آراء
عبد الجبار نوري: تأملات فكرية واعدة للفلسفة الأقتصادية والسياسية لكارل ماركس
توطئة: منذُ أيام الشباب وأنا أبحثُ عن أجابة مقنعة للسؤآل الذي يفرض نفسهُ: هل ممكن تحقيق التفاؤل الجاد للفيلسوف الألماني كارل ماركس الوصول إلى التغيير الشامل ؟!
وسأكون صريحا ومتواضعا مع توقعات هذا الفيلسوف السياسي الجاد بان حلمي وأمنيتي هوتحقيق (دولة مدنية – ديمقراطية) تسود فيها العدالة الأجتماعية، لقد نضجت في ذاتي وعقلي الباطني هذه الأمنية الوطنية ربما لتقادم العمر مرورا بمحطات الخيبة وفوبيا الحكومات الشمولية من أحلامنا الممنوعة، وكان للحرم الجامعي أثر كبير في تنمية قدراتنا الثقافية وتعميقها وخاصة في فضاءات دراسة (الأقتصاد السياسي) وبأشراف أساتذة كبارأكاديميين ماركسيين حقيقيين أكفاء أمثال الراحل الدكتور أبراهيم كبه في جامعة بغداد في ستينات القرن الماضي، والدكتور عبدالمنعم السيد علي في جامعة المستنصرية في سبعينات القرن الماضي، أضافة لتداول كتاب رأس المال سراً بين الطلاب في مرحلة الثانوية والجامعة للجو المكهرب وسنوات الجمر لأصحاب القرار السياسي في خمسينات وستينات القرن الماضي .
وكانت حصيلة محطات العمر ودراسة مستفيضة عن الفيلسوف الألماني كارل ماركس أن أحصل على مفهوم واحد لا غيره عن الأشتراكية العلمية لا الرشيد ولا المجيدة، لذا أقتضى الأمر للوصول الجاد لمفهوم الأشتراكية السياسية العلمية مطابقا لأفكار الفيلسوف السياسي كارل ماركس أعتمدتُ نظريتهُ وتتلخص بركيزتين: النشاط والعمل !؟
أعتبر ماركس (العمل) جوهر الوجود الأنساني الذي يمثل النشاط الأيجابي للأنسان، وأعتبر (الأمل) هو نضوج الوعي والأدراك للجمهور المضطهد أي بتوضيحٍ أدق: حصول القناعة المطلقة في طلب الأصلاح وهي شفرة ماركس (كود التغيير) بترميزة أيحائية ذاتية للبروليتاريا للثورة وأزاحة الرأسمالية البورجوازية الطفيلية المستلبة لكينونة الطبقة العاملة وحينها وجه ماركس نقداً لاذعاً للرأسمالية التي تعتبر العمل سلعة نفعية وفردية والعمال أدوات أنتاج لا غير! كما أضاف: إن العمل في النظام الرأسمالي (أنفرادي) كل يطلبُ لليلاه ومبتغاه حيث تكون مخرجاته السلبية أنقسام المجتمع وتشظيه وأستغلال الطبقة العاملة وسلبها فائض القيمة الذي هو عرق وجهد العمال، ومآلات النتيجة النهائية تراكم المال والسلطة بيد الطبقة الحاكمة الرأسمالية وبالمقابل فقر مدقع للطبقة العاملة وسوء توزيع الثروة حتى عالميا .
نقد الرأسمالية من خلال الواقع الأقتصادي "للعامل"
- ماركس يتحدث عن أغتراب العامل أو أنسلابه أي تجريده من حقهِ الطبيعي فهو (يمزج) أواصر كيمياوية وعناصر ديناميكية فلسفية في المضمون المستقبلي للطبقة العاملة كالصراع الطبقي وحتمية التأريخ والجدلية التأريخية، ولتوضيح هذا المفهوم الماركسي الجديد وهو أن العامل مجبر يمتلكهُ الرأسمالي جسداً وقوّة بحيث يمتص منهُ ناتج عمله، ويخرجه من (وسائل الأنتاج) لأنها في حوزته أصلاً حسب النظام الذي يبدو كقوة غريبة مستعبدة، وهنا يعلن ماركس حربهُ بنقدٍ دقيق ولاذع ومخيف للخصائص المميّزة للنظام الرأسمالي .
- أكد كارل ماركس في هذا النهج أبتعادهُ عن السفسطائية السالبة وبمعنى أدق الصد عن (اللاهوتي النقدي) حيث يقول في هذا الصدد: (إن اللاهوتي النقدي شكل آخر غير ناضج للنقد لكونه خارج الذات)، وإن ماركس ذكر في منجزهِ المشهور (المخطوطة) 1844 موضوعاً أجتماعيا خطيراً هو مزيج فلسفي وجدلي في العلاقة بين الأقتصاد السياسي والدولة والقانون والأخلاق والحياة المدنية وهذا هو نتاج ما حركهُ الصراع الطبقي الذي أفرز حالة العمال المزرية في ظل الرأسمالية، وأثبت ماركس فشل وحماقة عراب الرأسمالية (مالثوس) ونظريتةُ البائسة (المالثوسية) وألقمهُ حجرا ب(تطوير قوى الأنتاج) .
- وأن أرتفاع الأجور وزيادتها تدفع العامل ألى عبودية شهوة المال على حساب وقته وصحته البدنية، وأحياناً كثيرة يزج بأبنائه وزوجته ألى أطول مدة عمل مضنية، {ولأن العامل لا يستطيع شراء كل شيء بل يجب بيع نفسه وآدميته وشخصيته الأنسانية ولا يبدو أكثر من مسخ مهان في خضم هذا العالم الأناني، أن ماركس ينتقد الأقتصاديين البورجوازيين من وجهة نظر (أشتراكية) مبيناً التناقضات المتبادلة بين العمل ورأس المال ويعلن معادلته الفلسفية في عالم الأقتصاد السياسي {هو أنهُ كلما زاد أنتاج العامل من الثروة أزداد بؤساً وفقراً}!؟ .
- حيث يصبح أكثر فقراً كلما زادت الثروة التي ينتجها وكلما زاد أنتاجهُ من حيث القوّة والكم، عندها يصبح العامل سلعة أرخص مما مضى كلما صنع المزيد من السلع، وأن العامل لا يكسب بالضرورة حين يكسب الرأسمالي لكنه يخسر بالضرورة حين يخسر الرأسمالي.
- أنخفاض قيمة العالم الأنساني يزداد في علاقة مباشرة مع زيادة قيمة الأشياء، نعم أذا تدهورت ثروة المجتمع فأن الذي يدفع فاتورة الغلاء والكساد والبطالة والبؤس هو العامل وعموم طبقته أكثر من الطبقات الأخرى .
- لا يخلق جهد العامل السلع فقط، ولكنهُ ينتج أيضاً نفسهُ ويخلق العامل كبضاعة وبنفس المعدل .
- ويعلن في مدونتهِ الأقتصادية الفلسفية المشهورة (المخطوطة) حقيقة علمية دقيقة هي { أن الثورة نتيجة التطور الأقتصادي للرأسمالية } أي أن النظام الرأسمالي هو نفسهُ يقود إلى الثورة من باب أنعدام الرؤية لحقيقة حتمية التأريخ في التغيير، وبالنهاية يبشر ماركس بأن هذا التناقض والعداء والفروق الطبقية تقود إلى تحرير العامل .
- يتحدث ماركس عن الأجور حيث تتحقق من خلال الصراع التأريخي بين الرأسمال والعامل، والرابح بالتأكيد هو الراسمالي الذي يستطيع أن يعيش بغير العامل (أطول) مما يستطيع العامل أن يعيش بغير الرأسمالي، ولأن أتحاد أرباب العمل لتكوين الكارتلات مسموح، بينما أتحاد العمال محظور، يضيف ماركس أن في العالم الرأسمالي البورجوازي تكون خيوط اللعبة في تحريك العامل بيد رب العمل الذي يغيير مسار اللعبة (بخبث) حيثما تتسارع الأرقام الريعية والنفعية ألى جيوبه حينها يكون العامل مجبرا على أن يبذل قصارى جهده تعبا وعرقا لأرضاء سيده النظام الرأسمالي البورجوازي!؟
معالجة الحالة العراقية المتردية ببروستاريكا وطنية عراقية !؟
1- من الصعب الخوض في مثل هذا الموضوع الشائك بالخصوص للأقتصاد العراقي المأزوم بالريعي الاعتماد على النفط في فضاءات الأنفاق، وسوف أتحدى اليأس والقنوط والسوداوية وأتحدث بواقعية ما علينا وما لنا بتوجه أيجابي بظل سيمياء عنوان البحث في ما يخص (مركسة)أقتصاد بلدي العراق ببعض الأفكار الماركسية الملائمة والمقبولة للسوسيولوجية الجمعية للعراق بعض الشيء .
2- البحث في حيثيات دولة مدنية ديمقراطية وبخطا جادة واقعية وبهدى النظرية الماركسية والتماهي مع التجارب الأستثمارية المجربة والناجحة لدى الشعوب التواقة للتحرر من ربقة اللبرالية الحديثة المرتبطة بالرأسمالية البطريركية الذكورية ذات النزعة الأستهلاكية المتجهة إلى تدمير مسارات التنمية الوطنية، وهنا يستوجب حضور السيادة الوطنية على الأسواق المالية والنقدية وأحياء بث الروح في النقابات والمنظمات العمالية لكونها تمثل الضمانات الوطنية لأعادة بناء عالم آخر افضل متعدد ألآقطاب مدني ديمقراطي (بديلا) عن بربرية الرأسمالية الجشعة، حينها تتوسع الدولة في الأنفاق على المشاريع الأستراتيجية الكبيرة وأكتشاف المهارات والأبتكارات عند الجيل الناهض الذي يلجأ إلى أستخدام (الأستدامة المالية) التي تدفع إلى التوازن بين الأنفاق والأيراد ت عندها توفر للدولة خمسة روافد نقدية لدعم موجودات البنك المركزي وهو تحريك ديناميكي للأستغناء التدريجي عن النفط كمصدر رئيسي للموازنة ببناء هياكل للأقتصاد المستدام الغير نفطي .
3- مراقبة جادة لمؤسسة البنك المركزي بأختيار محافظ كفوء صاحب خبرة بالأمور الصيرفية، مع دراسة وطنية جادة لمنافذ بيع العملة الأجنبية وتفعيل قانون مكافحة غسيل الأموال للسيطرة على أضطرابات مؤشر بوصلة قيمة الدينار العراقي مقابل الد ولار الأمريكي في السوق الموازية .
4- لا ضير بالأستأناس بأفكار بعض أساطين الأقتصاد السياسي العالمي والعربي نموذج معلم الطبقة العمالية كارل ماركس، والدكتور سمير أمين مفكر أقتصادي ماركسي مصري، أشتهر بنقده للبرالية الحداثوية ومشروعه المعرفي ونظريته الأقتصادية " التطور اللامتكافيء " التي صاغها في سبعينات القرن الماضي محاولا تفسير تخلف المنطقة العربية ومنها مصر، وخرج بملخص تجربته الأقتصادية { إن النظام الأشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد أنهيار وتفكيك الرأسمالية، وتتم عملية الأنتقال أنطلاقا من العالم الثالث أي أطراف المركز الرأسمالي العالمي (منجزهُ كتاب ما بعد الرأسمالية المتهالكة)، والدكتور العراقي الفقيد فالح عبدالجبار وكتابه (اللادولة) والتي يسميها الدولة الغيررسمية أو الدولة العميقة تظهر فيها هياكل موازية للدولة مستندة على المال والسلاح .
5- التحرر من فايروس أسطورة تمجيد الفرد ما حدث في مصر تمجيد المنظر القومي " جمال عبدالناصر " وفي العراق تأليه الزعيم عبدالكريم قاسم قائد ثورة 14 تموز 1958.
6- مجسات وطنية أخرى: مثل
-التوأمة بين مكافحة الأرهاب وهيئة النزاهة .
- معالجة مشكلة التصحر الجاثم على جغرافية العراق في السنوات الأخيرة .
- مواجهة جادة لمشكلة السكن يجب أن تكون من أولويا ت البرنامج الحكومي .
- معالجة ظاهرة السكن العشوائي المستشري في عموم العراق .
***
عبد الجبار نوري أبورفاه - كاتب وباحث عراقي مغترب
أيلول سبتمبر2024
...........................
المصادر والهوامش
-كتاب مخطوطات كارل ماركس – ترجمة محمد مستجيرمصطفى - القاهرة 1975
- كتاب ثروة الأمم - لآدم سميث طبعة فريمان – المجلد الأول صفحات 50، 51، 60، 61، 71، 72 .
- كتاب دراسات في تأريخ الأقتصاد والفكر الأقتصادي – للدكتورأبراهيم كبة
- كتاب مدخل في علم الأقتصاد بجزئين 1984-و1986 – الدكتور عبدالمنعم سيد علي