آراء
علجية عيش: قراءة في المسألة اليهودية عند المفكر الجزائري مالك بن نبي
يري الدكتور يوسف بودن مهندس معماري ومهتم بالفكر الحضاري عند مالك بن نبي وجب أنه علي المجتمع الإسلامي اليوم أن يعرف خصمه تاريخيا ومعرفيا ولا ينبغي ان يحول القرآن إلي تلاوة فقط بل يحول التلاوة إلي سؤال، وأن يعرف الثنائية بين الذات والأخر، هذا الأخر الدي جاء فبادتنا وليس لتحضيرنا وأن لا نحصر المشكلات في المسائل السياسية بل معرفة ما حدث في التاريخ وما يحدث الأن، يعني إعادة قراء التاريخ وكيف نهضت الحضارات وكيف سقطت؟ وهو ما أشار إليه مالك بن نبي في الجزء الثاني من كتابه وجهة العالم الإسلامي.
إن قراءة فكر مالك بن نبي لا يكفي في محاضرة أو ندوة أو حتي ملتقى كونه موسوعة فكرية لا يستطيع أحد منافسته أو الوقوف أمامه ندا للند إلا من وصل إلى مستوي فكره وتأمله وهو يدرس الظواهر ويحللها من منظور عقلي خاصة ما تعلق بالمشكلة الحضارية ومسائل أخرى كالمسالة اليهودية ومشروع العود الأبدي، وقد اعتادت دار النشر ومكتبة الإحسان بمنطقة الأوراس (شرق الجزائر) أن تنظم جلسات فكرية لمناقشة قضايا مختلفة ومتنوعة، تهم الرأي العام لاسيما القضايا والإشكاليات التي هي موضوع الساعة، فكان لها هذه المرة أن تستضيف باحث مهتم بالفكر البنّاوي، هي الإشكالية التي تناولها الدكتور يوسف بودن مهندس معماري واستاذ بجامعة باتنة، وهي قراءة لكتاب "وجهة العالم الإسلامي" في جزئه الثاني للمفكر والفيلسوف مالك بن نبي، الذي سلط الضوء على العود الأبدي "المسألة اليهودية" عند نيتشه وزرادشت، متسائلا عن سبب حضور هذين الفيلسوفين في كتابات مالك بن نبي، وكان مالك بن نبي في الجزء ألأول من الكتاب قد عالج فكرة إنسان ما بعد الموحدين، وحركة النهضة والفوضى التي يعيشها العالم الإسلامي الحديث والعالم الغربي على حد سواء وعواملها الداخلية والخارجية.
في محاضرته وقف يوسف بودن عبر عدة محطات، بدءًا من فكرة التقطيع الزمني الذي مرّ بأربع مراحل حدثت فيها ثورات، وتمدد الجغرافيات وكيف تعرض الإسلام إلى الانكماش ليسوق الحديث عن الحداثة وما بعد الحداثة التي تميزت بالعقلانية والعصرنة، وظهور عصر الأنوار والثورة الفرنسية وهذا المحطات مهدت لعقد المؤتمر الصهيوني في 1897 وكانت من نتائجه ميلاد إسرائيل في 1948، كان هناك إشعاعا كونيا للثقافة العربية لكن رافقتها نوع من الفوضى، وهذه الفوضى أدت بالضرورة إلى انفصال العلم عن الأخلاق، أي السقوط الأخلاقي للغرب والاتجاه نحو المادية.
وقد استعمل المحاضر بعض المفاهيم التي هي بحاجة إلى تبسيط كمفهوم الإستعمار والفتوحات باعتبارهما مفهومان مختلفان، ومفهوم الشّتات في أبعاده العرقية، السياسية، الثقافية والعقائدية الدينية ومفهوم البراديغم عندما قال أن اليهود اليوم يحاولون الخروج من البراديغم والإندماج في المجتمع الغربي من خلال فكرة قتل الاله التي أعلن عنها نينشه، وهي فكرة جربتها النخب اليهودية الأولي ثم المحاولة الثانية في تجسيد الله في المسيح، بالنسبة للعود الأبدي هو الانتقال من الجماعة إلى الدولة ولتحقيق اليهودية مخططها، ساهم اليهودي في تلويث المجتمع المنافس (المسلمون) عن طريق بعض الجماعات كالحشاشين، حتى يصبح اليهودي مركز أوروبا الحديثة ويصبح وحده3 المُنَظِّرُ في الحقول المعرفية، يقول يوسف بودن أن اليهود هم المؤسسين للحداثة وفي الوقت نفسه كانوا ضحاياها، فاضطروا إلى الهجرة لأنهم وجدوا أنفسهم أمام واقع اسمه الدولة الأمة، أراد المخيال اليهودي تحويل الماضي إلى ملحمة وطنية حتى تصبح الهولوكوست دينا يستعمل من أجل الابتزاز مثلما نراه اليوم في المانيا، في نفس الوقت نجد طوفان الأقصى يعيد النظر في ثقافة الإبادة والعنصرية ويفنّد كل الادعاءات مع إبراز بعض الهوامش في العالم.
في المسالة اليهودية توقع مالك بن نبي حرب بين الرأسمالية والإشتراكية، لكنها كانت حربا باردة، اراد مالك بن نبي أن ينبه المسلمين بأن اليهود متواجدون داخل الجماعات بما فيهم اتباع الرأسمالية والإشتراكية، ويستنتج المحاضر من خلال قراءة فكر مالك بن نبي أن الشيوعية تيار يعمل على خدمة اليهود وهذه مفاهيم تسعى في أعماقها خدمة التراث اليهودي ومسار انعتاقهم ومركزيتهم، أما بالنسبة للمسيحية ففي نظر مالك بن نبي انتهت ولم يعد لها وجود ويجب ملء هذا الفراغ الروحي ليس بالهيمنة على العالم بل إنقاذه، أي لإقناع البشرية وليس الانتصار عليها عن طريق التقنية والطاقة وإنتاج نخب تعرف العالم عبر منهجية علمية، وقد ساق يوسف بودن حديث عن المسالة اليهودية لمالك بالنبي الحديث كتاب "الجزائري اليهودية" وهو عنوان وصفه بالمستفز
نقد وتعقيب
كانت هذه محطات وقف عليها الدكتور يوسف بودن وقد فتحت الشهية لدكاترة شاركوا الندوة الفكرية حيث انتقدوا تاريخ ظهور كتاب الجزء الثاني من كتاب وجهة العالم الإسلامي والذي ركز فيه مالك بن نبي عن المسألة اليهودية، وزمن تلقيه (2012) ومنهم الدكتور عمر بوقرورة أستاذ الأدب الجزار بجامعة باتنة في رده علي المحاضر عندما قال أن اليهود اليوم يحاولون الخروج من البراديغم والإندماج في المجتمع الغربي وقال الدكتور عمر بوقرورة أن المسالة اليهودية لا ينبغي أن تطرح في إطارها التاريخي فحسب، بل في إطار استشرافي للوقوف على كيف استولى اليهودي على روح الحضارة الغربية وكيف استسلم الغرب لليهودي، وأصبح اليهودي هو المسيطر على روح الحضارة وهو اليوم يحاول تطويع وتطبيع الحضارة العربية الإسلامية وما تملكه من روح كما طوّع الحضارة الغربية.
كما انتقد الفكرة التي جاء بها يوسف بودن وهي انتقال اليهودي من الديني إلى الثقافي، وقال أن ما حدث هو العكس، أي أن اليهودي انتقل من الثقافي إلى الديني واستغل الثقافي من أجل إعلاء الديني أي السيطرة بالإله، لفشارة وحسب بعض الكتابات فإن اليهود لم يمارسوا التبشير باعتبار أن اليهودية ديانة غير تبشيرية ومغلقة على أهلها، لأنهم يزعمون أن الله اختصهم بها لأنهم شعبه المختار، وهو ما أشار إليه يوسف بودن في قراءته للمسالة اليهودية عند مالك بن نبي، ولعل انتصار اليهودي سببه تفكك العالم الإسلامي وغياب الثقافة الإسلامية، مما جعلهم يتفوقون في جميع الميادين في العلم وفي الصناعة، وما يملكونه من مهارات في الصياغة والجانب المالي والصيرفة ولا زالوا حتي الأن يتوارثون هذه الصفة أو هذه الخاصية كما يستخدمون عنصر المال في السيطرة والهيمنة، ناهيك عن معرفتهم بالكتابة والقراءة عكس العرب في الجزيرة العربية، فيما انتقد أخرون الجامعة الجزائرية وتقاعسها في مناقشة هكذا قضايا وهو ما اشار إليه الصغير باله إطار جامعي ومفتش في قطاع التعليم بأن الجامعة الجزائرية بنخبتها تسوق الانهزامية حيث دعا إلى تحديد المصطلحات والمفاهيم إن كنا نتحدث عن إسرائيل؟ أم نتحدث عن اليهود؟ أم عن الصهاينة؟.
وبالعودة إلى مفهوم العود الأبدي عند اليهود فالمفهوم نفسه يراه البعض في تحول قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية، وهذا التحول كان له دور في انتشار الديانات السّامية وبخاصة الديانتان الساميتان الإبراهيميتان التوحيديتان: الموسوية والعيسوية أو اليهودية والنصرانية (المسيحية) في جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام، وكيف ارتبطت اليهودية بمنطقة يثرب ما جعلها مركز جذب للديانة التوحيدية السامية الأولي، بفعل نزوح اليهود من فلسطين إلي منطقة الحجاز وقد نجح ايهود إلي حد ما في تهويد بعض القبائل العربية في منطقة الحجاز وبذلك عرف ما يسمي بـ: يهود نازحين وعرب متهوّدين وصاروا يلقبونهم بيهود يثرب، تبقي مسألة انتهاء المسيحية فهذه المسألة اختلفت حولها الآراء، فهي كانت منتشرة انتشارا واسعا وكان حظها من ذلك أكبر من الموسوية أو اليهودية لعوامل عديدة منها الجغرافية والتاريخية والسياسية، فالأرقام التي ذكرها مالك بن نبي في كتابه أزمة العالم الإسلامي الصفحة 130
ورغم أن الأرقام قديمة، لكنه ذكر أن النصاري يحتلون المرتبة الأولي من حيث العدد (600 مليون)، والبوذية (570 مليون) والبرهمانية (450 ليون، الإسلامية (400 مليون) واليهودية (14 مليون) وهكذا تأتي اليهودية في المرتبة الأخيرة (14 مليون) وهي تعد من "الأقليات" بعد انتهاء المجوسية، يقول مالك بن نبي في الصفحة 131 من نفس الكتاب (أزمة العالم الإسلامي) أن اليهودية لا تعدُّ دينا بأتم معني الكلمة، هي سياسة أو دين عنصري لا يطلب من أحد الدخول فيه، أما الشيوعية فقد بدأت تظهر كدين جديد يلقي لونه الأحمر على خريطة الأفكار وقد اكتسح لونها رقعة كبيرة من الأرض: (الصين وشرق أوروبا والاتحاد السوفياتي إذن لم يبق علي الخريطة كعقيدة إلا الإسلام والشيوعية لكن هذه الأخيرة هي الأن متصدعة وغير مستقرة في الاتحاد السوفياتي.
إن أهم مسألة عالجها مالك بن نبي في كتابه أزمة العالم الإسلامي هي فكرة "التمزق" إذ يقول أن التمزق لم يصب الضمير العلمي، وإنما اصاب ضمير الإنسانية المتهيئ لجميع الانفصالات، المستعد لضروب المنازعات، المشرف على منازل القيامة، ولعل في ضمير الغيب مصيرا محزنا ينتظر هذه الإنسانية، ويتوقع مالك بن نبي ان تعود الإنسانية إلى عهد الكهوف (ص 138) وقد توحي إلينا القنابل الذرية في الغد بفن جديد من فنون العمارة، عمارة الحياة في جوف الأرض، ويومئذ تعيش الإنسانية في أعشاش هائلة تشبه أعشاش القوارض..الخ وهو ما يحدث الأن ونحن نقف على ما يحدث في فلسطين وغزة.
خلاصة القول يقول الدكتور يوسف بودن، وجب على المجتمع الإسلامي اليوم أن يعرف خصمه تاريخيا ومعرفيا ولا ينبغي أن يُحَوّل القرآن إلى تلاوة فقط، بل يحوّل التلاوة إلى سؤال، وأن يعرف الثنائية بين الذات والأخر، هذا الأخر الذي جاء لإبادتنا وليس لتحضيرنا وأن لا نحصر المشكلات في المسائل السياسية بل معرفة ما حدث في التاريخ وما يحدث الأن، يعني إعادة قراء التاريخ وكيف نهضت الحضارات وكيف سقطت ؟ وهو ما أشار إليه مالك بن نبي في كتابه وجهة العالم الإسلامي، كان هذا في رده على سؤالنا إن كان خطاب السّيف الذي تبناه التيار السلفي الجهادي مسؤول عن الأزمة التي يغرق فيها العالم الإسلامي اليوم ؟.
***
علجية عيش بتصرف
.......................
* (في محاضرة ألقاها الدكتور يوسف بودن حول العود الأبدي)