آراء

عبد السلام فاروق: إنها الحرب إذن!!

أول مناظرة بين ترامب وبايدن تمت. وكأنها الحرب!. حرب حقيقية بين شخصين ومن ورائهما حزبين متنافسين، ثم شعب منقسم على ذاته لا يعرف كيف يختار بين سيئ وأسوأ. الحرب هنا لا تكمن فقط فى التنافس بين الحزب الديمقراطي ومناصريه، وبين الحزب الجمهورى وأنصاره، وإنما فيما ينتظر الولايات المتحدة الأمريكية من اختبار حاسم يختار فيه الأمريكيون رئيساً سيقودهم لإحدي حربين: إما حرب فى أوروبا، أو حرب فى بحر الصين الجنوبي!!

بين نارين

 معلوم أن أساس اختيار الشعب الأمريكي لرئيسه قائم على حال الاقتصاد الأمريكي فى المقام الأول، بينما يأتي دور السياسة الخارجية للرئيس، وصلاته باللوبيات فى المقام التالي. إلا أن هذا الأمر سيتغير فى انتخابات هذا العام.

 حرب غزة بات لها تأثير فاق التوقعات. والطريقة التي أدار بها بايدن حرب غزة سوف تنعكس على نتائج الانتخابات بلا شك. فأما الجالية العربية فلابد أنها ستختار إما الامتناع عن التصويت أو ضد بايدن، هذا الذي انحاز لإسرائيل وزودها بالأسلحة والأموال واتهم المقاومة كذباً وافتراءً باغتيال المدنيين فى أول الحرب، ثم اتضح كذب تلك الادعاءات، وأن قتلي غلاف غزة فى أول الحرب تم بطائرات إسرائيلية وبأوامر مباشرة من نتنياهو، وهي الادعاءات التي روج لها بايدن! ثم دوره فى قمع مظاهرات طلاب الجامعات. كل هذا لا بد أنه سيؤدى للتصويت ضد بايدن لا عند العرب وحدهم بل وعند كثير من اليهود الأمريكيين. فهؤلاء بعضهم ضد الحرب فى غزة وبعضهم الآخر منحازون لليمين اليهودي المتطرف، أي لحكومة نتنياهو، تلك الحكومة التي وصلت العلاقات بينها وبين بايدن لطريق مسدود.

 حتي لو تناولنا الاقتصاد كسبب للتصويت مع الحزب الديمقراطي أو ضده، فلن يكون لصالح بايدن وحزبه الديمقراطي أبداً؛ إذ ارتفعت نسبة البطالة والتضخم فى عهده لدرجة كبيرة بالمقارنة مع عهد ترامب الذي كان أفضل اقتصادياً.

 لقد حسم الحزب الجمهوري اختياره فوضع ترامب مرشحاً وحيداً له، رغم كل القضايا المرفوعة ضده والتي لم تؤثر فى شعبيته إلا بالزيادة. ولن يكون بإمكان البيت الأبيض زحزحة ترامب أو تنحيته باستخدام لعبة القضايا مهما كانت قضايا حقيقية وغير ملفقة. وبات على الشعب الأمريكي أن يختار بين رئيسين أحدهما مدان والآخر مصاب بالزهايمر!!

مناظرة نارية كاشفة

 ما جري فى المناظرة التي أقيمت بين بايدن وترامب كان متوقعاً.

ماذا تنتظر من رجلين أحدهما منفلت اللسان والثاني كان سبباً فى إيداعه السجن؟ لابد أن كلاهما توعَّد الآخر واستعد للقائه بالويل والثبور وعظائم الأمور، غير أن الريح جرت بما لا تشتهيه سفن الحزب الديمقراطي!

 المناظرة التي استغرقت ساعة ونصف تقريباً تميزت بالتحفز والحدة كما كان متوقعاً ، لكن بايدن بدا مهتزاً ضعيفاً أمام ترامب، والسبب الشيخوخة. الكلمات كانت تخرج من فم بايدن بصعوبة، لدرجة أن كثيراً من عباراته بدت غير مكتملة ومتضاربة. وقد برر أنصار الحزب الديمقراطي هذا الأداء بأن الرئيس كان مصاباً بالبرد، وهو تبرير لا ينطلي على أحد.

 أغلب الظن أن بايدن سيتم استبداله، فلا يُعقل أن يكمل الحزب الديمقراطي خوض الانتخابات القادمة بمثل هذا الأداء، وربما يتم إجراء المناظرة القادمة بين ترامب وكامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن.

 فى كل الأحوال فإن كلا الحزبين منحاز لإسرائيل. ولن يقل الدعم الأمريكي لها أو يفتر، بل سيزداد فى الفترة القادمة من كلا الجانبين لضمان أصوات اللوبي الصهيوني فى الولايات المتحدة الأمريكية.

 المناظرة الأولي حسمت عدة أمور عالقة: أهمها أن مكانة ترامب لم تهتز عند أنصاره بل ازدادت وهو ما يعني عودة الشعبوية الترامبية بما تتميز به من عنصرية وكراهية للمهاجرين، تزامناً مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وهو يحمل نفس الفيروس العدائي ضد العرب!

 كما حسمت المناظرة تأرجح أرقام الاستطلاعات قبلها، وظهر جلياً أن أداء الحزب الديمقراطي يتدني باستمرار، وقد يحسم هذا لا الانتخابات الرئاسية وحدها بل وانتخابات الكونجرس ذاتها. وقد نشهد أربعة أعوام قادمة جمهورية بامتياز. وسوف يعود ترامب منفرداً بقراراته العنترية بعد أن يكتسح حزبه مجلسي الكونجرس والشيوخ. وعلينا أن نستعد لقدومه وقد اختبرناه. ومهما كانت مثالب ترامب وعيوبه إلا أنه وعد بمنع حدوث حرب عالمية يتحدث الجميع بأنها قادمة لا محالة، فهل باستطاعته فعلاً إيقافها؟!

حرب هنا وحرب هناك

 ترامب مختلف جذرياً عن بايدن. وهناك الكثير من الملفات الخارجية سوف تتغير اتجاهاتها بقدوم ترامب. وأول هذه الملفات ملف الحرب الأوكرانية الروسية.

 وإذا كان التفاوض بين بايدن وبوتين وصل إلى طريق مسدود، فإنه ممكن ومتاح أمام ترامب؛ فالعلاقة بينه وبين بوتين جيدة للدرجة التي استطاع بها خصوم ترامب اتهامه باستخدام روسيا لتزوير انتخابات 2016!

 التفاوض بين روسيا وأمريكا قد يوقف الحرب العالمية مؤقتاً لكنه لن يستطيع إيقاف مخاوف وقوعها لعدة أسباب: أولها أن أوروبا ستصبح هي ضحية أي اتفاق يجري بين ترامب وبوتين، وهو الأمر الذي لن تقبله أوروبا، وقد يؤجج الأوضاع بدلاً من إخماد الحرب. وثانيها أن عداوة ترامب للصين قد تجعل الأخيرة تتخذ خطوة استباقية لعودة ترامب، وربما انتهزت الفرصة واقتحمت تايوان أثناء انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بانتخاباتها. فتبدأ الحرب العالمية من بحر الصين الجنوبي. وتصبح أمريكا بين خيارين أحلاهما مُرّ: فإما يفوز الحزب الديمقراطي فتشتعل أوروبا بحرب تبدأها روسيا. أو يفوز ترامب فيشتعل بحر الصين بحرب أشد وأقوي!

فلسطين بين رئيسين

 العجيب أن فلسطين ستكون لها الكلمة الأولي فى الانتخابات الأمريكية، والأعجب أنها لن تتأثر مطلقاً بأي من الاختيارين، فسواء جاء ترامب أو جاءت كامالا هاريس أو بايدن فإن الوضع لن يتغير. وسوف تظل إسرائيل مهددة أكثر مما مضي بالزوال والانهيار التدريجي.

 إسرائيل اليوم فى أسوأ أحوالها. مهما كانت غزة تكابد الجوع والضفة الغربية تواجه الاعتقالات والقدس تفتقد أنصارها. إلا أن إسرائيل تعاني أكثر وسوف تزداد معاناتها أكثر فى المستقبل القريب. الجيش الإسرائيلي يعاني نقصاً فى الذخيرة، وجنوده يتسربون ويفرون وبعضهم كتب بياناً برفضه العودة لحرب يعلم أن نهايتها ليست فى صالحهم، والحريديم رفضوا قرار المحكمة التي أجمع قضاتها على ضرورة انخراطهم فى الجيش ومنع الدعم الحكومي عنهم، فأصروا على الرفض. وهكذا كلما طالت الحرب وامتدت ازداد الانقسام فى الداخل الإسرائيلي بين اليمين واليسار فى الحكومة، وبين العسكريين والمدنيين وأهالي الأسري في الشعب الإسرائيلي.

 إسرائيل تريد توسيع الحرب ونقلها نحو الشمال فى اتجاه لبنان. وحزب الله يهددها بحرب لا سقف لها، وبادر بنشر فيديو أقل من  عشر دقائق هي حصيلة ساعات من مراقبة لصيقة بطائرات مسيرة لبنانية اسمها "الهدهد" رصدت عدداً من أخطر المواقع فى مختلف المدن الإسرائيلية فى الشمال والوسط والجنوب. هذا الهدهد الذي هدد وأرعب إسرائيل لم يمنع بنيامين نتنياهو من اتخاذ خطوات فى اتجاه تنفيذ حرب شاملة ضد لبنان!

 إنها الحرب إذن. تشعلها إسرائيل فى غزة أو فى لبنان. أو تشعلها الولايات المتحدة الأمريكية فى أوكرانيا أو فى بحر الصين الجنوبي. فهل ستتأخر الحرب حتي تنتهي أمريكا من انتخاباتها فى نوفمبر القادم، أم تشتعل قبل نهاية العام؟ وقبل أن تتجهز وتستعد؟

 مهما يكن الأمر فإن علينا أن نستعد لأسوأ السيناريوهات؛ لأن هناك أموراً خطيرة على المحك: مثل السعر العالمي للدولار، وإمدادات القمح والطاقة، وحركة التجارة العالمية، وتوازنات القوي فى الإقليم وحول العالم.

***

د.عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم