آراء
ابراهيم ابراش: ما كان لقرار محكمة العدل الدولية أن يكون أفضل من ذلك
قرار محكمة العدل الدولية يومه الجمعة 26 يناير بشأن الحرب على غزة والذي ينص على " إلزام إسرائيل اتخاذ كل التدابير لمنع التحريض لارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة... وأنه على إسرائيل اتخاذ جميع الإجراءات المنصوص عليها لمنع الإبادة الجماعية في القطاع... وأمرت إسرائيل بتقديم تقرير إلى المحكمة في غضون شهر واحد... كما دعتها إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية اللازمة على قطاع غزة".
هذا القرار لم يكن مرضياً تماماً للفلسطينيين ولمن كان يتوقع من المحكمة أن تصدر قراراً بوقف الحرب. وفي واقع الأمر ومنذ تقديم جنوب إفريقيا طلباً لمحكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر 2023، لم نكن نتوقع أن يصدر عن المحكمة قراراً غير ما صدر وذلك لثلاثة أسباب:
1- محكمة العدل جزء من منظومة الأمم المتحدة:
بالرغم من الدور القانوني وخصوصية تركيبة المحكمة بعيدا عن الولاءات السياسية فإن المحكمة جزء من الأمم المتحدة التي تتحكم فيها واشنطن والغرب منذ تأسيسها عام 1945 ولا يمكن تصور أن يترك الغرب ثغرة في منظومة الأمم المتحدة لتنفِذ من خلالها الشعوب المستضعفة وخصوم الغرب، ومنذ تأسيس الأمم المتحدة لم يتم إصدار أي قرار أممي سواء من مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة العدل أو أي من المنظمات الدولية الأخرى، كما لم تنجح الأمم المتحدة في حل أي نزاع دولي سواء في الصراعات الدولية الحالية أو عبر التاريخ. وهناك سوابق في قرارات وآراء استشارية لمحكمة العدل الدولية لم يسمح لها بالوصول لنهاية تدين الغرب أو إسرائيل ومنها الرأي الاستشاري للمحكمة بشأن جدار الفصل العنصري لعام 2004.
2- صيغة الدعوى التي تقدمت بها جنوب افريقيا:
طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة من أجل حماية الفلسطينيين في غزة "من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح" بموجب الاتفاقية ولضمان "امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم المشاركة في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها".
كما تشير الدعوى إلى أن سلوك إسرائيل - "من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها" - يشكل انتهاكا لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
وذكرت الدعوى أيضا أن إسرائيل، "ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على وجه الخصوص، فشلت في منع الإبادة الجماعية وفشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية". كما أشارت إلى أن إسرائيل "تورطت، وتتورط، وتخاطر بالتورط في المزيد من أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة".
فالطلب كان دعوى ضد إسرائيل بشأن انتهاكات مزعومة من جانب الأخيرة، لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة.
وبالتالي كان طلب جنوب افريقيا مركزاً على ما يجري في قطاع غزة وما يرتكبه الاحتلال من جرائم وابادة جماعية ولا يتطرق للأبعاد السياسية للصراع ولم يتضمن الطلب رأياً أو قراراً سياسياً حتى لم يتضمن الطلب قراراً من المحكمة بوقف الحرب.
3- التباس طرفي الصراع أو الدعوى:
المحكمة نظرت في حرب بين دولة (إسرائيل) التي هي عضو في الأمم المتحدة وحركة حماس التي ليست دولة ولا حكومة معترف بها ولا حركة تحرر وطني في نظر كثير من الدول وأعضاء المحكمة، ولو نظرت المحكمة في الحرب أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام أو كانت (دولة فلسطين) طرفاً مباشراً في الحرب وفي الدعوى المقدمة لكان قرار المحكمة مغاير.
مع أن الرئاسة الفلسطينية رحبت بالقرار كما هو الحال بالنسبة لجنوب افريقيا ودول أخرى لأنه لا يمكنهم إلا الترحيب على أمل أن يتم البناء عليه لاحقاً ولأن مجرد تداول مجريات الحرب وجرائم إسرائيل في منبر دولي يفضح إسرائيل ويرد على أكاذيبها بشأن ما يجري في غزة، فإن الكيان الصهيوني وبالرغم من ادانته للقرار واتهامه للمحكمة وقرارها بمعاداة السامية، إلا أنها فهمت القرار كترخيص لها بمواصلة الحرب ما دام لم يطلب منها وقف الحرب، كما أنها رأت في مهلة الشهر فرصة لمواصلة الحرب وتهيئة ردودها على ما طُلب منها.
وتستموتستمر الحرب وجرائم العدو ويستمر تقاعس المنتظم الدولي ومؤسساته إلا بما يجودون به من مساعدات إنسانية يسمح الجلاد بمرورها للضحية، وتبقى الأمور على حالها إلى أن يستكمل كيان العدو مخططاته أو تحدث معجزة في الأمتين العربية والإسلامية مع إدراكنا أن لا معجزات في السياسة.
***
د. ابراهيم أبراش