف.. مما عزز من أصالته، ومكنه من الجمع في قيادته بين الفقهاء والسياسيين، والمنظمين الممارسين للعمل الحزبي...)(13).
5. رواية الاستاذ الشهيد عزالدين سليم:
يرى الأستاذ الشهيد عبد الزهراء عثمان (عزالدين سليم): (..ان نشوء "الدعوة الاسلامية" في النجف الأشرف عام 1957م، ثم انطلاقها عام 1958م بعد نجاح ثورة 14 تموز عام 1958م بقيادة عبد الكريم قاسم..)(14).
6. رواية السيد هاشم الموسوي:
يقول السيد هاشم الموسوي: (اجتمعت النواة التأسيسية الأولى يوم 17 ربيع الأول سنة 1376هـ ـ 1957م، وعقد هذا الاجتماع في كربلاء المقدسة، في دار اقامة المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم ـ أعلى الله مقامه ـ التي كان يقيم فيها عند زيارته لمدينة كربلاء(15).
7. رواية بعض ممثلي حزب الدعوة الاسلامية:
جاء في مجلة الجهاد الشهرية الناطقة باسم الدعوة الاسلامية العدد الثالث عشر الصادر بطهران في جمادى الثانية 1401هـ ـ آذار 1981م، ص 46 موضوع بعنوان "لقاء مع ممثلين لحزب الدعوة الاسلامية في العراق" جاء فيه: (.. وخلال اللقاءات نوقشت أساليب للعمل وجرت مباحثات مختلفة حتى توفرت قناعة لدى اولئك الطيبين المخلصين ان ينشئوا حركة اسلامية اطلق عليها "حزب الدعوة الاسلامية" كان ذلك في نهاية عام 1958م...).
ملاحظات وتعليقات:
نسجل هنا بعض الملاحظات والتعليقات على الآراء المطروحة:
1. النص الرسمي الذي كتبه الاستاذ السبيتي صدر في نشرة الحزب الرسمية عام 1977م واكيد ان السيدين حسن شبر ومحمد صالح الاديب قد اطلعا عليه فلماذا لم يسجلا عليه اعتراضهما في حينها؟ لأن مثل هكذا قضايا تاريخية لا تتحمل المجاملة، خصوصاً اذا عرفنا انهما جمعتهم لقاءات كثيرة واتصالات أكثر مع الشهيد السبيتي في سوريا بداية عام 1980م الى يوم اعتقاله في 9/5/1981م كما يذكر السيد حسن شبر (رحمه الله)(16).
الشيء الغريب في راوية الاستاذ السبيتي، رغم كونها الراوية الرسمية التي نَشرت في أدبيات الحزب السرية الرسمية، إلاّ انها لم تطرح في أجواء حزب الدعوة عندما اراد تحديد تاريخ تأسيس الحزب؟!!
كما اني لم أرَ باحثاً ـ إلاّ القليل جداً ـ في تاريخ حزب الدعوة الاسلامية ممن ناقشوا تاريخ التأسيس قد تعرض لرأي الدعوة الرسمي الذي كتبه الاستاذ السبيتي في نشرة الحزب الرسمية "صوت الدعوة"؟!!
وهذ أمر غريب يجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة حول سبب استبعاد رواية الاستاذ السبيتي الرسمية من قبل الحزب نفسه، ومن قبل الباحثين في تاريخ وفكر حزب الدعوة الاسلامية.
2. العلامة العسكري يذكر في شهادته ان التأسيس كان بعد أو قبل انقلاب 14 تموز 1958م بأشهر قليلة، وبطبيعة الحال إن جملة (بعد أو قبل) تشير الى أن التأسيس وقع في عام 1958م وليس في عام 1957م.
3. الغريب في شهادة الاستاذ الاديب انها اعتمدت كتاريخ رسمي من قبل حزب الدعوة الاسلامية(17) دون غيرها من الشهادات التي تعارضها كثرةً وشهرةً!!
والسؤال هنا: من اتخذ هذا القرار؟ وعلى أي أساس استند؟ ولماذا أهمل الروايات الأخرى وخصوصاً الرواية الرسمية المثبتة في أدبيات الحزب السرية والرسمية؟ وهل دخل تاريخ تأسيس الحزب ضمن معادلة الصراع بين العمامة والأفندي الذي أحتدم في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات داخل الحزب؟
يجب ان نضع عشرات علامات الاستفهام على قرار اعتماد رواية الاستاذ الاديب تاريخاً رسمياً لتأسيس حزب الدعوة الاسلامية، خصوصاً اذا دققنا في كلام الاستاذ الاديب وهو يقول: (فأنا شخصياً لم أحفظ اسماء جميع من حضر الاجتماع التأسيسي، ولكن عندما أجلس مع بعض أخواني مثل السيد محمد باقر الحكيم، أو السيد مرتضى العسكري، وأقول لهم تعالوا نتذكر من حضر الاجتماع التأسيسي فقد يتذكر أحدنا أثنين وينسى البقية، وعندما نصل الى العدد الكامل نقول فعلاً هؤلاء هم من حضروا الاجتماع التأسيسي...)(18)، فإذا كان الاستاذ الاديب (رحمه الله) لا يتذكر الاشخاص الذين حضروا في ذلك الاجتماع وهم لا يتجاوزون أصابع اليدين، فهل جلس مع بقية اخوانه المؤسسين واستذكروا تاريخ تأسيس الحزب بدقة أم لا؟
4. (إن السيد حسن شبر كان قد ذكر أن التأسيس عام 1958م، في كتابه "صفحات سوداء من بعث العراق" الطبعة الأولى، والذي صدر عام 1984م، ولا نعلم لماذا غير رأيه بعد حين، عندما ذكر انه في عام 1957م، وحدد ذلك في 17 ربيع الأول 1377هـ، وهذا رأي متأخر وهو لا يستند على مصدر ما خلا ذكرياته عن بدايات التأسيس...)(19).
5. (ان خروج السبيتي من حزب التحرير كان نهاية الخمسينيات وبالتحديد عام 1958م، وهو من طرح على السيد طالب الرفاعي مفاتحة الصدر بعمل اسلامي.. وهنا نتسأل هل أغفل السيدان الرفاعي والسبيتي وجود حركة اسلامية؟ أم أغفلا وجود اجتماع كربلاء الذي يقال انه عُقد في شهر تشرين الأول من عام 1957م)(20).
6. يقول السيد الشهيد محمد باقر الحكيم في شهادته ان السيد الشهيد محمد باقر الصدر كتب الأسس في بداية تأسيس الحزب أواخر عام 1958م، إضافة الى ان الشهيد الصدر كتب (رسالة برهن فيها على جواز بل وجوب قيام الحكومة الاسلامية زمن الغيبة، وذلك من خلال آية الشورى.. وقيل ان ذلك كان بالضبط سنة 1959م)(21).
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يعقل ان حزب الدعوة الاسلامية بقى متوقفاً عن العمل والنشاط والكتابة ولم يتحرك إلاّ بعد حوالي سنة كاملة من تأسيسه اذا أخذنا بالاعتبار الفترة من تاريخ التأسيس حسب راوية الأستاذ الأديب (12/10/1957م)، الى زمن رواية السيد محمد باقر الحكيم أواخر صيف عام 1958م؟!!
7. لعل من المفارقات الغريبة ما ينقله الحاج محمد صالح الأديب (..أن مفاتحة وكلاء السيد محسن الحكيم [للانضمام الى الحزب] حدث بعد انقلاب 14 تموز 1958م)(22)، ولا يعقل ان الحزب بقى حوالي سنة كاملة دون كسب ولا مفاتحات؟!!!، خصوصاً وان الأستاذ الأديب يذكر انه (..في ذلك الاجتماع [اجتماع كربلاء عام 1957م] تقرر أن ينطلق كلٌ منا إلى منطقته ويعمل لكسب الأنصار ومفاتحتهم بالانضمام للحركة الاسلامية)(23).
8. يقول السيد الشهيد مهدي الحكيم لقد (أقمنا ـ بعد تأسيس الحزب ـ في مسجد الهندي في أول سنة لثورة 14 تموز، في شهر رمضان مجلساً، وصعدتُ المنبر، وهذه ظاهرة جديدة كما قلت، وكان السيد الشهيد الصدر (رض) يحضر المجلس من أجل تأييد هذا الاتجاه، وليس من أجل الاستفادة...)(24).
وعندما ندقق نجد ان تاريخ أول رمضان في أول سنة لثورة 14 تموز يصادف بالتاريخ الميلادي 11/3/1959م، ومنطقياً ان هذا النشاط كان قريباً من تاريخ التأسيس وليس بعيداً عنه بمدة طويلة جداً تصل الى حوالي سنة وأربعة أشهر!!!
9. يذهب السيد الشهيد محمد باقر الحكيم ان تأسيس "جماعة العلماء" كان قبل تأسيس حزب الدعوة الاسلامية، والتي تأسست بعد حوالي شهرين من انقلاب عبد الكريم قاسم وبالتحديد في 17/صفر/1378هـ (2/9/1958م)(25)، وبغض النظر عند دقة رأي السيد الشهيد محمد باقر الحكيم وقبوله أو رفضه من قبل الباحثين إلاّ ان نشاط جماعة العلماء بعد ثورة ـ انقلاب عبد الكريم قاسم في 14 تموز عام 1958م يشير بوضوح الى ان هذا الحدث الكبير (حرك .. جميع الناس، وخَلق أجواء جديدة للتفكير بالسياسة والأعمال الحزبية، وتأثرت الحوزة العلمية في النجف الأشرف بهذه الأحداث، وتحسس عددٌ كبيرٌ من خيرة أفراد الحوزة الأوضاع وغياب الإسلام عن الساحة السياسية، وبإمكانية العمل من أجل الإسلام)(26) كما يقول الشهيد السبيتي (رحمه الله) وفي ذلك دلالة كبيرة على ان تأسيس الحزب ـ وانطلاقه كان بعد هذا الحدث الكبير وليس قبله.
10. من المفارقات الغريبة في هذا المسألة اعتماد حزب الدعوة الاسلامية على راوية الاقلية دون الأكثرية، بعد ان عرفنا ان ستة من المؤسسين يذهبون الى ان زمان التأسيس كان بعد ثورة ـ انقلاب 14 تموز 1958م، وان أثنان منهم فقط من خالف ذلك!!
11. ان مسألة فصل تاريخ التأسيس عن تاريخ الانطلاق، أو فرض تاريخين واحد خاص بالتأسيس، وآخر خاص بالانطلاق، أمر غير وارد في تاريخ الاحزاب السياسية حسب علمنا، لأنه لا يوجد حزب تأسس في لحظته دون المرور بمقدمات وحوارات وجلسات ومباحثات سابقة على اعلان التأسيس، وكلها لا تحسب ضمن التاريخ الرسمي للتأسيس، بل من الطبيعي والمعتاد وجود اعلان واحد يكون هو التاريخ الرسمي لتأسيس وانطلاق أي حزب.
خلاصة:
هذه بعض الادلة والمؤيدات والملاحظات والتعليقات حول سَنة تأسيس حزب الدعوة الاسلامية، وربما في المستقبل ستخرج أدلة ومؤيدات أخرى تثبت ذلك بشكل أكبر.
سنبحث في الحلقة القادمة مسألة المؤسسين وكيف أخرج حزب الدعوة الاسلامية ومؤرخوه الاستاذ الشهيد محمد هادي السبيتي صاحب الفكرة والمؤسس والقائد والمنظر الأبرز للحزب من دائرة المؤسسين.
***
أزهر السهر
......................
الهوامش:
(1) ينظر، الشهيد القائد محمد هادي السبيتي والشهيد المفكر عبد الزهرة عثمان (عزالدين سليم)، ثقافة الدعوة الاسلامية: النشرات السرية لحزب الدعوة الاسلامية (1957ـ1982م)، نشر وتقديم: حسين جلوب الساعدي، مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، كانون الثاني 2017م ـ ربيع الثاني 1438هـ، ج3، ص270 وما بعدها بتصرف قليل.
(2) ينظر، رشيد الخيون، أمالي السيد طالب الرفاعي، دار مدارك للنشر، الطبعة الأولى، مارس (آذار) 2012، ص153.
(3) ينظر، فرات عبد الحسن كاظم الحجاج، عزالدين سليم وفكره السياسي، المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية في البصرة، طبع وتوزيع شركة العارف للأعمال ش.م.م، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، حزيران ـ يونيو 2011م، ص75.
(4) ينظر د. شلتاغ عبود المياح، موسوعة الدعاة: سيّر أبطال كتبوا بدمائهم وأفكارهم مسيرة الدعوة الإسلامية في العراق والمنطقة الإسلامية، ج1، الطبعة الاولى 2019م، نشر وتوزيع شركة العارف للأعمال ش.م.م بيروت ـ لبنان، ص200.
(5) ينظر، محمد الحسيني، محمد باقر الصدر: حياة حافلة.. فكر خلاق، دار المحجة البيضاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى 1426هـ ـ 2005م، ص69.
(6) ينظر، من مذكرات العلامة الشهيد محمد مهدي الحكيم (رض) حول التحرك الاسلامي في العراق، اعداد: مركز شهداء آل الحكيم للدراسات التاريخية والسياسية، بدون مكان ولا سنة الطبع، ص39.
(7) ينظر، صلاح الخرسان، الإمام السيد محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق: أضواء على تحرك المرجعية الدينية والحوزة العلمية في النجف الأشرف (1958ـ1992م)،الطبعة الأولى 1425هـ ـ 2004م، مطبعة الوسام، بغداد، ص 101، نقلاً عن السيد محمد باقر الحكيم، النظرية السياسية عند الشهيد الصدر، (نسخة محدودة التداول) 8 نيسان 1988م، ص5.
(8) ينظر، الصادق العهد: صفحات من حياة الداعية المؤسس الاستاذ الحاج محمد صالح الاديب، الطبعة الأولى 1999م،ص45 وما بعدها، بدون مكان الطبع واسم المطبعة.
(9) ينظر، حسن شبر، حزب الدعوة الاسلامية: تاريخ مشرق وتيار في الأمة، الكتاب الأول 12/10/1957ـ 17/7/1968م، العارف للمطبوعات، الطبعة الثانية، تشرين ثاني ـ نوفمبر 2009م ـ ذو القعدة 1430هـ، ص12.
(10) ينظر، الشيخ علي الكَوراني، الى طالب العلم، الطبعة الثانية 1439هـ ـ 2018م، بدون مكان الطبع واسم المطبعة، ص240.
(11) محاضرة صوتية مسجلة للمرحوم السيد عبد الأمير علي خان محفوظة في ارشيف الشهيد عزالدين سليم.
(12) توفيق التميمي، شهادات عراقية: حوارات في ذاكرة عراقية، تموز، طباعة، نشر، توزيع، الطبعة الأولى، دمشق 2012م، ج2، ص175 وما بعدها.
(13) ينظر، الشهيد حسين معن، الوضع السياسي في العراق، ملحق التقرير السياسي الاسلامي العدد رقم (20)، المركز الاسلامي للدراسات السياسية، طهران، صفر 1403هـ، ص35.
(14) ينظر، عبد الزهرة عثمان محمد (عزالدين سليم)، صفحات من أيامي، منشور في كتاب د. جودت القزويني، تاريخ القزويني في تراجم المنسيين والمعروفين من أعلام العراق وغيرهم (1900ـ 2000م)، الطبعة الأولى، الخزائن لأحياء التراث، بيروت ـ لبنان 2012م، المجلد الرابع عشر، ص 41.
(15) ينظر، هاشم الموسوي، حزب الدعوة الاسلامية المنطلق والمسار، من اصدارات الدائرة الاعلامية، حزب الدعوة الاسلامية، بدون سنة ومكان الطبع، ص16.
(16) ينظر، السيد حسن شُبّر، حزب الدعوة الإسلامية في معترك الأحداث، الكتاب الثالث من بعد شهادة الإمام السيد محمد باقر الصدر 8/ 4 /1980م، الى انتفاضة شعبان 1991م، العارف للمطبوعات، الطبعة الأولى تشرين ثاني ـ نوفمبر 2009م ـ ذو القعدة 1430 هـ، ملحق رقم (3) محمد هادي السبيتي قائداً وشهيداً، ص 452 وما بعدها.
(17) يقول الاستاذ صلاح الخرسان: (اعتمد حزب الدعوة الاسلامية يوم 17/ربيع الأول/ 1377هـ كتاريخ رسمي لتأسيسه وهو يصادف ذكرى ولادة الرسول الأعظم محمد (ص) وولادة حفيدة الإمام جعفر الصادق (ع) ويستند الحزب في ذلك الى راوية الحاج محمد صالح الأديب، والذي أكد من جانبه لكاتب السطور في مقابلة أجراها معه في دمشق في 15/7/1994م، انه غير متأكد بالمرة من تاريخ اليوم الذي عُقد فيه الاجتماع المذكور، ولكنه متيقن من تاريخ الشهر وهو ربيع الأول/1377هـ. واستناداً الى ذلك يمكن توثيق الحدث من الناحية التاريخية من جهة وقوعه في ربيع الأول والذي يصادف بالتاريخ الميلادي شهر تشرين الأول 1957م)[ينظر، صلاح الخرسان، حزب الدعوة الاسلامية حقائق ووثائق: فصول من تجربة الحركة الاسلامية في العراق خلال 40 عاماً، المؤسسة العربية للدراسات والبحوث الاستراتيجية، سورية ـ دمشق، الطبعة الأولى 1419هـ ـ 1999م، ص59.
(18) ينظر، الصادق العهد: صفحات من حياة الداعية المؤسس الاستاذ الحاج محمد صالح الاديب، الطبعة الأولى 1999م،ص48، بدون مكان الطبع واسم المطبعة.
(19) ينظر، عامر حميد سلطان العابدي، محمد هادي السبيتي ودوره السياسي حتى عام 1981م، رسالة ماجستير غير مطبوعة، نوقشت في جامعة المستنصرية ـ كلية العلوم السياسية عام 2017م، ص80.
(20) ينظر، المصدر نفسه، ص81،[بتصرف قليل].
(21) ينظر، احمد ابو زيد العاملي، محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق، الطبعة الثالثة 2008م، مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، ج1، ص259.
(22) ينظر، الصادق العهد: صفحات من حياة الداعية المؤسس الاستاذ الحاج محمد صالح الاديب، الطبعة الأولى 1999م،ص52، بدون مكان الطبع واسم المطبعة.
(23) ينظر، المصدر نفسه، ص47.
(24) ينظر، من مذكرات العلامة الشهيد محمد مهدي الحكيم (رض) حول التحرك الاسلامي في العراق، اعداد: مركز شهداء آل الحكيم للدراسات التاريخية والسياسية، بدون مكان ولا سنة الطبع، ص42.
(25) ينظر، احمد ابو زيد العاملي، محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق، الطبعة الثالثة 2008م، مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، ج1، ص302 وما بعدها.
(26) ينظر، الشهيد القائد محمد هادي السبيتي والشهيد المفكر عبد الزهرة عثمان (عزالدين سليم)، ثقافة الدعوة الاسلامية: النشرات السرية لحزب الدعوة الاسلامية (1957ـ1982م)، نشر وتقديم: حسين جلوب الساعدي، مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، كانون الثاني 2017م ـ ربيع الثاني 1438هـ، ج3، ص270، [بتصرف قليل].

 

في المثقف اليوم