آراء
علي حافظ حميش: القانون الجعفري بين زمنين

في عام 2015 قررت الحكومة الفرنسية ان تقوم بتغيير قرارها المتخذ عام 1952 بزياده نسبة يود الطعام من 20 مليغرام للكيلو الى 30 ملغرام وذلك لانها اكتشفت ان هناك نقص عنصر اليود في النساء الحوامل يوثر على تطور عقل الجنين وكذلك لمكافحة تضخم الغدة الدرقية.
عالمنا في حالة صيرورة وتحول لانهاية له وتتغير قوانينه بتغير ظروفه الاجتماعية. في الوقت الذي تعاقب فيه بلدان السرقة بقطع اليد مثل السودان ونايجيريا وبلدان اخرى يعاقب بلد مثل فنلندا السرقة بغرامة او السجن في اصلاحية تسمى (اعادة تأهيل) بمعنى ان السجين يقضي مدته باتباع دورات تثقيفية وقراءة من اجل اعادة تاهيله للعودة للمجتمع لان المجتمع يعتقد انه يتحمل جزء من انحراف افراده وان البيئة المحيطة لو لم تكن قد اساءت للفرد لما اضطر للسرقة. فتطبيق مثلا قطع اليد يخلق انسان معاق على الدولة ان تقوم بالانفاق عليه باقي عمره. هنا المستوى الثقافي للفرد حدد نوع القوانين الواجب اتباعها معه. فما يصلح في بيئه تصبح السرقة فيه مرضا متفشيا مثل (الگنگري) لايصلح في بلد اكثر ثقافة وتحضر. في بلد مثل النروج يقوم قاتل بدافع عنصري بقتل 77 شخصا ثم يرفع دعوة ضد الحكومة بعذر ان ظروف حياته في السجن ليست انسانية. تغيرت الثقافة فتغيرت القوانين
اليوم من بين كل دول العالم البالغ عددها 195 المتحضرة منها وكذلك الغير متحضرة في القارات السبعة هناك اليوم بلدان فقط يمنحان الحضانة للاب بعد سنة السابعة اوتوماتيكيا ودون النظر لمصلحة الطفل العليا وهي العراق وايران . باقي دول العالم تنص على ان القاضي يقرر المصلحة العليا للطفل وتدرس كل حالة على حدة وبحسب مايراه القاضي امامه من شروط وظروف. فالاب ممكن ان يكون سيئا وكذلك الام ممكن ان تكون سيئة وبالتالي فالامر متروك لحجم المعطيات التي تتوفر للقاضي للبت في احقية من يوفر بيئه نفسية اجتماعية سليمة للطفل. امر منطقي ومفهوم ولايمكن لاي انسان عاقل ان يعترض عليه لانه لايمكن لا حد ان يجزم اوتماتيكيا بمن سيوفر بيئه افضل الا بدراسه كل حالة على حدة. المدونه الجديدة في العراق تضيق حق القاضي في منح الحضانة للام بعد السابعة الى ابعد الحدود لدرجة ان المحاكم امتلئت بأباء تذكروا اليوم بضغطة زر ان لهم اولاد
مهما حاولت ان تجد تبريرات منطقية او غير منطقية لاقناع الرأي العام لماذا لاترث الزوجة من الارض فل تستطيع ذلك بعيدا عن السياق العرفي الذي كان سائدا في ذلك الوقت ولايمكن ان تسلخ الظروف الاجتماعية في ذلك الزمن لتقوم بتطبيقها على هذا الزمن الا اذا افترضت ان العالم جامد تماما وغير متحول وهذا يناقض الحقيقة. لا يمكن ان تساوي زمنا تؤخذ المرأة غنيمة حرب لتعمل جارية تباع وتشترى ولها سعر يختلف حسب الجمال والموهبة بزمن تأخذ المرأة شهادة دكتوراه لتعمل استاذة جامعية او تعمل رائدة فضاء تعطيك معلومات عن عالم لا تراه بعينك المجردة وربما لولاها لكنت مازلت لليوم تعتقد ان الارض مسطحة . الكثير لايفرق ولايسعى ليفرق بين شرع الله وبين قرائته الشخصيه لما يعتقده شرع الله. الفلسفة في العراق لم تتطور مثلها مثل اي مجال اخر (ولايمكن ان تكون استثناء) ولم توفر اصلا ظروف التطور القادرة على شرح الشرع بطريقة توفر رؤية حقيقة لارادة الله على الارض بل ان الزمن الذي نعيش فيه في العراق لم يصل بعد الى مرحلة القدرة على قبول رأي فلسفي معارض للفلسفة السائدة دون ان يزج صاحب الرأي وراء القضبان ناهيك عن الوصول لاراء فلسفية تتحدى 193 بلد في العالم. لو اراد الامام الصادق (ع) ان تطبق القوانين مثلما هي وبصرف النظر عن ظروفها الاجتماعية والاقتصادية لقام بتأليف رسالة عملية شرح فيها مايجوز وما لايجوز حتى بعيدا عن انظار السلطة العباسية القمعية لتفنيد عذر ان السلطة لم تكن تسمح بذلك ولما ترك تلاميذه ينقلون عنه لان هدفه هو مدرسة اصولية تضع الاسس وتفتح باب الاجتهاد لكل عصر ولكل زمان وليس مجرد سؤال وجواب حتى لايكون ملزما. الفكرة الاكثر سذاجة هي الاعتقاد جزما بان هناك اناس او رجال دين في عصرنا قاموا بدراسة الفقه والفلسفة لدرجة الوصول لمرحلة العصمة في تفسير قوانين الفقه وهذا يناقض حقيقة لو ان الفلسفة في العراق (وهي اساس العلوم) تطورت الى ابعد ما وصل اليه العالم المتطور الان لتركت اثارها على باقي الميادين لكن ما تبصره الحواس الخمسة ينافي ذلك تماما
***
د. علي حافظ حميش
جامعة واسط